عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 22-07-2007, 09:55 PM
كويتي من ذهب كويتي من ذهب غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2007
المشاركات: 40
إفتراضي

ثالثاً:موقف النظام العراقي بعد احتلال الكويت:

لم يقدر النظام العراقي الأمور تقديراً صائباً ،وأوقع نفسه بأخطاء جسيمة ، وجره تعنته إلى نقطة اللا عودة . لقد استهان صدام حسين بالتطورات التي حدثت على المستوى العالمي ، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ، وبداية تفكك الاتحاد السوفيتي ، وظهور الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم ، دون منازع .
لقد أخذ صدام الغرور من تعداد جيشه ، وأسلحته التقليدية منها ، وأسلحة الدمار الشامل ، الكيماوية والبيولوجية والجرثومية ، وصواريخه بعيدة المدى إضافة إلى سعيه الحثيث لامتلاك القنبلة النووية .
لقد ظن صدام نفسه قادر على منازلة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ، الذين لهم مصالح كبرى في الخليج تجعلهم على استعداد لعمل كل شيء من أجل الحفاظ عليها ، حتى لو أدت إلى حرب ذرية ، ووصل الأمر بصدام أن يقف أمام عدسات التلفزيون ، يستهزئ بقوة الولايات المتحدة ، وتكنلوجيتها العسكرية قائلاً : [ إن طائرة الشبح التي يهددوننا بها لا تخيفنا ، وإن بامكان راعي الغنم أن يسقطها ببندقية البرنو!] أضاف صدام قائلاً : [ إنني واثق كل الثقة بأننا سننتصر إذا ما قامت الحرب ، وإننا سوف نهزم الجيوش الأمريكية وجيوش حلفائها ونعيد جنودهم إلى بلادهم بالأكفان ] . (10)
بهذه العقلية كان يفكر صدام حسين ، وقد جعل من نفسه القائد الضرورة الذي لم تنجب الأمة العربية قائداً مثله من قبل .
لقد بلغ به الغرور حداً جعله يفاجئ حتى اقرب أصدقاء العراق ، في غزوه الكويت ، فقد كان من المفروض أن يجري مشاورات مع الاتحاد السوفيتي ، الذي تربطه به معاهدة صداقة وتعاون إستراتيجي حول خططه لغزو الكويت ، ويقف على حقيقة موقفه من مغامرته تلك ، فلا ُيعقل أن ُيقدم بلد صغير كالعراق على تحدي الغرب ، دون أن يكون له سند كالاتحاد السوفيتي ، وهكذا فوجئ صدام بأن الاتحاد السوفيتي يقف ضد مغامرته ، ولا يؤيده فيها ، بل يطالبه بالانسحاب الفوري من الكويت ، ويؤيد كل القرارات التي أصدرها مجلس الأمن ضد العراق .
وبدلاً من أن يعيد صدام حساباته ، ويتدارك الأمور قبل فوات الأوان ، فإننا نجده يصعّد الأزمة أكثر فأكثر ، فقد أعلن عن مطالب جديدة ، بربط مسألة احتلال الكويت بمشاكل الشرق الوسط ، طالباً انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة ، وانسحاب الجيش السوري من لبنان ، وذهب إلى أبعد من ذلك فطالب بتوزيع الثروة النفطية على الدول العربية الفقيرة ، وكانت تلك كلمة حق أراد بها باطل ، فلو كان صدام يهتم بمصالح الشعوب العربية إلى هذا الحد ، فقد كان الأولى به أن يهتم بمصالح شعبه أولاً وقبل كل شيء ، لكنه بدلاً من أن ينهض بمستوى معيشة شعبه ،زجه في حرب دموية لا مبرر لها، ولا مصلحة له فيها مع الجارة إيران ، دامت 8 سنوات ، وأغرق العراق وشعبه بالدماء ، وجاءت الحرب على الأخضر واليابس ، كما يقول المثل ، وخرج العراق منها وهو مثقل بالديون ، وقد فقد كل مدخراته ، وأصيب اقتصاده بالانهيار التام وبدلاً من أن يحاول صدام إصلاح أوضاع العراق الاقتصادية، عن طريق نبذ الحروب ، وسياسة التسلح ، وتبديد ثروات البلاد ، فإنه لجأ إلى غزو الكويت ، وأوقع العراق بمأزق جديد ، يفوق بمئات المرات ، المأزق الإيراني ، ولم يحسب أي حساب لما يمكن أن تؤدي مغامرته هذه بالعراق من مآسي وويلات .
لقد كان التساؤل على أفواه الجميع : كيف جرأ صدام حسين على تحدي الولايات المتحدة ؟ وهل كان هناك أدنى شك بان صدام يقود العراق إلى معركة خاسرة ؟
لقد كان الناس في تلك الأيام يتساءلون عن سر موقف صدام ، وكان في تقديرهم أمران ، فأما أن يكون قد أصاب صدام مَسّ من الجنون ، جعله يقنع نفسه بقدرته على دحر الجيوش الغربية أو كانت لديه القناعة بأن الولايات المتحدة ، التي سهلت له الأمر للإقدام على مغامرته، حين التقى بسفيرتها [أيريل كلاسبي ] أعطته الضوء الأخضر لاحتلال الكويت ، تعويضاً لخسائره في حربه مع إيران نيابة عنها ، وأن ما تفعله من استعدادات حربية ما هو إلا زوبعة في فنجان لا تلبث أن تتلاشى وتزول وليست فخاً نصبته له الولايات المتحدة لتوقع العراق فيه ، من أجل توجيه الضربة القاضية له ، وتحطيم قدراته العسكرية والاقتصادية وتعيد العراق إلى الوراء عشرات السنين .

رابعاً:اندلاع حرب الخليج الثانية واندحار قوات صدام :
وجدت الولايات المتحدة ضالتها المنشودة في إقدام صدام على غزو الكويت ، لتنزل قواتها ، وطائراتها الحربية في السعودية ، ولتملأ الخليج بأساطيلها الحربية ، بالتعاون مع حلفائها الغربيين ، بغية توجيه ضربة قاصمة للعراق ، مستخدمة كل الوسائل العسكرية المتاحة لها ، ومن أحدث ما أنتجته مصانعها من تكنولوجيا الأسلحة ، لتنزل أقصى ما يمكن من الدمار بالبنية الاقتصادية والعسكرية للعراق ، وإلحاق أبلغ الأذى بالشعب العراقي،وفرض الحصار الاقتصادي عليه لتجويعه وإذلاله وإفراغ العراق من كوادره وعلمائه ،والعودة به خمسون عاماً نحو الوراء .
لقد ورط صدام جيشه وشعبه،ووطنه ،في حرب كانت نتائجها محسومة سلفاً لصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين ،أصرّ على البقاء في الكويت ، وبدا الأمر وكأن صدام يريد حقاً إنزال الكارثة بشعبه ووطنه، فلم يشك اثنان في عدم قدرة صدام على الصمود بوجه أعتا وأقوى الدول الإمبريالية ، بما تملكه من أفتك أنواع الأسلحة ، وأشدها تدميراً .وهكذا وقعت الواقعة ، وحلت الكارثة التي توقعها الجميع ، ودفع الشعب من جديد ثمناً باهظاً من دماء مئات الألوف من شبابه ، وإنزال أقصى ما يمكن من الدمار بالبنية الاقتصادية ،والعسكرية للعراق وجرى إذلال جيشه وشعبه .
لقد أوقدت تلك النتائج المفجعة للحرب نار الحقد والغضب العارم على النظام الصدامي ، لدى الجنود المنسحبين من الكويت ، تحت وابل القذائف التي كانت ترسلها الطائرات الأمريكية والحليفة على رؤوسهم لإنزال أقصى ما يمكن من الخسائر البشرية بين صفوفهم .
لقد كان ذلك الغضب العارم لدى الجنود ينذر بالانفجار ليطيح بالنظام ورأسه صدام ،الذي سبب تلك الكارثة ،وأستمر على الرغم من ذلك يتشبث بالبقاء في السلطة ،وهو الذي يتحمل كل نتائجها .
ومما زاد في خيبة أمل الجنود العائدين من الحرب ،أن قوات التحالف لم تتعرض للنظام ورأسه صدام ولا كان في حساباتها إسقاطه ، فكان لابد وأن يتحرك الشعب ، في ظل تلك الظروف التي أنضجت الانتفاضة ، لتسقط هذا النظام الذي سبب كل المآسي والويلات للعراق وشعبه .

مصادر هذا التقرير

(1) أوهام القوة والنصر ـ محمد حسنين هيكل ـ ص 162 .
(2) نفس المصدر السابق .
(3) حرب الخليج ـ محمد حسنين هيكل ـ ص 123 .
(4)أوهام القوة والنصر ـ محمد حسنين هيكل ـ ص 260 .
(5) نفس المصدر .
(6 ) راجع كتابنا صفحات من تاريخ العراق الحديث ـ الجزء الثاني
(7) نفس المصدر السابق .
(8)أوهام القوة والنصر ـ محمد حسنين هيكل ـ ص 422 .
(9) نفس المصدر السابق ـ ص327 .
(10)بانوراما حرب الخليج ـ دكتور عبد الحسين شعبان ـ ص 100 .