عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 19-06-2004, 07:15 AM
الموريتاني الموريتاني غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
المشاركات: 18
إفتراضي نص الكاتب الجديد الذي صدر في موريتانيا حول التفجيرات (الجزء الثاني)

الفصل الأول : في المنهج الرباني لتنظيم هذه العلاقات
وقد نظم الحكيم الخبير، المدبر البصير ، هذه الحلقات تنظيما دقيقا ، على قدر متطلباتها ، وحاجياتها ، بميزان معتدل الكفتين ، متساوي الجهتين ، لا يعطي بمجرد الدعوى ، ولا يمنع بمحض الإنكار ، لكن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر .
قدر منافع الأشياء فهدى إليها بالشهوة والإلهام ، وقيد نهمة الشهوة لما في تتبعها من المفسدة ، بتقدير يتلاءم مع المصلحة،فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون، وبما عملوا مجازون ، جزاء وفاقا ، يجبر جريمة الآثم، ويشرد العازم ، (نكالا من الله والله عزيز حكيم ) .
علم منافع الأشياء ومضارها ، فأجرى الحكم على أيهما أعظم ، ( وإثمهما أكبر من نفعهما ) راعت أحكام منهجه المصالح والأصلح، علمناها أو جهلناها ، لكن الله يعلم المفسد من المصلح، بقدر الطاقة تكاليفها ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) ( على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ) تلين جانبها للمضطر وتقسو على الآثم، ( فمن أضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ) أجرت التعويضات المعنوية، مقابل التكاليف المادية، ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) حددت لكل فرد مسؤوليته، وعينت له رعيته، ابتداء بالإمام في الرعية ، وانتهاء بالمرأة في بيت الأسرة ،(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ) حافظت بتحديد العقوبات ، على كيان المقومات ، التي هي الكليات الخمس الضروريات، وأحاطتها بسور الحاجيات و ردء المكملات والتحسينيات وحافظت على السورين بالتعزيرات .
ولأحكام هذا المنهج يخضع الجميع ، الرفيع والوضيع ، الأمير و المأمور، ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) ( والله إني لأتقاكم لله ) الوالد والمولود
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم
أو الولدين والأقربين ) الغني والفقير ( إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) وذلك لأن هذا المنهج للجميع نقطة التقاء وكلمة سواء ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) فتجسدت بذلكم المساواة والحرية، فدخلت في القلوب البشاشة وحصلت المودة والرحمة بين أفراد الأمة، واتجهت للعدو الشدة والشوكة، فكونوا جدارا مؤسس القواعد على كلمة التقوى ، مرصوص البنيان بمخالفة الهوى، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ( أشداء على الكفار رحماء بينهم ) لكن لا تأخذهم رأفة في إقامة حد ،ولا تنفيذ حكم (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) ( فلو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) فأنقطع طمع الكل في أن يعطل حد لفضله، أو يغير حكم من أجله ، لأنه بالتعالي على الحكم هلك من كان قبلنا من الأمم ، قال : صلى الله عليه وسلم " إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا زنى فيهم الشريف حمموه وإذا زنى فيهم الضعيف رجموه ".
وهذه الروابط المتوازنة ، و العلاقات المتبادلة ، هي حدود خالق هذه الحلقات التي أمر بإقامتها ، ونهى عن تعديها ومجاوزتها ، (تلك حدود الله فلا تعتدوها ) وقد قدر ـ سبحانه وتعالى ـ لهذه الحلقات مفكات تشد أسرها، وتفك عند التعاسر دسرها ( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ) ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) .
وهذا التنظيم الرباني هو الميزان العدل، الذي أنزل مع الرسل ، وغيره عدم لأنه جور وظلم قال تعالى ( يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التورية والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) وقال صلى الله عليه وسلم ، في عيسى ابن مريم " يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا " قلت يملؤها عدلا بتطبيق المنهج الرباني ، كما ملئت جورا بالتنظيم البشري ، .
ومعرفة هذا التعادل الذي تحصل به المعادلة بين كل علاقة وكل محاكمة هي الحكمة و الفهم الذي قال على رضي الله عنه أنه ربما أعطيه رجل مسلم ، ولذا قال تعالى في سليمان عليه السلام لما علم المعادلة التي بين الحرث والماشية : (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) .
فالحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ، الحق الذي لا يصلح الأمة غيره ، فهو صراط مستقيم ، وميزان قويم، صراط المنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور.
أينبغي لمسلم عاقل أن يستبدل تنظيمات بشرية ، وقوانين وضعية مقترحة من جاهل بمصيرها ، غائب عن مبدئها ومنشئها ، حاقن وقت التفكير فيها ،بتنظيم الحكيم الخبير، العلي البصير ، المدبر القدير، ( أفغير دين لله تبغون وله أسلم من في السموات و الأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون ) (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ) فيه نبأ من قبلكم وفصل ما بينكم .

الفصل الثاني: في راعي المنهج ( الأمير )
وقد كلف المنهج بتنفيذ ما فيه من العقوبات ، وتحديد التعزيرات ، أميرا مطاع الأمر، وافر العقل ، سليم الحواس ، قوي العزيمة ، صالح البطانة ، متحريا في الحكم ، ذا نجدة وشجاعة ، وعفة ونزاهة ، وعلم وعدالة ، وتأن واستشارة ، تتم له الإمرة بموت صاحب الوصية ، أو ببيعة جماعة من خيرة الأمة ، هواهم تبعا للمصلحة ، أو تغلب ذي الشوكة .
وإذا انعقدت له الإمامة دامت له مدة حياته، ويتصرف فيها بالوصية بعد مماته ، ولا يصح عزله عن هذا الأمر ، إلا بطرو صريح الكفر ، لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المومنين سبيلا ) ولأن تصرف الكافر مقصور على الصورة الحسية ، لانعدام النية للروح التعبدية ، فقطع المجوسي حلقوم الذبيحة لا يخرجها عن الميتة .
وإذا انعقدت له الإمامة بحصول أحد الثلاثة يصير ـ وحده ـ حارس منهج الملة، ساهرا على جلب المصلحة ، ودرء المفسدة بالصرامة في تنفيذ العقوبة المحددة في منهج الملة ، لأنه الممثل ـ وحده ـ لشخصية الدولة ، حامي بيضتها، حامل رايتها ، هو المشتكى ، والحائل دون الفوضى ، مصب كل خطاب جماعي ، ويحول بعضه إلى خطاب فردي ، فإن أصاب فله ولنا ، وإن اخطأ فعليه ولنا ، يقيم لنا الصلاة والكتاب ، فنجني ثمار إقامته ، ونستظل بعدالته ، وننمي تحت إمارته ، ونأكل من بركته ( ولو أنهم أقاموا التورية و الإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) إلى غير ذلك مما حدد له المنهج من المهام العمومية التي تعم نتائجها أفراد الرعية .
ولأهمية الإمام و الإمامة ، ذكر أمرهما في كتب العقيدة ، وذلك لأنه جزء من كلمة الشهادة .
وبيانه أن محمدا رسول الله مبلغ عن الله أحكام الشريعة ومطبق لها على جميع الرعية ، لأنه حاكم الدولة ، وولي أمرها ، حامي ذمارها ، رافع منارها ، وباختياره صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى ، وارتحاله عن هذه الدنيا انقطع الخبر من السماء ، فانتهى جزء التبليغ ، وقام بعده خليفته بجزء التنفيذ ، فاندرج هذا الجزء في كلمة الشهادة، لأنه من مهمة مبلغ الرسالة ، صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا تعلم حقيقة الإمامة وهي : أنها خلافة الرسول في حراسة ما أتى به من الرسالة ومن السياسة ، ومن حراسة هذا المنهج سمي حارسه وسائسه وحاميه وراعيه ، "ولي الأمر" و الألف واللام في كلمة " الأمر" خلف عن ضميرنا نحن المسلمين ، وأمرنا منهجنا المنزل ، وكتابنا المفصل ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وولايته لحارسه ، وسائسه ، القائم بتطبيق حدوده وقائد جنوده رئيس حزبه الممثل لسلمه وحربه، ومن تحريف الكلم عن مواضعه ، أن يسمى باسم ولي الأمر أو يوصف بصفته من لم يشاركه في حقيقته
وكما أن المنهج ألزم الإمام القيام بجميع المصالح العمومية ، كذلك ألزم جميع الرعية له السمع والطاعة ، وحرم عليهم المنازعة ، فحصل بينه وبينهم التكافل والتعادل ، بحفظ الأمير للمنهج الرشيد ، و التزام المأمور له بالطاعة في المعروف وعدم المنازعة .
فإن خرج خارج عن طاعته ، وحاول تفرقة جماعته، فقد بغى لإخلاله بهذا التعادل الذي بين الإمام والرعية لأن الإمام مازال حارسا لمنهج الملة ، ساهرا على مصالح جميع الرعية ، والمأمور خارج عن ما لزمه له من الطاعة وعدم المنازعة فأحل المنهج دمه، وأوجب قتاله ، واستئصاله ، حتى ترد صولته، وتكسر شوكته، وتخمد سورته ، وتفرق جماعته ، فإن رجعت إلى الجادة كانت من أفراد الجماعة لها مالهم من الحماية في ظل الإمامة وعليها ما عليهم من وجوب الطاعة وحرمة المنازعة ( فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ).
ولقتال هذه الجماعة أحكام يختلف فيها مع قتال الكفرة ، مفصلة في كتب الفقه فليراجعها من شاء في باب "الباغية" .
ووجوب الطاعة للإمام مؤذن بانفراده مغلق الباب أمام تعدده ، لإستحالة وجوب طاعة اثنين ، ولانحصار الدولة الإسلامية في قسمين : مطيع ومطاع والثالث معدوم ، لأنه بلسان الشرع مقتول ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) ومن ثم أوصى عمر رضي الله عنه بقتل من تخلف عن بيعة من بايعه أكثر الستة وضم إليهم في انقسامهم على اثنين سابعا لتحصل الأكثرية ، هذا مع علمه بأنهم بقية العشرة المبشرين بالجنة ، وذلك من حفاظه ـ رضي الله عنه ـ على وحدة الكلمة وسد باب الفتنة ، والحيلولة دون الاختلاف والمنازعة .
وبهذا تعلم أن الباغية فرع عن وجود ولي الأمر واجب الطاعة راعي منهج الأمة المنزل ، وكتابها المفصل ، الذي وجبت به طاعته وحرمت منازعته .