عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 16-02-2006, 05:17 AM
جيل الغضب جيل الغضب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
الإقامة: أرض الإسلام
المشاركات: 148
إفتراضي

ولقد انطوت استراتيجية عمر المختار عقب توليه قيادة الحركة الوطنية هي الاعتماد على الذات والمصادر المحلية بالإضافة إلى ربط أهم الصلات بالأهالي المستسلمين ظاهرياً للسلطات الإيطالية في حين أنهم هم سند لحركة الجهاد يمدونها بالمال والمعلومات والأسلحة والذخيرة وهم بالتالي يساهمون في إلحاق الهزائم المنكرة بالأعداء وعلى سبيل المثال تبرع المجندون الليبيون مع الطليان بجزء من مرتباتهم كمساعدة للمجاهدين كما أخفى البعض الآخر الذخيرة في التراب وجعلوا إشارة متفقاً عليها مع المجاهدين لتدلهم على مكان إخفاء الذخيرة كما أطلق بعضهم النار بالهواء ليوهم الإيطاليين بأنه يحارب إلى جانبهم وتعد حادثة معركة الرحيبة في مارس 1927م هي أصدق مثال على التعاون بين المجاهدين والمجندين مع الطليان حيث كانت الهزيمة الساحقة للقوات الإيطالية في حين أن الأقسام الليبيين كما تسميها المصادر الإيطالية لم تطلق إلا عيارات نارية قليلة في الهواء وهذا ما اشار إليه غراتسياني "أما الأقسام الليبية فلم تقم بالأعمال الموكلة لها لأن تأثير عمر المختار في حقوقهم كان كثيرا..". هذا بالإضافة إلى المساعدات التي كان يقدمها الأهالي من زكاة العشر عن مواشيهم وممتلكاتهم وما يقدمونه من تبرعات لحركة الجهاد في الخفاء بالإضافة إلى المعلومات حول تحركات العدو مما أفشل جل الخطط الإيطالية لمباغتة الأدوار. كل ذلك جعل القيادة الإيطالية تدرس بدقة عوامل صمود المقاومة الوطنية في ليبيا. واستعانت بالمخلصين لها من أبناء البلاد الذين أشاروا عليها بأن تقطع دابر الأهالي المستسلمين لها ظاهريا وأن تقطع كل صلة لهم بالمجاهدين. وهكذا ابتلع الإيطاليون فكرة اعتقال جماهير الشعب الليبي لوضع فاصل من الأرض بين الأهالي المستسلمين بالمدن والقرى المحتلة وبين ذويهم من المجاهدين وبالتالي قطع كل وسائل الاتصال بين الجانبين وفعلاً ثم تطبيق الفكرة على يد السفاح غراتسياني ومع بداية سنة 1930م تم ترحيل الناس من جهة البطنان ومساعد والبردى وطبرق وضواحيها وحشروا بمعتقل عين الغزالة كمركز تجميع وأيضا نقل سكان الشريط الساحلي وبنغازي وضواحيها بمركز تجميع قمينس، وآخر الأمر صدرت التعليمات بحشرهم جميعاً في معسكرات اعتقال جماعية عرفت بالمقرون وسلوق والعقيلة والبريقة وشملت تلك المعسكرات حوالي 126 ألف نسمة بقوا داخل أسلاك شائكة ووفق ممارسات لا انسانية من تعذيب وشنق وتجويع واستمرت المعتقلات تعجّ بالبشر طيلة أربع سنوات وفتكت أمراض المجاعة وسوء الرعاية الصحية والاهمال والتعذيب بحوالي 190 ألف نسمة. ورجع الثلث الآخر إلى مواطنهم السابقة شبه موتى أو أنصاف أحياء يحملون معهم معاناة تلك السنوات المريرة من هزال وشلل وكساح وفقد البصر وفقدوا القدرة علىالعمل والانجاب وأحيطوا مرة ثانية بالأسلاك الشائكة بمراكز أمنية أخرى بمواطنهم الأصلية طيلة سسنتين حتى حدوث حرب الحبشة في سنة 1935م وذلك لاختبار جذوة الثورة بهم واشتغل البعض منهم موقود لتلك الحرب في الحبشة ويمكن حصر خسائر حرب التحرير الليبية بحوالي 750 ألف نسمة منهم من مات في المعتقلات ومنهم شهداء الحرب هذا بالإضافة إلى من مات بالحبشة ومن هاجر ولم يعد. أما الخسائر المادية حيث قضي على ما يقارب من مليون رأس من الماشية، وحرمان أبناء البلاد من أهم مصادر الرزق عندما استولت الشركات الإيطالية مثل الانبس والانتي على معظم الاراضي الصالحة للزراعة وتم استصلاحها وتسليمها للمستوطنين الطليان وأصبح أهل البلاد يبحثون عن قوتهم وسط جحيم الحروب أو في أقبية المطاعم الإيطالية كخدم منازل واضطر بعضهم الآخر إلى السفر إلى إيطاليا وفق الضغوط والاغراءات الإيطالية بتوفير العمل هناك ولم يعد العدد الكبير منهم حتى الوقت الحاضر.

المحكمة الصورية:

بينما كان عمر المختار في سرية من المجاهدين تعد خمسين مجاهداً، أثناء عملية استكشافية لموقع العدو لرصد تحركاته وإذا به يفاجأ وهو في أحد الوديان بطلائع جيش العدو المكونة من أربعة فرق تحت قيادة أمهر القادة العسكريين الإيطاليين أمثال "ابياتي" والذين تعرفوا على مكان وجود عمر المختار عن طريق الجواسيس والمتعاونين معهم ووجد عمر المختار نفسه نطوقا من جميع الجهات فأمر أصحابه بالهجوم لفتح ثغرة في صفوف العدو ولكن دون جدوى. فالكثرة تغلب الشجاعة فكلما أبادوا فرقة اعترضتهم الأخرى حتى نفدت الذخيرة من المجاهدين واستشهد أغلبهم وقتل جواد عمر المختار وأصيب هو بعدة جروح وكسور في عظام اليد، فالتفت حوله جنود العدو واصبح منذ تلك اللحظة ذلك الرأس المفكر والقلب النابض للثورة العربية في ليبيا، أسيراً في أيدي القوات الإيطالية. علم السفّاح اغراتسياني بذلك في روما فقطع اجازته وجاء إلى ليبيا ليتفق مع بادوليو على اجراء محاكمة سريعة وخاطفة للحكم عليه بالإعدام وهذا ما اشارت به البرقية الموجهة من بادوليو إلى غراتسياني في تاريخ 14/9/1931م وبها يؤكد أن محاكمة الشهيد عمر المختار لا بدّ أن تنتهي بإصدار حكم الإعدام عليه وأنه يجب أن ينفد علنياً داخل أحد معسكرات التجميع والاعتقال. "إذن فهم يحكمون بالموت على الناس لكل شيء..". وطلب غراتسياني إحضار عمر المختار فأحضر إليه مكبلاً بالحديد رغم الجروح والكسور ويعترف غراتسياني: "... بأن هذا الوطني الذي يمثل أمامه هو رجل لا كالرجال..".

وسأله غراتسياني: لماذا تحارب دون هوادة الحكومة الفاشستية؟

فرد عمر المختار: دون وطني وديني.

ومن ردود عمر المختار على أسئلة غراتسياني أنه قال:

"... حربنا لكم فرض علينا لأنكم مغتصبون...".

وفي مساء اليوم ذاته الثلاثاء 15/9/1931م عقدت المحاكمة التي لم تستغرق سوى أقل من 75 دقيقة وهو أمر لم يجر مثله في الاعراف الدولية ووجهت إليه تهمة الاعتداء على سلامة الدولة وعلى أمن البلاد تهمة قطع الطريق:

أجل عمر المختار القائد الوطني الشجاع العظيم ها هو في نظر المستعمرين قاطع طريق مجرد اختلال في الموازين: المدافع عن وطنه ضد الغاصبين يصبح في قفص الاتهام معتدياً على سلامة الدولة الإيطالية وكأنه ذهب لمحاربتها في عقر دارها، ثم طلب النائب العام الإيطالي الحكم على عمر المختار بالإعدام وعندما سئل المحامي الإيطالي المنتدب للدفاع عنه وما الذي ينتظر منه كضابط تربى في مدرسة الاستعلاء الفاشيستي؟ وكيف يكون خصماً وحكماً عدواً ومحامياً؟

سئل المحامي ما إذا كان لديه ما يعلق به على كلام النائب العام بغرض الامعان في المهزلة التي نسجت خيوطها في أفكار الفاشيست الطليان لإيهام الرأي العام العالمي والعربي والاسلامي بأنه تم تكليف محام للدفاع عن عمر المختار في حين أن أعواد المشنقة قد نصبت بمدينة سلوق قبل ذلك بيوم أو اثنين ليشهد أبناء ليبيا إعدام عمر المختار إمعاناً في بث الرعب والخوف في قلوبهم وكان المحامي ممثلا بارعاً ولكنه حادت به انسانيته قليلاً عن أهداف الفاشيست فدافع بنوع من المنطقية والمعقولية حيث اشار إلى كبر سن عمر المختار الذي ناهز السبعين وطلب من المحكمة احترام شيخوخته وتبديل حكم الإعدام عليه بالسجن المؤبد كما اشار المحامي بأن عمر المختار رجل يدافع عن وطنه ودينه ومن حقّه أن قاوم لأن الطبيعة الانسانية منحته حق الدفاع عن أرضه ودينه، وهنا عرف الفاشيست بأن المحامي قد حاد عن مبادئهم التي تجيز القتل والدمار دون أدنى اعتبار للإنسانية، فارتفعت صيحات الغوغائيين الفاشيست مطالبة بطرد المحامي ورفعت الجلسة للمداولة، ثم أعلن القاضي الحكم على عمر المختار بالإعدام شنقاً حتى الموت وصعدت روح البطل إلى بارئها وأصبح منذ ذلك اليوم المشهود شيخاً للشهداء بعد أن قضى مدة اثنين وعشرين سنة شيخاً للمجاهدين وقد خلد ذكراه الشعراء والأدباء فقد قال أحمد شوقي:

يـا ويحهم نصبوا منــاراً من دم يوحي إلى جيل الغـد البغضاء

جـرح يصبح على المدى وضحية تتلمس الحريـــة الحمـراء

وخاطب شوقي عمر المختار بقوله:

خيرت فاخترت المبيت على الطوى لم تبـن جاها أو تلم ثــراء .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخوكم جيل الغضب
__________________

(( يقول المجاهد الشهيد عمر المختار : لئن كسر المدفع سيفي فلن يكسر الباطل حقي )) .

الغضب الساطع أت و أنا كلي إيمان