عرض مشاركة مفردة
  #23  
قديم 30-08-2001, 10:39 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

5- الاحساس والمشاعر :
المشاعر هي احساسات الغرائز، والمشاعر يطلق " بضم الياء " عليها أيضا الأحاسيس والعواطف ، لكن للتفريق بين المشاعر والحواس الخمسة نقتصر هنا على استعمال تعبير الاحساس للتعبير عن الحواس .
وأما تعقيبي على ما جاء في ردك فهو أن الأفكار ليست هي فقط التي تثير المشاعر، بل يثيرها الواقع المحسوس أيضا. أما الواقع المحسوس المثير للمشاعر، فكمثل عليه أن رؤية المرأة الجميلة تثير الشعور الجنسي في الرجل بدون تدخل العقل أو التفكير ، أي أن الاثارة تحدث بمجرد مشاهدة الواقع المثير. وأما الفكر فإن الفكر هو تعبير عن واقع ، فكل فكر له واقع محسوس، فالفكر المثير للمشاعر هو الفكر المعبر عن واقع مثير للمشاعر، فمثلا التفكير في مخلوقات الله تعالى يثير في الانسان الشعور بالعجز والاحتياج الى الخالق المدبر، والتفكير في مواجهة أسد يثير الشعور بالخوف وهكذا . وعليه فالمشاعر لا تتحرك داخليا بل لا بد من وجود مثير خارجي حتى تتحرك، وهو اما يكون واقعا محسوسا أو فكرا من الأفكار المتعلقة بالواقع المحسوس. وجميع الأمثلة التي ضربتها لك على المعاني المحسوسة لها واقع محسوس هو الذي يثير في الانسان تلك المشاعر، سواء أكانت الاثارة ناتجة عن تأثير الواقع المحسوس مباشرة أم كانت ناتجة عن ادراك صلة الواقع بما يثير المشاعر. فمشاهدة أعمال القتل والابادة التي يقوم بها الكفار بحق المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة يثير فينا الشعور بالحزن الممزوج بشعورنا بالظلم والقهر، وأيضا إدراكنا لسيطرة الكفار على بلادنا وثرواتنا ومقدساتنا وتحكمهم بطريقة عيشنا وأنظمة حياتنا يثير فينا الشعور بالمذلة والاهانة، بل يثير فينا أيضا الشعور بالخزي والعار من أنفسنا. فالواقع المحسوس لا بد من وجوده سواء تحركت المشاعر بتأثير مباشر من الوقائع والأحداث المؤلمة أم تحركت نتيجة لادراكنا لمدلولات هذه الوقائع والأحداث. ولهذا نجد أننا لم نحس بمشاعر العزة والكرامة لأننا لم نر ولم نسمع ما يحرك فينا هذه المشاعر منذ أمد بعيد . فلأن العزة والكرامة لا واقع لها في حياتنا لم نحس بها وبالتالي لم تتحرك فينا هذه المشاعر مطلقا. حتى في داخل بلادنا الاسلامية نحن محرومون من هذه المشاعر ، وعوضا عنها نشعر كل يوم بالظلم والقهر والذل لأن الوقائع التي نحسها في بلادنا مثيرة لمثل هذه المشاعر. فسواء أكان المثير لهذه المشاعر واقعا محسوسا أم كان فكرا من الأفكار المتعلقة بالواقع المحسوس، فإن ذلك لا ينفي وجود الواقع المحسوس.
ومثال الأسد الذي ضربته أنت يعتبر دليلا على ذلك، فقد قلت : ( فليست العين مسؤولة عن الشعور بالخوف لو رأينا أسدا يحاول الاقتراب منا وإنما هي مسؤولة فقط عن الرؤية أما الخوف فيأتي نتيجة إدراكنا للخطر الذي يمثله هذا المشهد ). فحتى لو كان المثير لمشاعر الخوف هو الادراك، فإن هذا النوع من الادراك يسمى الادراك الحسي أي الادراك الناتج عن الحس مباشرة، وهذا ما عبرت عنه بقولك : ( أما الخوف فيأتي نتيجة إدراكنا للخطر الذي يمثله هذا المشهد ). فهذا المثل لا يصلح لنقض شرط الواقع المحسوس كشرط لعملية التفكير، والواقع المحسوس في مثالك هو الأسد .
بقي أن اذكر أن المجنون يخاف ، وأن الحيوان يخاف ، مع أن كلا من المجنون والحيوان لا عقل له، فالشعور بالخوف عند المجنون أو عند الحيوان لم ينتج عن عملية تفكير أو عن ادراك عقلي لما يخيف، بل هو تمييز غريزي ناتج عن وجود مثير خارجي للشعور الغريزي بالخوف. فالواقع المثير ينتقل بواسطة الحواس الى الدماغ، وبدون عملية تفكير يتحرك الشعور بالخوف. والذي يؤكد على أن الادراك العقلي ليس هو فقط المثير للمشاعر ، تجد أن شعورك بالخوف يتحرك بمجرد سماعك المفاجىء لصوت عال. فحتى قبل ان تدرك حقيقته تشعر بالخوف.
وما يجب ادراكه أيضا أنه لا يوجد حاسة خاصة بما يثير الغرائز ، فكما يمكن أن تشعر بالخوف من مشاهدة شيء مخيف، يمكن ان تشعر بالخوف من سماع صوت مخيف، فالمهم هو نقل الواقع المخيف الى الدماغ بغض النظر عن الحاسة التي قامت بنقله. فالواقع المثير للشعور بالاهانة على سبيل المثال قد ينقل بواسطة حاسة البصر، كما يمكن أن ينقل بواسطة حاسة السمع ، بل قد ينقل بحاسة اللمس .


5- قلت :
( وأما عبارتك ( كما لم تبين واسطة النقل ما هي ، فالشيء المنقول لم تأت على ذكره، وواسطة النقل لم تأت على ذكرها ، مع أن الشيء المنقول إلى الدماغ وكذلك واسطة نقله جزء لا يتجزأ من عملية التفكير " التوزين " ) فأنا أستغربها أيضا فما دخل واسطة النقل بعملية التفكير ولماذا هي جزء من منها .. فما دخل الواسطة التي نقلت الأشياء المراد وزنها بعملية الوزن ؟ وما الفرق بين أن تسألني شفويا فتكون الأذن هي الواسطة وبين أن تسألني كتابة فتكون العين هي الواسطة ؟ ما دخل هذا في التفكير؟ ).
تعريف العملية التفكيرية بأنه : ( نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع ) لم ينص على حاسة بعينها بل ورد " بواسطة الحواس " فلم أقصد بانكاري عدم قيامك ببيان واسطة النقل أن تحدد حاسة معينة، بل المطلوب أن تحدد كونها الحواس، أي أن تنص بشكل واضح في التعريف على أن واسطة النقل هي الحواس. وأما ضرورة النص في التعريف على واسطة النقل فذلك لأن عملية التفكير لا يمكن أن تحصل بدون أن ينقل الواقع المحسوس إلى الدماغ، فكانت واسطة النقل شرط في حصول عملية التفكير، والتعريف هو وصف واقع عملية التفكير أي بيان لشروطها أو بيان للعناصر التي تدخل في إيجادها، فلكون واسطة النقل شرط لحصول التفكير فإن التعريف لا يكون كاملا بدون النص عليها. حتى أنت لم تجعل التعريف خاليا من النص على عملية نقل الشيء الذي تريد التفكير فيه واصدار الحكم عليه إلى الدماغ، لكن ما لم تفعله هو أنك لم تذكر بالنص ما هي واسطة النقل، ومطالبتي لك ببيانها حتى أثبت لك أن الحواس شرط لحصول عملية التفكير لأنه لا يوجد واسطة نقل بين الدماغ وبين الواقع غير الحواس. وعلى أي حال تعريفك تضمن النص على جميع شروط عملية التفكير سوى أنك استعملت ألفاظا غامضة، ولو قمت بتوضيحها لخرجت بنفس تعريف التفكير المذكور . ولذلك أطلب منك مرة أخرى ان توضح أو بعبارة أدق أن تجيب على أسألتي المتعلقة بتعريفك .


6- الأعداد :
في أحد ردودك قلت أن العقل يدرك أن الأعداد لا نهاية لها، وذلك حتى تنقض شرط الواقع المحسوس كشرط في عملية التفكير.
وقد رددت عليك بما يلي : ( وأما قولك ان العقل يدرك أن الأعداد لا نهاية لها ، فمن المعلوم بداهة أن كل ما سوى الله تعالى محدود، الأعداد وغير الأعداد، والقول بأن الأعداد لانهائية مصطلح رياضي وليس هو وصفا حقيقيا، فمثلا العدد بين رقمين هو عدد لا نهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين . فعدم قدرتنا على عد الأعداد لا يعني أن لا نهاية لها. ومن المسلمات العقلية أن ما له بداية له نهاية. ومن المسلمات العقلية أيضا أن مجموع المحدودات محدود. وأيضا الأعداد ليست شيئا قائما بذاته ، بمعنى أن العدد يقترن بأمور وأشياء فتقول مثلا عدد السكان كذا أو عدد الطلاب كذا أو عدد أكياس الطحين كذا، وكل ما يقترن به العدد محدود فلا يوجد شيء عدده غير محدود لأن كل شيء ما سوى الله تعالى محدود.
وهنا أود لفت النظر بأن الحكم على الأعداد بأنها لانهائية - بغض النظر عن انه خطأ - هو حكم على واقع محسوس هو الأعداد ، أي حكمنا على الأعداد التي يقع عليها حسنا بأن لا نهاية لها ، فالتفكير الذي حصل هو تفكير في واقع محسوس، والحكم الذي صدر هو حكم على واقع محسوس ، فليس هو تفكيرا في الأعداد التي لم يصل اليها الحس ولا الحكم صدر على ما لم يحس منها ).

وفي رد الأخير ورد ما نصه : ( وأما قولك أن الأعداد ليست شيئا قائما بذاته فهذا خلاف الواقع نعم لو قلت أن الأعداد ليست شيئا ماديا فإن كلامك يكون صحيحا أما أن تنفي وجودها فهذا نفي لشيء موجود ونتعامل معه بشكل مستمر والأعداد عندما لا تكون مقترنة بأي شيء تسمى بـ ( الأعداد المجردة ) وينبغي أن نخلط بين العدد والمعدود.
وأما قولك ( فمن المعلوم بداهة أن كل ما سوى الله تعالى محدود، الأعداد وغير الأعداد ) فهو قول لم أستطع رده وفي نفس الوقت أجد نفسي لا أستطيع أن أتصور وجود نهاية للأعداد إذ أنني أفترض أن باستطاعتنا زيادة أي عدد بغض النظر عن معرفتنا له أو عدمها لذلك فأنا محتاج للبحث في هذا التعارض والسؤال عنه. ولكن في نفس الوقت أجدك قد أقررت بوجود الأعداد اللانهائية وذلك في عبارتك ( العدد بين رقمين هو عدد لانهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين ) وأنت هنا جمعت بين اللانهائي وبين المحدود في نفس الوقت. فإن كان اللفظان بنفس المعنى فهذا تناقض وإن كانا مختلفين بحيث من الممكن أن يكون الشيء محدودا وفي نفس الوقت لانهائيا فإن اعتراضك على قولي بأن الأعداد لانهاية لها في غير محله وخصوصا وأن اعتراضك على قولي جاء معتمدا على عبارتك ( أن ما سوى الله فهو محدود ) أي أنك عارضت كلمة ( لانهائي ) بكلمة ( غير محدود ) وهذا معناه أنك اعتبرت كلمة ( لانهائي ) مرادفة لكلمة ( لامحدود ) وهذا ما جعلك تقع في تناقض صريح حينما تقول ( العدد بين رقمين هو عدد لانهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين ) لأن من خلال اعتبارك أن كلمة ( لانهائي ) مرادفة لكلمة ( لامحدود ) فإننا نستطيع أن نقرأ عبارتك كالآتي : ( العدد بين رقمين هو عدد لانهائي مع أنه نهائي لأنه يقع بين رقمين ) وهذا هو عين التناقض ) .

وبناء على ما ورد في ردك أعيد ما ورد في تعقيبي المذكور على النحو الآتي :

أولا- الحكم على الأعداد بأنها لانهائية - بغض النظر عن انه خطأ - هو حكم على واقع محسوس هو الأعداد ، أي حكمنا على الأعداد التي يقع عليها حسنا بأن لا نهاية لها ، فالتفكير الذي حصل هو تفكير في واقع محسوس، والحكم الذي صدر هو حكم على واقع محسوس ، فليس هو تفكيرا في الأعداد التي لم يصل اليها الحس ولا الحكم صدر على ما لم يحس منها. فمن هذه الناحية لا يصلح مثالك على أن التفكير ممكن ان يحصل في غير الواقع المحسوس. لأن التفكير جرى في واقع محسوس وهو الأعداد التي وقع الحس عليها. وأنت لم ترد على ما ورد في هذه النقطة.

ثانيا – كل ما سوى الله تعالى محدود، فالأعداد محدودة سواء أكانت مجردة أم كانت مقترنة بغيرها، فإذا كان تعبير ( الأعداد لا نهاية لها ) يقصد به أن الأعداد غير محدودة ، فهذا القول مردود ولا يؤخذ به بغض النظر عن مصدره، ولست " بفتح التاء " بحاجة لأن تستفتي احدا بذلك. والدليل على ان الأعداد محدودة هو أن مجموع المحدودات محدود ، فكل رقم من هذه الأعداد محدود، والرقم الذي يأتي بعد الرقم الذي وصلنا اليه هو أيضا رقم محدود وهكذا ، فأنت تضيف محدود الى محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة. وأيضا الأعداد لها بداية ، ولنقل الرقم صفر هو بدايتها ، وما له بداية له نهاية قطعا، فالأعداد محدودة من هذه الجهة أيضا. على أن إدراكنا أن الأعداد مخلوقة يحتم أن ندرك أنها محدودة.

ثالثا- ورد في تعقيبي السابق ( والقول بأن الأعداد لانهائية مصطلح رياضي وليس هو وصفا حقيقيا، فمثلا العدد بين رقمين هو عدد لا نهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين )، قلت هذا القول لافتراضي انك قد تظن بأن معنى ( لا نهاية لها ) أنها غير محدودة، فوضحت لك أن هذا مصطلح رياضي وليس وصفا حقيقيا أي لا يقصدون به عدم محدودية الأعداد، وقد بينت لك الدليل على أنهم لا يقصدون بالمصطلح عدم محدودية الأعداد ، والدليل هو أنهم يقولون ان العدد بين رقمين لا نهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين. فلا يوجد فيما قلت أي تعارض، وكوني وصفت الأعداد بأنها لا نهائية مع وصفها بأنها محدودة هي القرينة على أن وصفها بأنها لا نهائية ليس معناه أنها غير محدودة. وقد كان ظني في محله لأنك في ردك الأخير عليّ قلت : (( وأما قولك ( فمن المعلوم بداهة أن كل ما سوى الله تعالى محدود، الأعداد وغير الأعداد ) فهو قول لم أستطع رده وفي نفس الوقت أجد نفسي لا أستطيع أن أتصور وجود نهاية للأعداد إذ أنني أفترض أن باستطاعتنا زيادة أي عدد بغض النظر عن معرفتنا له أو عدمها لذلك فأنا محتاج للبحث في هذا التعارض والسؤال عنه )). فلولا أنك تعتبر أن الأعداد غير محدودة وأن تعبير ( الأعداد لا نهاية لها ) معناه أنها غير محدودة لما قلت أنك محتاج للبحث في هذا التعارض والسؤال عنه.

رابعا- قولك ( وفي نفس الوقت أجد نفسي لا أستطيع أن أتصور وجود نهاية للأعداد ) حجة عليك لأنه إذا لم يكن باستطاعتك تصور أمرا متعلقا بشيء محدود ، فكيف يمكن لعقلك أن يتصور أمرا متعلقا بغير المحدود وهو الله سبحانه وتعالى ؟!
خامسا- قولي : ( الأعداد ليست شيئا قائما بذاته... ) أتراجع عن الاستدلال به، ويظل الاستدلال بما سواه أي بما هو مبين أعلاه.


7- قلت :
(( وأما قولك ( أثر الخالق جزء من وجوده ) فأرى أن الجملة غير صحيحة بسبب بسيط وهو أن الوجود لا يتجزأ. ولو أنك قلت (أثر الخالق دليل على وجوده ) لكان ذلك أقرب إلى الصواب لأن هذه الموجودات وهذا الكون هي آثار تدل على وجود خالق لها مع ملاحظة أن الأثر لا يدل دائما على وجود صاحب الأثر فقد يزول صاحب الأثر ويبقى أثره قائما بمعنى أن الأثر يدل بالضرورة على وجود صاحب له في لحظة حدوثه ولكن لا يدل على وجوده حاليا وإلى الأبد )).

ما ورد في هذا النص هو رد على ما ورد في ردي عليك الموجود في هذا النص :
(( وأما قولك أن العقل ( يدرك ضرورة أن يكون هناك خالق لكل مخلوق )، فإن تركيب الجملة غير دقيق لأن مفهومها لا يمنع من تعدد الخالق، والصواب أن يقال " خالق لكل المخلوقات " فالمخلوقات تدل على وجود الخالق، أو وجود الخالق مدرك من وجود المخلوقات. على أي حال المثال لا يدل على حصول التفكير في غير الواقع المحسوس، لأن التفكير في وجود الخالق إنما يكون من خلال التفكير في مخلوقاته، فالتفكير في الكون والانسان والحياة يوصل الى ادراك وجود الخالق. والكون والانسان والحياة واقع يقع عليه الحس. ومن جهة أخرى فإن المخلوق هو أثر للخالق، وأثر الخالق جزء من وجوده، فالتفكير في المخلوق هو تفكير في وجود الله تعالى لا في ذاته ، فوجوده تعالى مدرك بالحس من ادراك مخلوقاته. فالواقع الذي انتقل الى الدماغ بواسطة الحواس هو المخلوق أي اثر الخالق عز وجل وليس ذاته جل شأنه، والتفكير جرى بهذا المخلوق أي بأثر الخالق لا بذاته، أي في وجوده سبحانه وتعالى لا في ذاته، ونتيجة التفكير هي صدور الحكم على المخلوق بانه مخلوق، فكان هذا هو الدليل على وجود الخالق ) ).
لا أريد أن أقف عند مناقشة صحة أو عدم صحة عبارة ( أثر الخالق جزء من وجوده ) لأن وجود هذه العبارة من عدمها لا يؤثر في وجه الاستدلال عليك، ولأن معناها هو نفس المعنى الذي اقترحته، وبإمكانك أن تشطبها بالكامل وأن تضع التعبير الذي اقترحته، فيكون النص سواء بشطب العبارة بالكامل أو بوضع التعبير الذي اقترحته بدلا عنها هو الحجة على خطأ استدلالك بأن كون العقل ( يدرك ضرورة أن يكون هناك خالق لكل مخلوق ) يعتبر دليلا على امكانية التفكير في غير الواقع المحسوس.
وهذا هو النص بعد التعديل : ( المثال لا يدل على حصول التفكير في غير الواقع المحسوس، لأن التفكير في وجود الخالق إنما يكون من خلال التفكير في مخلوقاته، فالتفكير في الكون والانسان والحياة يوصل الى ادراك وجود الخالق. والكون والانسان والحياة واقع يقع عليه الحس. ومن جهة أخرى فإن المخلوق هو أثر للخالق، وأثر الخالق دليل على وجوده ، فالتفكير في المخلوق هو تفكير في وجود الله تعالى لا في ذاته ، فوجوده تعالى مدرك بالحس من ادراك مخلوقاته. فالواقع الذي انتقل الى الدماغ بواسطة الحواس هو المخلوق أي اثر الخالق عز وجل وليس ذاته جل شأنه، والتفكير جرى بهذا المخلوق أي بأثر الخالق لا بذاته، أي في وجوده سبحانه وتعالى لا في ذاته، ونتيجة التفكير هي صدور الحكم على المخلوق بانه مخلوق، فكان هذا هو الدليل على وجود الخالق ).

وأما قولك : (مع ملاحظة أن الأثر لا يدل دائما على وجود صاحب الأثر فقد يزول صاحب الأثر ويبقى أثره قائما بمعنى أن الأثر يدل بالضرورة على وجود صاحب له في لحظة حدوثه ولكن لا يدل على وجوده حاليا وإلى الأبد ) فنحن متفقان على أن ما ورد في هذا النص لا ينطبق على الخالق عز وجل. لأن الدليل العقلي أثبت وجود الأزلي واجب الوجود، والأزلي لا بداية ولا نهاية له، وإلا لم يكن خالقا.


8- قلت :
(( جاء في تعقيبك أن الجملة الأولى في تعريفي للعقل يفهم منها أن ( التفكير هو عملية ادراك الأمور المنطقية ) وأنا في الحقيقة أستغرب منك هذا الفهم فلو رجعنا للجملة الأولى من تعريفي للعقل نجدها كالآتي : ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) ولا أعرف كيف فهمت من هذه الجملة ذلك الفهم فالجملة واضحة وصريحة وكل من يقرأها يفهم منها أنني قد حاولت توضيح معنى العقل على أنه قدرة معينة قد زودنا الله بها لنكون قادرين على فهم الأمور وإذا كان هناك من مؤاخذة على هذا التعريف فهي المؤاخذة التي تفضلت بها وهي أنني حصرت عمل العقل في الأمور المنطقية وسوف أحاول الاطلاع على هذه النقطة وفهمها أما فهمك الذي ذكرته فهو أجنبي تماما عن تلك الجملة ولا يمت لها بأي صلة )) .
أنت تقول : ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) وفي نفس الفقرة قلت : ( فالعقل إذن هو أداة التفكير الأولى ) ، من هذين النصين فهمت أن التفكير كما تراه أنت هو إدراك الأمور المنطقية، ذلك أنك لم تقل لنكون قادرين على التفكير بل قلت لنكون قادرين على ادراك الأمور المنطقية، مما يعني أنك ساويت بين التفكير وادراك الأمور المنطقية ، فلو قلت : ( لنكون قادرين على التفكير لأجل إدراك الأمور المنطقية ) لما وقعت " بضم التاء " في خطأ الفهم. وفي تعقيبك قبل الأخير قلت : ( أن العقل هو تلك القدرة التي تجعلنا قادرين على التفكير والفهم )، فأنت هنا تقول لنكون قادرين على التفكير ، وهناك قلت لنكون قادرين على ادراك الأمور المنطقية.
على أي حال خطأ الفهم سواء مني أو بسبب غموض التعريف ليس مشكلة. كما أني لم أقتصر على مناقشة تعريفك للتفكير على هذا التعريف بل ناقشت أيضا التعريف الآخر الوارد في هذا النص : ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) وهذا التعريف موجود في نفس الفقرة الوارد فيه أن العقل هو الملكة....
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله