عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 16-02-2006, 05:06 AM
جيل الغضب جيل الغضب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
الإقامة: أرض الإسلام
المشاركات: 148
إفتراضي أسد الصحراء قدوة المجاهدين

الشهيد عمر المختار

إن التاريخ العربي والاسلامي على مدى حقبه مليء بأمثال البطل عمر المختار، الذي نحن بصدد الحديث عنه على اعتبار أنه من أبرز أبطال التاريخ العربي المعاصر حيث تعدّى عمر المختار نطاق وطنه الضيّق إلى أن صار من قادة عصره وأصحاب القول في شئون حركة الجهاد وقضايا التحرر العربي والاسلامي.

من هو عمر المختار:

هو ابن المختار وابن عائلة من قبيلة المنفة عائلة فرحات من أكبر قبائل بادية برقة بليبيا ولد بالبطنان بمنطقة دفنة قرب مدينة طبرق سنة 1379هـ الموافق 1862م من أبوين عربيين وكفله أبوه وعني بتربيته فنشأ في بيت عز وكرم تحوطه شهامة العرب وحرية البادية وحوله مظاهر الفروسية ودواعي الاعتزاز بالنفس مما بعث في تلك النفس الكبيرة حب التضحية والانفة من الخضوع إلى من لم يجعل له دينه سلطاناً عليه.
ما كاد عمر المختار يبلغ السن التي تؤهله لحفظ القرآن حتى بعث به والده إلى زاوية الجغبوب التي كانت آنذاك من أكبر المراكز العلمية في شمال أفريقيا بعد القاهرة، وبها مكتبة حوت ثمانية آلاف مجلد في مختلف الموضوعات والعلوم مثل علم المنطق والتاريخ بالإضافة إلى العلوم الدينية واللغوية ، كما تدرب فيها على بعض الفنون القتالية وأظهر براعته في ميدان الفروسية كما وقد لفت المختار نظر معلميه لنجابته ورزانة عقله فصار موضع اهتمامهم وعنايتهم فما كاد يتم حفظ القرآن ودراسة بعض العلوم الأخرى حتى شاع ذكره وتناولته الألسن بالثناء واحترمه رؤساء القبائل العربية لمكانته العلمية والدينية بينهم ثم اشتغل بالتدريس. عندها ولاّه المهدي السنوسي شيخا على زاوية القصور الدينية بالجبل الأخضر فقام بتعليم أولاد المسلمين وأكرم كل من يأوي إلى تلك الزاوية من الفقراء وعابري السبيل، وفض المنازعات بين القبائل وسعى في مصالحها مما جعل أفرادها يطيعون أمره وسار فيهم سيرة حسنة لفضله البادي في كل ناحية مما جعل المهدي السنوسي يثق فيه وخصّه بقيادة معركة واداي ضد الفرنسيين في السودان وعينه نائباً عنه ليكون شيخاً لزاوية "أعين كلك" بالسودان وأسهم بدور فعال في نشر تعاليم الدين الاسلامي هناك مما زاد في شهرته داخل وخارج البلاد كما تمرّس أثناء الحروب ضد الفرنسيين على أمور القتال وإدارة المعارك كما أن توليه لعدة مناصب دينية جعله يؤمن بعقيدته الإسلامية التي تحثه على الجهاد باعتباره فرض عين وأن حياة المسلم لا يعتد بها ما دامت حرماته ودينه ووطنه في خطر فيهون عليه كل مرتخص وغال في سبيل طرد الغزاة من البلاد ليستمتع بها أهلها في ظل حياة عربية إسلامية تحفها الطمأنينة والحرية. كل هذا جعله يرفض الحلول الاستسلامية التي رضي بها إدريس السنوسي وارتمى في أحضان الطليان والانجليز ومما يوضح إيمان عمر المختار بحرية الانسان روده على مصرف المرج دودباشي "أما أعلم عنك أنك ارتكبت من الشدة مع الأهالي الخاضعين لكم ما دل على أنك رجل لا تريد الخير لهذا البلد" ورغم يقينه بأن المراسلات بينه وبين الطليان هي في الواقع بغرض الإيقاع به وليس بهدف الوصول إلى حل عادل ومناسب للقضية الوطنية ولكن نظار لتنشئته الدينية الروحية وإيمانه العميق بالله والوطن. لبّى نداء الاجتماع مع الطليان ولكنه لم يفكر في التفريط بالقضية وكان دائما يدحض حجج المسؤولين الطليان ويحملهم مسؤولية فشل المفاوضات فقال "إنهم دائما يظهرون التشدد وفي كثير من الأحيان كانوا يخلفون وعودهم" وتأكيداً لصحة قول عمر المختار نجد أن المارشال بادوليو حاكم ليبيا العام في ذلك الوقت يخلف وعده بالرد الوقح حيث طلب مهلة ليحضر الموافقة على شروط بنود صلح سيدي ارحومة بالمرج سنة 1929م، كان الرد بقصف الطائرات للمجاهدين غير عابيء بشروط الهدنة ولا بأبسط الأمور الانسانية والأخلاقية ويرى المرء عقلية عمر المختار الناضجة وفكره المتفتح وحبه لوطنه ومواطنيه وأيضا فهمه العميق للنوايا والأهداف الحقيقية للاستعمار الإيطالي ووضوح في الرؤية والأهداف التي يقاتل من أجلها ويتضح ذلك من خلال رده على بادوليو الذي قال "لولا هذه الحرب لرأيت بلادك في حالة أخرى... فرد عمر المختار مستهزئاً به... وهذا صحيح أن البلاد لولا هذه الحرب لما رأيت فيها عربيا يمشي على وجه هذه الأرض، بل رأيت فيها الإيطاليين وحدهم يحلون محل العرب في دورهم ومنازلهم وأراضيهم. وتتمثل انسانية عمر المختار في أنه لا يكن العداء للشعب الإيطالي داخل الجزيرة الإيطالية بل أنه يمقت الفاشيست القتلة وهمجيتهم، ويقول في رسالة إلى أبناء وطنه: "ليشهد العالم أجمع أن نوايانا نحو الحكومة الإيطالية شريفة وما مقاصدنا إلا المطالبة بالحرية... وها نحن الآن ندافع عن كياننا ونبذل دماءنا الزكية فداء للوطن وفي سبيل الوصول إلى غاياتنا المنشودة. ومما تقدّم يتضح أن السيد عمر المختار في حركته وجهاده قد وضع لنفسه ولرفاقه في الجهاد برنامجاً متقدما للتضحية والفداء في سبيل القضية التي يدافعون عنها وهي قدسية الأرض وحق الليبيين في الحياة الكريمة على أرضهم وأنه قد نذر نفسه لهذ القضية وأن الإيمان "بالأرض والحرية" والجهاد في سبيلهما تستوي فيهما مسألة الموت والحياة إنما جاءت لابتلاء المؤمنين أيهم أكثر إيمانا بالحرية وأكثر ارتباطاً بالأرض وطلعاً للحياة الحرة السعيدة ولهذا كان السيد عمر المختار يردد دائماً "اللهم اجعل موتي في سبيل هذه القضية المباركة" وهكذا فإن حركة الجهاد الليبي كانت كفاحاً حقيقيا وأصيلاً شارك فيه الليبيون بنسب متفاوتة ولكنهم خاضوا بأصالة منذ بدايته الأولى وأن حركة الجهاد الليبي حركة تحمل مضامين اجماعية وسياسية وفكرية جاعلة من الحرية ولا سيما تلك التي تتناقض مع وجود الاستعمار هدفا انسانيا نبيلا لها وهذا ما يفسر لماذا لم يضعف ولم يتردد السيد عمر المختار؟ أمام الهجوم الاستعماري العنيف على ليبيا ويكون في مقدمة من حملوا السلاح وقاوموا العدوان حتى النهاية وكما يبدو فإن إصدار عمر المختار على الكفاح يرجع إلى نشأته الدينية وثقافته العلمية التي تؤمن بحرية الانسان فوق أرضه رغم تفاوت الموازين بين قوة المجاهدين والقوات الغازية. إلا أن الطبيعة الاجتماعية للشعب الليبي كانت وراء صلابة وسرعة استجابته وقدرته على استيعاب التحدّي وأعطت الصحراء هذا الشعب الحرية اللامحدودة للحركة فامتزجت معطيات الحرية بمعطيات الشخصية وتكوينه وأصبح الدفاع عن الحرية يعني الدفاع عن الذات وهذا ما يفسر لنا لماذا لم يضعف الانسان العربي في ليبيا أمام قوة الأعداء كما ارتبط النضال من أجل تحقيق حياة حرة في هذه الدنيا بالجهاد من أجل تأمين حياة خالدة في الحياة الآخرة بالاستشهاد في الدفاع عن الدين والوطن فكان الدفاع عن الدين والوطن السمة البارزة في حركة الجهاد الليبي حتى في حالة عدم توفر الوسائل الدفاعية الحديثة لمجابهة العدو وهذا ما أكده إصرار عمر المختار على موقفه الثابت لمواصلة الجهاد في حديث آه الذي وجهه إلى إدريس السنوسي وبعض المهاجرين الآخرين بمصر والذين حاولوا أن يثنوه عن عزمة في مواصلة الكفاح فقال: "... أي خير في أن أعيش مهاجراً ذليلاً على أن أعود إلى بلادي لأموت على ثراها فأودى آخر حق عليّ لله والوطن..".

ولمّا أمعن ادريس السنوسي في محاولة إقناعه بأنه لا يستطيع المقاومة وعليه أن يترك الجبل الأخضر ويعود إلى ديار الهجرة بمصر فكان الرد القاطع بقوله : "لن أبرح الجبل الأخضر مدة حياتي ولن يستريح الطليان فيه حتى يواروا لحيتي في التراب..".( الله اكبر ) وصدق من قال أطلب الموت توهب لك الحياة فأين ذكر عمر المختار واستشهاده في سبيل الحرية؟ وموت أولئك المهاجرين الذين طوتهم صفحات النسيان واين أولئك الذين باعوا أنفسهم للشيطان واستلموا المرتبات والهدايا من المستعمرين( كما يجري الأن من بعض النفوس المريضه في بلادنا العربية ) في حين أن عمر المختار رفض هدية بادوليو في سنة 1929م وكان قدرها مليون فرنك إيطالي وغير خاضعة لأي شروط ولكنه قال "بأنه ليس من طلاّب الهدايا ومن قابليها" وتجمع روايات المجاهدين على أنه بعد انتهاء مفاوضات الصلح في ذلك اليوم قدمت لعمر المختار وجبة غذائية في الدور وهي حبوب الشعير المقلية فأين ذلك من الوجبات الدسمة التي كانوا يلتهمونها في قصور أسيادهم الفاشيست؟.

كفاحه ضد الغزاة الطليان:

منذ اللحظة الأولى للغزو الإيطالي هبّ عمر المختار للدفاع عن الوطن فكان في مقدمة المجاهدين الذين تصدّوا للعدوان الإيطالي واتخذ مركزه حول مرتفعات بنينه جنوبي بنغازي واشتبك مع الإيطاليين في عدة معارك وهاجمهم في بنغازي وعقب وصول الضباط الأتراك إلى دور بنينه وجدوا عمر المختار أمامهم وقد واصل جهاده مع القوات التركية تحت إمرة القائد الجديد لدور بنينه عزيز علي المصري الذي سرعان ما ربطته بعمر المختار علاقات مودة وتقدير واستمر يلازمه حتى انتهت الحرب رسمياً بين تركيا وإيطاليا لصالح الأخيرة بموجب معاهدة أوشي لوزان في 18 أكتوبر 1912م والتي بمقتضاها انسحبت الحاميات التركية من طرابلس وبرقة وكما هو معلوم أن صلح لوزان قد وقع بدون مشورة العرب الليبيين بل بدون أن يعلموا به مما كان له تأثيرات سلبية على سير العمليات. فالقوة المعنوية للحرب كانت تعتمد على وجود العرب والترك متساندين في خندق واحد ضد عدو مشترك ولكن بعد المعاهدة يترك الليبيين يختارون لأنفسهم ما شاءوا وفي وقت لا يتسع. غير أن عمر المختار بخبرته الواسعة بشؤون المنطقة الممتدة من بنغازي غرباً وحتى تاكنس شرقاً ومعرفته بأهل هذه المنطقة جعل السيد أحمد الشريف يعيد تعيينه قائداً للدور الذي تكون غربي جردس الجراري وظل هذا الدور يقوم بوظيفته مع بقية الأدوار الأخرى التي أعاد بناءها أحمد الشريف كدور المدور وبشمال ودور جردس البراعصة ودور القطوفية جنوب بنغازي.
__________________

(( يقول المجاهد الشهيد عمر المختار : لئن كسر المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقي )) .

الغضب الساطع أت و أنا كلي إيمان