عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 13-03-2006, 12:55 AM
المصابر المصابر غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 3,304
إرسال رسالة عبر ICQ إلى المصابر إرسال رسالة عبر MSN إلى المصابر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى المصابر
إفتراضي


و هذا ما كتبه الشهيد سيد قطب فى ظل تلك الأيه .

(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). .

بهذا الحسم الصارم الجازم . وبهذا التعميم الذي تحمله(من)الشرطية وجملة الجواب . بحيث يخرج من حدود الملابسة والزمان والمكان , وينطلق حكما عاما , على كل من لم يحكم بما أنزل الله , في أي جيل , ومن أي قبيل . .
والعلة هي التي أسلفنا . .

هي أن الذي لا يحكم بما أنزل الله , إنما يرفض ألوهية الله.

فالألوهية من خصائصها ومن مقتضاها الحاكمية التشريعية .
ومن يحكم بغير ما أنزل الله ,
يرفض ألوهية الله وخصائصها في جانب ,
ويدعي لنفسه هو حق الألوهية وخصائصها في جانب آخر . .
وماذا يكون الكفر إن لم يكن هو هذا وذاك ? وما قيمة دعوى الإيمان أو الإسلام باللسان ,
والعمل -وهو أقوى تعبيرا من الكلام - ينطق بالكفر أفصح من اللسان ?!

إن المماحكة في هذا الحكم الصارم الجازم العام الشامل ,
لا تعني إلا محاولة التهرب من مواجهة الحقيقة .
والتأويل والتأول في مثل هذا الحكم لا يعني إلا محاولة تحريف الكم عن مواضعه . .
وليس لهذه المماحكة من قيمة ولا أثر في صرف حكم الله عمن ينطبق عليهم بالنص الصريح الواضح الأكيد .

وبعد بيان هذا الأصل القاعدي في دين الله كله , يعود السياق , لعرض نماذج من شريعة التوراة التي أنزلها الله ليحكم بها النبيون والربانيون والأحبار للذين هادوا - بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء:
(وكتبنا عليهم فيها:أن النفس بالنفس , والعين بالعين , والأنف بالأنف , والأذن بالأذن , والسن بالسن , والجروح قصاص). .
وقد استبقيت هذه الأحكام التي نزلت بها التوراة في شريعة الإسلام , وأصبحت جزءا من شريعة المسلمين , التي جاءت لتكون شريعة البشرية كلها إلى آخر الزمان . وإن كانت لا تطبق إلا في دار الإسلام , لاعتبارات عملية بحتة ; حيث لا تملك السلطة المسلمة أن تطبقها فيما وراء حدود دار الإسلام . وحيثما كان ذلك في استطاعتها فهي مكلفة تنفيذها وتطبيقها , بحكم أن هذه الشريعة عامة للناس كافة , للأزمان كافة , كما أرادها الله .
وقد أضيف إليها في الإسلام حكم آخر في قوله تعالى:
(فمن تصدق به فهو كفارة له). .
ولم يكن ذلك في شريعة التوارة . إذ كان القصاص حتما ; لا تنازل فيه , ولا تصدق به , ومن ثم فلا كفارة . .
ويحسن أن نقول كلمة عن عقوبات القصاص هذه على قدر السياق في الظلال .
أول ما تقرره شريعة الله في القصاص , هو مبدأ المساواة . . المساواة في الدماء والمساواة في العقوبة . . ولم تكن شريعة أخرى - غير شريعة الله - تعترف بالمساواة بين النفوس , فتقتص للنفس بالنفس , وتقتص للجوارح بمثلها , على اختلاف المقامات والطبقات والأنساب والدماء والأجناس . .
النفس بالنفس . والعين بالعين . والأنف بالأنف . والأذن بالأذن . والسن بالسن . والجروح قصاص . . لا تمييز . ولا عنصرية . ولا طبقية . ولا حاكم . ولا محكوم . . كلهم سواء أمام شريعة الله .
فكلهم من نفس واحدة في خلقة الله .

إن هذا المبدأ العظيم الذي جاءت به شريعة الله هو الإعلان الحقيقي الكامل لميلاد "الإنسان"
الإنسان الذي يستمتع كل فرد فيه بحق المساواة . .
أولا في التحاكم إلى شريعة واحدة وقضاء واحد .
وثانيا في المقاصة على أساس واحد وقيمة واحدة .
وهو أول إعلان . .
وقد تخلفت شرائع البشر الوضعية عشرات من القرون حتى ارتقت إلى بعض مستواه من ناحية النظريات القانونية , وإن ظلت دون هذا المستوى من ناحية التطبيق العملي .

ولقد انجرف اليهود الذين ورد هذا المبدأ العظيم في كتابهم - التوراة - عنه ; لا فيما بينهم وبين الناس فحسب , حيث كانوا يقولون:"ليس علينا في الآميين سبيل

بل فيما بينهم هم أنفسهم . على نحو ما رأينا فيما كان بين بني قريظة الذليلة , وبني النضير العزيزة ; حتى جاءهم محمد [ صلى الله عليه و سلم ] فردهم إلى شريعة الله - شريعة المساواة . . ورفع جباه الأذلاء منهم فساواها بجباه الأعزاء !
والقصاص على هذا الأساس العظيم - فوق ما يحمله من إعلان ميلاد الإنسان - هو العقاب الرادع الذي يجعل من يتجه إلى الاعتداء على النفس بالقتل , أو الاعتداء عليها بالجرح والكسر , يفكر مرتين ومرات قبل أن يقدم على ما حدثته به نفسه , وما زينه له اندفاعه ; وهو يعلم أنه مأخوذ بالقتل إن قتل - دون نظر إلى نسبه أو مركزه , أو طبقته , أو جنسه - وأنه مأخوذ بمثل ما أحدث من الإصابة . إذا قطع يدا أو رجلا قطعت يده أو رجله ; وإذا أتلف عينا أو أذنا أو سنا , أتلف من جسمه ما يقابل العضو الذي أتلفه . . وليس الأمر كذلك حين يعلم أن جزاءه هو السجن - طالت مدة السجن أو قصرت - فالألم في البدن , والنقص في الكيان , والتشويه في الخلقة شيء آخر غير الآم السجن . . على نحو ما سبق بيانه في حد السرقة . . والقصاص على هذا الأساس العظيم - فوق ما يحمله من إعلان ميلاد الإنسان - هو القضاء الذي تستريح إليه الفطرة ; والذي يذهب بحزازات النفوس , وجراحات القلوب , والذي يسكن فورات الثأر الجامحة , التي يقودها الغضب الأعمى وحمية الجاهلية . . وقد يقبل بعضهم الدية في القتل والتعويض في الجراحات . ولكن بعض النفوس لا يشفيها إلا القصاص . .
وشرع الله في الإسلام يلحظ الفطرة - كما لحظها شرع الله في التوراة - حتى إذا ضمن لها القصاص المريح . . راح يناشد فيها وجدان السماحة والعفو - عفو القادر على القصاص:
(فمن تصدق به فهو كفارة له)
من تصدق بالقصاص متطوعا . . سواء كان هو ولي الدم في حالة القتل [ والصدقة تكون بأخذ الدية مكان القصاص , أو بالتنازل عن الدم والدية معا وهذا من حق الولي , إذ العقوبة والعفو متروكان له ويبقى للإمام تغزيز القاتل بما يراه ] أو كان هو صاحب الحق في حالة الجروج كلها , فتنازل عن القصاص . . من تصدق فصدقته هذه كفارة لذنوبه ; يحط بها الله عنه .
وكثيرا ما تستجيش هذه الدعوة إلى السماحة والعفو , وتعليق القلب بعفو الله ومغفرته . نفوسا لا يغنيها العوض المالي ; ولا يسليها القصاص ذاته عمن فقدت أو عما فقدت . . فماذا يعود على ولي المقتول من قتل القاتل ? أو ماذا يعوضه من مال عمن فقد ? . . إنه غاية ما يستطاع في الأرض لإقامة العدل , وتأمين الجماعة . . ولكن تبقى في النفس بقية لا يمسح عليها إلا تعليق القلوب بالعوض الذي يجيء من عند الله . .
روى الإمام أحمد . قال:حدثنا وكيع , حدثنا يونس بن أبي إسحاق , عن أبي السفر , قال " كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار . فاستعدى عليه معاوية . فقال معاوية:سنرضيه . . فألح الأنصاري . .فقال معاويه:شأنك بصاحبك ! - وأبو الدرداء جالس - فقال أبو الدرداء:سمعت رسول الله [ صلى الله عليه و سلم ] يقول:" ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة , أو حط به عنه خطيئة " . . فقال الأنصارى:فإني قد عفوت " . .
وهكذا رضيت نفس الرجل واستراحت بما لم ترض من مال معاوية الذي لوح له به التعويض . .
وتلك شريعة الله العليم بخلقة ; وبما يحيك في نفوسهم من مشاعر وخواطر , وبما يتعمق قلوبهم ويرضيها ; ويكسب فيها الاطمئنان والسلام من الأحكام .
وبعد عرض هذا الطرف من شريعة التوراة , التي صارت طرفا من شريعة القرآن , يعقب بالحكم العام:
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون). .
والتعبير عام , ليس هناك ما يخصصه ; ولكن الوصف الجديد هنا هو(الظالمون).
وهذا الوصف الجديد لا يعني أنها حالة أخرى غير التي سبق الوصف فيها بالكفر . وإنما يعني إضافة صفة أخرى لمن لم يحكم بما أنزل الله . فهو كافر باعتباره رافضا لألوهية الله - سبحانه - واختصاصه بالتشريع لعباده , وبادعائه هو حق الألوهية بادعائه حق التشريع للناس . وهو ظالم بحمل الناس على شريعة غير شريعة ربهم , الصالحة المصلحة لأحوالهم . فوق ظلمه لنفسه بإيرادها موارد التهلكة , وتعرضها لعقاب الكفر . وبتعريض حياة الناس - وهو معهم - للفساد .
وهذا ما يقتضيه اتحاد المسند إليه وفعل الشرط: (ومن لم يحكم بما أنزل الله). . فجواب الشرط الثاني يضاف إلى جواب الشرط الأول ; ويعود كلاهما على المسند إليه في فعل الشرط وهو(من)المطلق العام .
الدرس الثالث:46 - 47 وجوب الحكم بشرع الله في أحكام الإنجيل
ثم يمضي السياق في بيان اطراد هذا الحكم العام فيما بعد التوراة .
وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم , مصدقا لما بين يديه من التوراة . وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور , ومصدقا لما بين يديه من التوراة , وهدى وموعظة للمتقين . وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه , ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون . .
فقد آتى الله عيسى بن مريم الإنجيل , ليكون منهج حياة , وشريعة حكم . . ولم يتضمن الإنجيل في ذاته تشريعا إلا تعديلات طفيفة في شريعة التوراة . وقد جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة , فاعتمد شريعتها - فيما عدا هذه التعديلات الطفيفة . . وجعل الله فيه هدى ونورا , وهدى وموعظة . . ولكن لمن ? . .(للمتقين). فالمتقون هم الذين يجدون في كتب الله الهدى والنور والموعظة , هم الذين تتفتح قلوبهم لما في هذه الكتب من الهدى والنور ; وهم الذين تتفتح لهم هذه الكتب عما فيها من الهدى والنور . .
أما القلوب الجاسية الغليظة الصلده , فلا تبلغ إليها الموعظة ; ولا تجد في الكلمات معانيها ; ولا تجد في التوجيهات روحها ; ولا تجد في العقيدة مذاقها ; ولا تنتفع من هذا الهدى ومن هذا النور بهداية ولا معرفة ولا تستجيب . .

إن النور موجود , ولكن لا تدركه إلا البصيرة المفتوحة ,
وإن الهدى موجود , ولكن لا تدركه إلا الروح المستشرفة ,
وإن الموعظة موجودة , ولكن لا يلتقطها الا القلب الواعي .
وقد جعل الله في الإنجيل هدى ونورا وموعظة للمتقين , وجعله منهج حياة وشريعة حكم لأهل الإنجيل . .
أي إنه خاص بهم , فليس رسالة عامة للبشر - شأنه في هذا شأن التوراة وشأن كل كتاب وكل رسالة

رجاء من الساده المشرفين عدم السماح بالعبث فى مشاركلت الأعضاء . رجاء