عرض مشاركة مفردة
  #16  
قديم 13-04-2004, 12:20 PM
صلاح الدين القاسمي صلاح الدين القاسمي غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: افريقية - TUNISIA
المشاركات: 2,158
Lightbulb يا فاتح الباب يا وهاب .

بسم الله والحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
و بعد ،

1 - بقدر ما سُعدتُ غاية السعادة لمداخلة الأخ الحبيب الهادىء الذي عطر الموضوع برأيه الثاقب و فكره النير ، بقدر ما تكدرتُ لخبر متاعبه الصحية ،
فاللهم إني أسالك يا عظيم ، يا رب العرش العظيم أن تشفي أخينا و تعافيه من كل مرض و ألم يا الله ، بمحض فضلك و منَّك و جودك على عبيدك يا الله ،
و بحق { و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة } و بحق { و إذا مرضت فهو يشفين }
آمين . آمين . آمين يا رب العالمين . يا الله
.

2 - جزاك الله خيرا أخي الهادىء على مداخلتك القيمة حقا في هذا الموضوع الحواري الذي فتحناه للتدريب و للتقريب أكثر منه لشيء آخر .
مداخلتك قيمة حقا لأنها طرحت الموضوع من أساسه ، و إذا ما وضعنا أصابعنا على أساس الموضوع و تعمقنا فيه قليلا ، ستحصل الإستفادة بحول الله .
و فعلا ، فها أنتم أخي الكريم تبينون بجلاء أن إستخلاف الله للإنسان هو غاية وجوده على هذه البسيطة ، و أن في إستخلافه كرامة له من عند الله عظيمة .
و أن الآدميين مطالبون بالمحافظة على هذا التكريم والمتمثل في القيام بحقوق الخلافة .
و متى قام الإنسان بواجبه سعد ، و متى حاد عنه شقي .


و قبل أن أنتقل إلى مداخلة أخي المسك ، سأطرح سؤالا واحدا للأخ الهادىء في سياق مداخلته الطيبة تلك ، لأقول :

إذا كان الله قد أكرم بني آدم بأمانة الإستخلاف و هو ، أي الآدمي ، بالتالي بين سعادة[ في أحسن تقويم ] و شقاء [ أسفل سافلين ] ، فلماذا يا ترى لا نجد ذكر الجان في آيات الإستخلاف و آية الأمانة و آية التكريم ، في حين أن آية سبب الخلق ( الذاريات 56 ) جمعت الثقلين معا ؟؟؟

دعوة للتأمل الجماعي و التدبر في كلام الله العزيز

3 - آتي الآن إلى مداخلتي الأخ الكريم المسك لأقول :
* يا أخي المنسق ، إرحمني قليلا يرحمك الله فما قصدت من خلال تلك الأسئلة إلا إعطاء دفع و شحنة للتفكير ثم للكتابة .
و ها قد أتاك الدليل واضحا كفلق الصبح إذ اتانا أخونا العزيز الهادىء يخوض بإقتدار في أحد محاور الموضوع المهمة ألا و هي قضية الخلافة التي أثرتها من ضمن تلك الأسئلة ، فأفاد جزاه الله و جزاكم جميعا كل خير .

ثم لو دققت أخي المسك النظر في تلك الأسئلة لوجت جلها يحوم حول مسائل العبادة و الخلافة .
و لكن لا بأس أخي المسك ، فكم نحن في حاجة إلى من يصوبنا
و يلفت إنتباهنا و ينسق مجهوداتنا


* أخي المسك ، جزاك الله خيرا على مداخلتكم القيمة حقا و صدقا .
فها أنت اخي تذكرنا بأن كرامة الله على الإنسان أن خلقه للعبادة . و قد عرفت العبادة بذلك الإسم الجامع لكل ما يحبه الله و يرضاه متأثرا في ذلك ، و لا حرج عليك في ذلك ، بالمفهوم الذي قدمه الشيخ ابن تيمية رحمه الله في رسالته المعروفة برسالة العبودية .

و لقد أثرت نقاطا مهمة في مداخلتك الأخيرة أحاول تلخيصها في ما يلي :
- أهمية إقتران الإخلاص بكل أشكال العبادة حتى يحقق المكلف الغاية من خلقه .
- إنفتاح موضوع العبادة و ضرورة تطابقه مع مفهوم آخر لا يقل أهمية ألا
و هو مفهوم توحيد الله .
بعبارة أخرى ، كأننا نقول أن الله خلقنا لكي نوحده .
- لتحقيق تلك الغاية النبيلة : عبادة الله من خلال توحيده التوحيد الخالص لوجهه الكريم ، لا بد من إتباع سبيل تؤدي بنا إلى ذلك .
تلك السبيل هو ما سميته أخي المسك : إتباع الله و سنة رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .


و قبل أن أدون بعض الملاحظات لإعطاء بعون الله تعالى دفعا جديدا للحوار ( إطمأن أخي المسك هذه المرة ، لن يكون عن طريق طرح أسئلة ) ، أرجو من الله أن أكون قد وفقت في تلخيص أهم ما جاءت به مداخلتك الأخيرة . إيه ، ما رأيك ؟؟؟

آتي الآن لأقول مستعينا بالواحد الأحد الفرد الصمد :
يبدو و جليا لكل مهتم أن الآية 56 من سورة الذاريات واضحةوضوح الشمس في رابعة النهار من حيث تقرير أن الغاية من خلق الجان و الإنس هو عبادة الله سبحانه و تعالى .
و لكن هل كلمة العبادة كلمة بسيطة لا تستحق الوقوف عندها أم بالعكس من ذلك ، أن في فهمنا الصحيح للعبادة تحقيق مقصدنا الصحيح من الخلق ؟
لا ننسى أن القرآن الكريم حمَّال أوجه .
و المطلع على ماذهب إليه جمهور المفسرين لهذه الآية الكريمة يقف على نقاط مهمة لعل أهمها :

* ما أقره الطبري في جامع البيان في تفسير القرآن من إختلاف أهل التأويل في قوله تعالى { و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون } و عدد الأقوال في ذلك .

* أما الزمخشري في كشافه فقد ذهب إلى "(وما خلقت الجن والإنس )إلا لأجل العبادة، ولم أرد من جميعهم إلا إياها. فإن قلت: لو كان مريداً للعبادة منهم لكانوا كلهم عباداً؟ قلت: إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة لا مضطرين إليها، لأنه خلقهم ممكنين، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريداً لها، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم".ا.هـ

* أما ابن كثير فقد أورد "إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً. وهذا اختيار ابن جرير،
وقال ابن جريج: إلا ليعرفون،
وقال الربيع بن أنس: {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا للعبادة،
وقال السدي: من العبادة ما ينفع، ومنها ما لا ينفع " ا. هـ

* أما القرطبي في الجامع لأحكام القرآن فقد ذهب في تفسير "قوله تعالى: {و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون } قيل: إن هذا خاص في من سبق في علم الله أنه يعبده، فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص.
والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجنّ والإنس إلاليوحدون.
قال القشيريّ: والآية دخلها التخصيص على القطع؛ لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال أراد منهم العبادة، " ا.هــ

* و في تنوير المقباس لإبن عباس رضي الله عنهما ، جاء "و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون } ليطيعوني وهذا أمر خاص لأهل طاعته ،
ويقال لو خلقهم للعبادة ما عصوا ربهم طرفةعين وقال علي بن أبي طالب ما خلقتهم إلا أن آمرهم وأكلفهم
ويقال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون إلا أمرتهم أن يوحدوني ويعبدوني " ا.هـ

* أما ابن الجوزي في << زاد المسير في علم التفسير >> فقد أثبت الإختلاف في فهم الآية و حصره في أربعة أقوال حيث قال :
"أحدها: إلا لآمرهم أن يعبدوني قاله علي بن أبي طالب، واختاره الزجاج.

والثاني: إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها، قاله ابن عباس؛ وبيان هذا قوله ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله [الزخرف: 87].

والثالث: أنه خاص في حق المؤمنين. قال سعيد بن المسيب: ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني. وقال الضحاك، والفراء، وابن قتيبة: هذا خاص لأهل طاعته، وهذا اختيار القاضي ابي يعلى فإنه قال: معنى هذا الخصوص لا العموم، لأن البله والأطفال والمجانين لا يدخلون تحت الخطاب وإن كانوا من الإنس، فكذلك الكفار يخرجون من هذا بدليل قوله:
{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس }
[الأعراف: 179]، فمن خلق للشقاء ولجهنم، لم يخلق للعبادة.

والرابع: إلا ليخضعوا إلي ويتذللوا. ومعنى العبادة في اللغة: الذل والانقياد. وكل الخلق خاضع ذليل لقضاء الله عز وجل لا يملك خروجا عما قضاه الله عز وجل، هذا مذهب جماعة من أهل المعاني." ا.هـ

و هكذا ، بعد هذه الجولة العلمية في التفاسير و التي أرجو أن لا تكون قد اثقلت الحوار ، يتضح أن الله سبحانه و تعالى خلقنا كي نعبده و نخضع لربوبيته خضوعا فيه سعادتنا و كرامتنا في الدنيا و الآخرة فهو عز و جل غير مستحق لنا بالمرة على عكس العلاقة البشرية الناشئة بين السيد و العبيد حيث يستعين السيد بعبيده و جواريه على أمر الرزق ، و لكن الله تعالى غني عن ذلك بدليل قوله الكريم في الآية التي تلي مباشرة :{ وما أريد منهم من رزق و ما أريد ان يطعمون } .
فالله سبحانه هو الرزاق و هو الذي تعلقت إرادته بخلق الجان و الإنس لعبادته و الإصطبار لعبادته . و هذا محل التكليف : إبتلاءا و امتحانا .
و كما تعلقت إرادته بالعبادة ، فقد تعلقت كذلك بما يخالفها حيث يقول تعالى : { و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الإنس } .
و الله سبحانه لما خلقنا ، خلق فينا الإستعداد للعبادة و لكن هناك من أطاع و هناك من عصى .
و حتى لا أطيل أكثر ، أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم من جميع ما كره الله قولا و فعلا و خاطرا و ناظرا ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .


و السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته