عرض مشاركة مفردة
  #26  
قديم 09-09-2001, 07:36 PM
أسعد الأسعد أسعد الأسعد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2001
المشاركات: 47
Lightbulb

الأخ الكريم صالح عبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد اطلعت على تعقيبك الأخير وقد لاحظت عليه بعض الملاحظات سوف أعرضها عليك مضافا إليها بعض الملاحظات على تعقيباتك السابقة وذلك على النحو الآتي :
أولا : فيما يخص تراجعي عن نقطة حصر التفكير في الأمور المنطقية عند تعريفي للعقل فإنني أود التأكيد هنا على أنني أعتبر أن التراجع عن أي فكرة أو رأي أو معتقد في حالة ثبوت خطأ أي من ذلك شيء عادي بالنسبة لي بل وضروري ولا أجد أي حرج في ذلك لأنني أطلب الحقيقة ولأنني أعتبر الإصرار على الخطأ خطأ أكبر منه وصفة مذمومة وتعصبا ليس وراءه إلا التخلف الفكري والانحراف الديني بل أنني لا أتردد في شكر من نبهني وأرشدني إلى الصواب.

ثانيا : بالرغم من ذلك كله لم يصدر مني ما يفيد أنني قد تخليت عن تلك النقطة وكل ما قلته أنني اعتبرت ملاحظتك جديرة بالاهتمام والبحث أي أنها محل تأمل لا أكثر. وقد شكرتك على هذه الملاحظة فأنا لا أعتبرك خصما بل أخا عزيزا ومحاورا تستحق الشكر كلما قدمت لي ملاحظة تستحق البحث حتى لو تبين لي بعد البحث خطأ ملاحظتك فإنك أيضا تستحق الشكر.

ثالثا : لو فرضنا أنني تخليت تماما عن تلك النقطة فليس لذلك علاقة بموضوع المشكلة والتي هي ( اختلافنا في اعتبار وجود الأمر المحسوس من شروط التفكير ) فالمنطق غير محصور في الأمور الحسية بل جميع القوانين المنطقية غير محسوسة وأرجو أن لا تخلط بين القانون وبين تطبيقاته فأنا أقصد القانون نفسه أي الفكرة التي يحملها القانون وليس الأمور التي ينطبق عليها فمثلا نستطيع القول أن كل من يستطيع أن يحمل خمسة كيلوجرامات يستطيع أن يحمل كيلوجرام واحد فهذا القول قول منطقي وهو ناتج عن إدراكنا لقانون منطقي ليس له وجود في الخارج وإنما الوجود لأمور ينطبق عليها هذا القانون إذن فلابد وأن نفرق بين القانون وبين تطبيقاته.وهنا لابد أن نشير إلى نقطة مهمة وهي أسبقية القانون بل وأسبقية إدراكنا لهذا القانون على التطبيقات الخارجية له أي أن رؤيتي للشخص حاملا خمسة كيلوجرامات واستنتاجي من ذلك قدرته على حمل كيلو واحد ناتج عن إدراكي المسبق لفكرة أن من يحمل وزنا معينا لابد وأنه يستطيع حمل وزن أخف منه ولو لا هذه الأسبقية لما استطعت أن أصل إلى تلك النتيجة .. إذن فالقوانين المنطقية تسبق تطبيقاها بعكس القوانين الطبيعية.

رابعا : عدم تعرضي للأمثلة التي تفضلت بها ليس هروبا كما ظننت بل بسبب اهتمامي بنقض أساس فكرتك فأنت تقول أن وجود الواقع المحسوس من شروط عملية التفكير ويستحيل أن تتم أي عملية تفكير دون هذا الواقع فكان علي أن أنقض هذه الاستحالة التي تقولها بمثال واحد على الأقل فمثال واحد كفيل بأن ينقض هذه الاستحالة وهذا مالا يختلف عليه أحد فلو أنك أتيت لي بمليون مثال كلهم يتطلبون الشروط التي ذكرتها ثم أتيت لك بمثال واحد لا يتطلب هذه الشروط فإنني أكون بذلك قد اخترقت تلك الاستحالة وأبطلتها وكل ما سيبقى لك هو القول بأن هناك أمورا لا نستطيع التفكير فيها إلا بوجود تلك الشروط ولكنك لن تستطيع تعميم ذلك على جميع عمليات التفكير . وبناء على ذلك فإنك تكون مطالبا بنقض كل مثال آتيك به وليس علي أن أنقض أي مثال تأتيني به لأنك أنت الذي يقول بالاستحالة ويجب عليك نقض أي مثال يخترق هذه الاستحالة وينقضها.

خامسا : لقد أخذت علي أنني أوليت اهتماما كبيرا في مسألة التفريق بين العقل والتفكير والفكر وفي الحقيقة فإني أرى أن التفريق بينهم ضروري وذلك لأن أساس حوارنا حاليا يدور حول هذه الأمور فإذا أصبحنا نخلط بينها أو أن معانيها غير واضحة فلن يكون الحوار مجديا.

سادسا : قد تفضلت بالقول بأن العقل ( أو التفكير ) ليس عضوا من أعضاء الجسم إذن فهو ليس شيء مادي نستطيع رؤيته وبالطبع لن نستطيع لمسه ولن نستطيع شمه ولن نستطيع تذوقه ولن نستطيع أن نسمعه أي أننا لن نستطيع أن نحس به بأي حاسة من حواسنا الخمس فهو إذن غير محسوس فإذا كان كذلك فكيف استطعت أن تضع له تعريفا مفصلا وتبين مكوناته وتضع إصبعك عليه ؟ ألا يتعارض ذلك مع قولك بأن الأمور غير المحسوسة لا يمكن التفكير فيها ولا يمكن معرفة كنهها ؟ وأنت هنا أمام أمرين : إما أن تقول بإمكانية التفكير في الأمور غير المحسوسة وإما أن تتراجع عن تعريفك وتقول بأنك لا تستطيع أن تضع له تعريفا ولا تستطيع أن تعرف محتواه وعناصره لأنه غير محسوس وكلا الأمرين ينتهيان بخطأ التعريف الذي أتيت به.

سابعا : قد تفضلت بالقول بأن العقل والذي هو التفكير فطري فإذا أضفنا هذا القول إلى قولك بأن العقل عملية تتكون من أربعة أشياء فمعنى ذلك أن كل واحد من هذه الأشياء الأربعة جزء من العقل أي جزء من التفكير وهذا يعني أن جميع هذه الأشياء الأربعة موجودة في الإنسان بشكل فطري فتكون النتيجة أن المعلومات السابقة موجودة في الإنسان بالفطرة وكذلك الواقع الذي يراد التفكير فيه يجب أن يكون موجودا في الإنسان بالفطرة لأنه جزء من العقل الموجود في الإنسان بالفطرة. وحيث لا يمكن قبول هذه النتائج فمعنى ذلك أن تعريفك للعقل والتفكير لا يمكن قبوله.

ثامنا : إذا اعتبرنا أن تلك الأمور الأربعة هي مكونات العقل الذي هو التفكير من وجهة نظرك فمعنى ذلك أن الدماغ جزء من العقل أي جزء من التفكير بينما نحن متفقان على أن العقل ليس من الأعضاء كما وينتج عن ذلك أيضا أن الواقع المحسوس جزء من العقل أي جزء من التفكير وينتج عن ذلك كله أن العقل ( التفكير ) يتكون من أجزاء موزعة هنا وهناك فبعضها لدى الإنسان والبعض الآخر موجود في الخارج وبعضها مادي وبعضها غير مادي . ومعنى ذلك أيضا أن كل الموجودات التي يمكن أن نحس بها ونفكر فيها هي جزء من عقلنا .. فهل من الممكن قبول هذه النتائج ؟ أليس في ذلك ما يقنعك بخطأ تعريفك للعقل والتفكير ؟

تاسعا : الاستعانة بذكر صفات الشيء أو وظائفه عند تعريفه لا يعني أنهم شيء واحد وإنما يتم ذكر الصفات أو الوظائف في التعريف بغرض بيان وشرح ذلك الشيء المراد تعريفه فنحن عندما نعرف العين ونذكر في التعريف الرؤية لا يعني أن العين والرؤية شيء واحد وكذلك فعندما نعرف العقل ونذكر في التعريف التفكير فهذا لا يعني أنهما شيء واحد .


عاشرا : سبق وأن قلت وأنت تتحدث عن ضرورة توافر الأشياء الأربعة : ( فلو نقص عنصر واحد من هذه العناصر الأربعة فإن العملية التفكيرية لا يمكن أن تتم ) وبما أنك تعتبر أن العقل هو نفسه العملية التفكيرية فمعنى ذلك ( من وجهة نظرك ) أن العقل لا يمكن أن يكون متواجداً لدينا في حالة نقص عنصر واحد من هذه العناصر ومعنى ذلك أننا في هذه الحالة نكون بلا عقل. وكذلك لو مر علينا وقت معين دون أن نقوم بأي عملية تفكيرية فإننا في ذلك الوقت نكون بلا عقل ( مجانين ) !

حادي عشر : نحن نعلم أن العقل شرط من شروط التكليف وهذا يدل على أن العقل هو القدرة على التفكير والفهم والتمييز فالشخص العاقل في نظر الشرع هو من يمتلك القدرة على التمييز فهو إذن قدرة وليس عملية إجرائية بدليل أننا نبقى مكلفين حتى دون أن نقوم بأي عملية تفكيرية.

ثاني عشر : في عبارتك : ( فهذا النص يتحدث عن العقل بمعنى عملية التفكير أي يتحدث عن شروط عملية التفكير ) قد جعلت شروط عملية التفكير هي نفسها عملية التفكير وهذا معناه أنك تساوي بين الشيء والشروط اللازمة لحصوله وتجعلهما شيئا واحدا. وأرى أن الفرق بين الشيء وشروط حصوله واضح.


ثالث عشر : لو سلمنا باستحالة الفصل بين الأداة وبين صفاتها أو بين الأداة وبين وظائفها فهذا لا يعني أن جميع تلك الأمور شيء واحد فاستحالة الفصل هنا ليست متعلقة بفصل معاني تلك الأمور عن بعضها وإنما هي متعلقة بفصل ذات الشيء عن صفاته أو عن الشروط التي ينبغي تواجدها لكي يتواجد ذلك الشيء . فمثلا لا يمكن فصل النار عن الحرارة ولا يمكن أن توجد النار إلا بتواجد شروط أو عناصر معينة ( أظن من جملتها الأكسجين ومادة قابلة للاشتعال ) ولكن هذا لا يعني أن النار هي الحرارة أو أن النار هي الأكسجين أو أن النار هي ذلك الشيء القابل للاشتعال بل يبقى لكل شيء معناه الخاص به وكذلك لا يمكن أن تتم عملية البيع دون أن تكون هناك بضاعة مباعة ودون أن يكون هناك بائع ومشتري فهل كل ذلك شيء واحد ؟ وكذلك فإننا لو سلمنا باستحالة الفصل بين العقل والتفكير والفكر فهذا لا يعني أنهم شيء واحد بل يبقى لكل منهم معناه الخاص. هذا وقد سبق وأن ذكرت لك أنك حينما تجعل العقل والتفكير شيئا واحدا تكون كمن يجعل الميزان وعملية الوزن شيئا واحدا مع أن الميزان شيء وعملية الوزن شيء آخر وهذا من الوضوح بحيث لا يمكن الاختلاف فيه ولو كانت الأداة والعملية التي تؤديها شيئا واحدا لكانت الأقدام والمشي شيئا واحدا ولكان اللسان والكلام شيئا واحدا وهكذا .. وهذا ما لا يقبل به أحد وليس هناك فرق في كون الأداة من الحواس أو من الجوامد أو أنها حسية أو غير حسية فالتفريق بين الأداة وبين العملية التي تؤديها ليس له علاقة بجنس الأداة .. فالأداة تبقى هي الأداة ويبقى معناها مختلفا عن معنى وظيفتها مهما كان جنس تلك الأداة.


رابع عشر : حينما أعرف العقل بأنه قدرة أو ملكة أو أداة فلا يعني أنني استخدمت ألفاظا عامة مبهمة حيث أنني أقوم بتخصيص تلك الكلمات بعد ذكرها مباشرة فأقول مثلا أن العقل ( هو القدرة ) ثم أقول بعد ذلك مباشرة : ( التي تجعلنا قادرين على التفكير ) وبذلك يكون الانتقال من العام إلى الخاص ومثال ذلك فنحن عندما نريد أن نعرف الحب أو الكره أو الغيرة أو الحقد فإننا عادة ما نستخدم في تعريفنا لأي منها كلمة ( شعور ) مع أن كلمة شعور كلمة عامة.ثم أن العقل بما أنه موجود لدى الإنسان بشكل غير مادي فلا نستطيع أن نضع له تعريفا كما لو نعرف شيئا ماديا فنصف مكوناته المادية فهو غير مادي وغير محسوس ولا يخرج عن كونه إحدى القدرات التي يمتلكها الإنسان وقد أدركنا وجودها في الإنسان من خلال دلائل معينة دلت على وجودها حيث نرى شخصا قادرا على التفكير الصحيح فنقول أن لديه عقل ونصفه بأنه عاقل ونرى آخر غير قادر فنقول لا عقل له.

خامس عشر : عندما قلت أن العقل أداة التفكير لم يكن ذلك قياسا على أداة السمع وأداة الإبصار وإنما ذكرت ذلك كأمثلة لتوضيح علاقة العقل بالتفكير حيث أن علاقة الأذن بالسمع واضحة وكذلك علاقة العين بالإبصار فأحببت أن أستغل ذلك الوضوح لبيان العلاقة بين العقل والتفكير.

من ذلك كله أرى أن تعريفك العقل بدا واضحا أنه خطأ كما بدا واضحا خطأ اعتبارك العقل والتفكير شيئا واحدا.
وللحديث بقية إنشاء الله تعالى.

[ 09-09-2001: المشاركة عدلت بواسطة: أسعد الأسعد ]
__________________
فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني