عرض مشاركة مفردة
  #22  
قديم 30-08-2001, 10:36 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

التعقيب على ردك الأخير بتاريخ 22\8\2001 :

1- قلت : ( أما ما جاء في رابعا فإني أحتاج لمعرفة مرادك من كلمة ( واقع ) فهل تقصد منها ذات الشيء فإذا قلت واقع الكتاب فهل تقصد ذات الكتاب الموجود في الخارج أم أنك تقصد من هذه الكلمة معنى الشيء وليس ذاته ؟ فلو فرضنا أنك تقصد المعنى الأول فإن ذلك ممتنع فالكتاب ذاته لا ينتقل إلى الدماغ ولو فرضنا أنك تقصد المعنى الثاني فإن ذلك يتعارض مع قولك بأن العقل يتعامل مع الأمور الحسية لأن الذي انتقل إلى الدماغ لم يكن شيء حسي فالشيء الحسي بقي مكانه في الخارج وأما الذي انتقل إلى الدماغ فهو معنى ذلك الشيء الحسي وهذا معناه أن العقل لا يتعامل مع الشيء الحسي بل أنه يتعامل مع معناه .. لذلك فإننا حينما نسمع كلمة كتاب فإننا ندرك معناها مباشرة ومن ثم فإن التعامل يتم مع المعنى لا مع الكلمة ذاتها وما يؤكد هذا المعنى أننا لا نستطيع أن نتعامل مع تلك الكلمة لو أننا لم ندرك معناها فالتعامل إذن يتم مع المعنى وليس مع الكلمة .. ).

الواقع هو كل ما يقع عليه الحس، أي كل ما يحس، فكل ما يلمس بالبشرة وكل ما يشم بالأنف وكل ما يذاق طعمه باللسان وكل ما يرى بالعين وكل ما يسمع بالأذن يعتبر واقعا. فالكلام المسموع واقع، والنصوص المكتوبة واقع، وذوات الأشياء كالانسان والحيوان والشجر والحجر والقلم والورق واقع ، وافعال الانسان واقع، والحوادث التي تقع واقع، وصوت كل شيء كصوت الطائرة والحصان والشلال واقع، والروائح المختلفة كرائحة الورد والياسمين والشواء واقع، وكل ما يتذوقه الانسان كالحلو والمر والمالح واقع. فالمقصود بالواقع هو كل ما يقع عليه الحس، ولذلك يقال الواقع المحسوس، وشرط التفكير هو أن يكون التفكير تفكيرا في واقع محسوس.

وأما تعبير ( نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ) فليس الذي ينقل هو ذات الواقع، وانما هو الاحساس بالواقع. وتم التعبير ب " نقل الواقع " وليس بنقل صورة الواقع لأن الذي ينقل هو الاحساس بالواقع لا صورة كالصورة الفوتوغرافية. فهي صورة للواقع وهو الواقع احساسا. ولذا كان القول بأنها نقل الواقع ، أدق من القول بأنها نقل صورة الواقع، لأن الصورة المنقولة هي احساس بالواقع لا صورة عنه فقط. فالذي يحصل هو أن الواقع المحسوس تنتقل صورة عنه الى الدماغ بواسطة الحواس، وتكون هذه الصورة بحسب الحاسة التي نقلت الواقع. فإن كانت البصر، نقلت صورة الجسم، وان كانت السمع نقلت صورة صوته، وان كانت الشم نقلت صورة رائحته، وهكذا . فيرتسم الواقع كما نقل في الدماغ، أي حسب الصورة التي نقلت. فهذا الذي ينقل ليس هو ذات الشيء، وإنما الذي ينتقل هو صورة الواقع وهو الواقع احساسا.

وفي مثال ( الكتاب ) الوارد في تعقيبي بتاريخ 15\8\2001 استعملت " بضم التاء " تعبير ( صورة الواقع المطبوعة في الدماغ )، فقد ورد ما نصه : ( وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء، أي ادراك أنه كتاب)، فهذا النص لا يدع مجالا للشك بأن ليس المقصود نقل ذات الواقع إلى الدماغ .

وأيضا ليس المقصود نقل معنى الواقع، لأن الحس بالواقع غير معناه، بل لا يرد موضوع المعنى هنا مطلقا، فأنت عندما تحس بالبرد مثلا فإن الذي ينتقل إلى دماغك هو احساسك بالبرد وليس معنى البرد، والمسألة هنا ليس السؤال عن معنى البرد وإنما هو احساسك بالبرد، وكذلك عندما يقع بصرك على كتاب معين فإن الذي ينتقل الى دماغك هو صورة الكتاب احساسا لا معنى الكتاب ، والسؤال المطروح في المثال هو ما هو هذا الشيء ؟ أي ما هي حقيقته أو ما هي ماهيته أو كنهه، وليس السؤال ما هو معنى كلمة الكتاب . فقد ورد في التعقيب المذكور ما نصه : ( ولتوضيح واقع عملية التفكير وواقع الفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير أضع المثال التالي : لو سألتني ما هذا الشيء - ولنفترض أن هذا الشيء هو كتاب – فإن جوابي يكون : هذا كتاب). وفي ردك قبل الأخير قلت ( فأما قولك ( انتقل واقع الكتاب إلى دماغي ) فإني أتصور أنك لو قلت بدلا من ذلك ( انتقلت صورة الكتاب إلى دماغي ) لكان ذلك أدق وأسلم إذ أن واقع الشيء لا ينتقل إلى الدماغ بل تنعكس صورة منه فقط )، فأنت هنا تقول أن الذي ينتقل هو صورة الكتاب، وصورة الكتاب ليست هي ذات الكتاب ولا هي معنى الكتاب.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المفترض أن كل ما ورد في تعقيبك المذكور أعلاه انما هو رد على ما ورد في النقطة الرابعة في تعقيبي بتاريخ 15\8\2001 ، وحتى يدرك أنك لم ترد على ما ورد فيها، لا بد من عرض ما جاء فيها بالنص :
( رابعا- على الرغم من غموض تعريفاتك وعلى الرغم من الخطأ الذي وقعت فيه إلا أن التعريفات التي أوردتها في تعقيبك تشترط أيضا توفر العناصر الأربعة حتى توجد العملية التفكيرية، فقولك ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) اقرار بشرط وجود الحواس والواقع لأن المنطق يشترط انتهاء كل قضية من قضاياه الى الحس. وأما قولك ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) ففيه اقرار صريح بشرط وجود الدماغ ، وفيه اقرار ضمني بشرط وجود الواقع والحواس وكذلك المعلومات السابقة . أما الواقع فإنه إذا لم يكن هذا الذي يتم نقله إلى الدماغ هو الواقع فماذا يكون ؟ وإذا لم يكن الواقع هو ما نريد التفكير فيه واصدار الحكم عليه فبماذا سنفكر ، وعلى ماذا سنصدر الحكم ؟ وإذا لم تكن الحواس هي واسطة نقل الواقع إلى الدماغ فما هي هذه الواسطة ؟ وأيضا إذا لم تكن وحدة القياس أو وحدة التوزين هي المعلومات السابقة التي تفسر الواقع فماذا تكون ؟ فالواقع هو الذي يتم نقله الى الدماغ بواسطة الحواس ويجري التفكير فيه بربطه بالمعلومات السابقة التي تفسره فيصدر الدماغ حكمه عليه ).
فتعقيبي الوارد في النقطة الرابعة يناقش تعريفك أنت للعقل وللتفكير، فكان المفروض أن توضح دلالة كل كلمة من الكلمات الواردة في تعريفك أنت لا أن تناقش أو أن تقتصر على مناقشة دلالة الكلمات الواردة في تعريفي، فالمفروض أن توضح تعريفك، فتعريفك للتفكير نص على وجود شيء يتم نقله الى الدماغ وهذا الشيء هو الذي يتم وزنه ويصدر الحكم عليه ، فما هو هذا الشيء ؟ أي ماذا تقصد بقولك (ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه) ؟ وأيضا تعريفك ينص على وجود عملية نقل أي جعلت عملية النقل جزءا من التعريف ، لكنك أبقيتها مجهولة فما هي ؟ ومن أين يتم نقل هذا الشيء الى الدماغ ؟ وأيضا ما هي وحدة الوزن ؟ فكان المفروض أن تجيب على هذه الأسئلة المتعلقة بتعريفك لا أن تنقل النقاش الى مثال الكتاب.


2- قلت : ( ثم لابد وأن تلاحظ أن العقل يتعامل مع المعنى لا مع الشيء حتى لو كانت الوسيلة التي نقلت معنى الشيء إلى العقل هي وسيلة حسية فإن ذلك لا يغير في الأمر شيء ) ، قولك هذا حجة عليك ، لأن المعنى الذي يقع عليه الحس هو واقع محسوس، وأنت تقول أن المعنى قد تم نقله بحاسة من الحواس، فالحس قد وقع عليه بالفعل وتم نقله الى الدماغ بواسطة الحواس، فالشرط الذي يجب أن يتوفر للتفكير وهو الواقع المحسوس قد تحقق وجوده، فلا يصلح كل ما قلته هنا لنقض شرط الواقع المحسوس كشرط لعملية التفكير .


3- وأما قولك : ( كما وأننا كثيرا ما ندرك الأمور غير الحسية بواسطة إدراكنا لأمور حسية ومن المفروض أن هذا لا يجعلنا نعتقد بأن إدراكنا قد وقع على شيء حسي فالشيء الحسي في هذه الحالة لا يعدو عن كونه وسيلة لأن ندرك شيئا غير حسي ومثال على ذلك لو أن أحدا أخبرنا بشيء معين وبواسطة بعض القرائن الحسية أدركنا أنه كان كاذبا كما لو أننا رأيناه في مكان آخر في نفس الوقت الذي ذكره لنا في كلامه فإن إدراكنا لكذبه جاء بعد تفكير منطقي أجريناه على الدلالات التي أدركناها واستخلصناها من تلك القرائن الحسية... ).
فكل ما قلته هنا يؤكد صحة تعريف العملية التفكيرية ، لأنك تؤكد هنا على شرط الواقع المحسوس كشرط للتفكير، فأنت تقول ( ندرك الأمور غير الحسية بواسطة إدراكنا لأمور حسية ) فالشرط المطلوب حتى يتم التفكير هو التفكير في واقع محسوس، وادراك الكذب أتى من التفكير في أمور حسية أو من قرائن حسية، فكيف يدل هذا المثال على أن التفكير يمكن ان يحصل بدون وجود الواقع المحسوس ؟
هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن كل ادراك حسي له بالضرورة واقع محسوس، والكذب في مثالك له واقع محسوس، وواقع الكذب في مثالك هو مخالفة ما قاله هذا الشخص للواقع المشاهد، فالشخص قال أنه كان موجودا في مكان كذا، ولكنه شوهد في مكان آخر غير الذي قال، وهذا هو واقع الكذب الذي أدركناه، لأن الكذب هو عدم قول الحقيقة، وقد أدرك هذا الواقع من التناقض بين قوله ومكان وجوده الفعلي . فالكذب هو الحكم الذي أصدرناه على قوله، أو هو إدراك لواقع قوله من أنه مخالف للحقيقة. فأين انعدام شرط الواقع المحسوس في هذا المثال ؟!

وأما مثال المقالة ، فلا يصلح أيضا كمثال لنقض شرط الواقع المحسوس ، وذلك لأن المقالة نفسها التي قرأتها هي واقع محسوس، والتفكير جرى في هذا الواقع المحسوس، وادراكك لمعانيها هو ادراك ناتج عن التفكير في واقع محسوس. ونفس الأمر ينطبق على الرسالة الشفوية. فلا يوجد في هذين المثالين أية دلالة على امكانية التفكير في غير الواقع المحسوس.

وأما قوله تعالى : { ولا تقل لهما أف ..} فإن تحريم ضرب الوالدين مفهوم من ألفاظ الآية وتراكيبها، وهو ما يسمى بمفهوم الموافقة، ودلالة المفهوم هي : " ما فهم من اللفظ في محل السكوت ، فما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقا لمدلوله في محل النطق هو مفهوم الموافقة، فهي مفهومه من اللفظ ولكن في محل السكوت لا في محل النطق، أي هي المعنى المسكوت عنه اللازم للمعنى المنطوق به، فهي فهم من اللفظ " فالمفهوم الذي هو تحريم ضرب الوالدين فهم من اللفظ لكن ليس في محل النطق بل في محل السكوت. فإدراك تحريم ضرب الوالدين توصلنا اليه من التفكير في واقع محسوس هو ألفاظ الآية وتراكيبها، وانت نفسك قلت ( فمثلا الآية الكريمة ( ولا تقل لهما أف … ) نفهم منها أن الصراخ على الوالدين وضربهما شيء محرم )، فأنت تقول ( نفهم منها ) أي من الآية، وهذا يعني أن الفهم ناتج عن التفكير في واقع محسوس هو الآية، فلا يصلح هذا المثل لنقض شرط الواقع المحسوس.


4- قلت: ( والحال أن المعنى هو الأصل وهو سابق على الكلمة ولم توجد الكلمة إلا للتعبير عن المعنى فهي لا تعدو عن كونها وسيلة للتعبير عن المعنى وإيصاله للآخرين) .
هذا الكلام صحيح لكن هذا من حيث أصل وضع اللغة، فاللفظ وضع للتعبير عن المعنى الموجود في الذهن، وهذا ينطبق أيضا في حال أردت التكلم، ففي حال تريد أن تتكلم فإن المعنى يسبق اللفظ، لكن في حال سمعت كلاما، فإن الكلمة هنا تسبق المعنى أي تسمع الكلمة أولا ثم تفهم معناها أو تفكر في معناها . على أن مثال الكتاب لا يرد في مسألة المعنى لأن موضوعه هو واقع الكتاب لا معنى كلمة كتاب، فالمطلوب التفكير في واقع الكتاب لا في كلمة كتاب ولا في معنى هذه الكلمة، فليس السؤال عن معنى كلمة كتاب، أنت وحدك من أقحم موضوع المعاني في المثال. ولم أقل في أي تعقيب أن التفكير محصور في التفكير بالكلمات، لأن التفكير في الكلمات هو نوع من أنواع التفكير وليس هو كل التفكير ، فالتفكير يجري في كل ما يقع عليه الحس، فشرط التفكير أن يكون في واقع محسوس بغض النظر عن ماهية هذا الواقع. وما ورد في النقطة الخامسة هو بيان لهذا النوع من التفكير والذي هو التفكير في الكلمات وليس هو حصر للتفكير في واقع الكلمات. وقد تعرضت له لأنك أتيت بالمعاني كمثل على امكانية التفكير في غير الواقع المحسوس وضربت " بفتح التاء " العدم مثلا على هذه المعاني، فحتى أزيل هذه الشبهة فرقت " بضم التاء " بين الكلمة من حيث هي كلمة وبين معناها، ثم فرقت بين المعاني التي لها واقع يقع عليه الحس وبين المعاني التي لا يقع عليها الحس، وفرقت أيضا بين اللغة والفكر، من حيث أن اللغة تعبر عن المعاني الموجودة في الذهن بغض النظر عن ان كان لها واقع في الخارج أم لا، وأن الفكر هو حكم على الواقع، فلا يوجد فكر إذا لم يوجد له واقع. فإذا وجد لكلمة العدم معنى في اللغة وتصوره الذهن فإن ذلك لا يعني ان العدم يمكن التفكير فيه.
على أي حال إذا رجعت للنقطة الخامسة تجد بوضوح تام النص على أن اللغة قد وضعت للتعبير عن المعاني الموجودة في الذهن ، فالمعنى سابق للكلمة في أصل وضع اللغة. لكن المعنى لا يسبق الكلمة في حال سمعت كلاما من الآخرين، فإن الكلمة تأتي أولا ثم ينتقل الذهن الى معناها.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله