عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 06-08-2007, 01:43 AM
السيد عبد الرازق السيد عبد الرازق غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 1,254
إفتراضي

وليد الأعظمي.. شاعر المعركة

وقف "وليد الأعظمي" منذ نعومة أظفاره بجانب الإيمان في مواجهة أعداء الإسلام، وصدق في التنديد بالمستعمرين ودعاة الشعوبية والإلحاد والعلمانية، ولقد هان عليه كل ما كان يلاقيه من أذى وبلاء، محتسباً ذلك كله في سبيل عقيدته ودعوته الإسلامية ووطنه.

وقد علا صوته مادحاً الإسلام ودعاته، ذائداً عن العرب والمسلمين وبلادهم، داعياً إلى الوحدة العربية الإسلامية، ومندداً بالمستعمر والمحتل في كل مكان، ومتناولا للأحداث والملمات التي وقعت لبلاد العرب والمسلمين، وبخاصة قضية فلسطين على نحو لم يعالجه شاعر غيره.

ولد "وليد عبد الكريم إبراهيم مهدي الأعظمي" في محلة الشيوخ سنة 1930م، ويعود نسبه إلى عشيرة (العبيد) وكان بكر أبويه؛ فأحاطه أبوه بالرعاية البالغة وأنشأه على الإسلام.

تعلَّم قراءة القرآن الكريم لدى المُلاَّ "عميد الكردي" في الأعظمية، وانتسب إلى مدرسة "الأعظمية" الابتدائية الأولى، وأكمل الدراسة الابتدائية سنة 1943.

دأب منذ صباه على حضور مجالس العلم، فكانيحضر مجلس العلامة "محمد القزلحي الكردي" في مسجد بشر الحنفي بالأعظمية، ومجلس العلامة الشيخ "عبدالقادر الخطيب" في جامع الإمام الأعظم، ومجلس العلامة الحاج "حمدي الأعظمي" في منزله عصر يوم الجمعة من كل أسبوع، وكذلك دروس العلامة الشيخ "أمجد الزهاوي" في جامع الإمام الأعظم ومسجد الدهان في (الأعظمية).

البداية
بدأ الأعظمي في نظم الشعر وهو ابن خمسة عشر عاماً، وكان قبل ذلك بقليل ينظم الزجل والشعر الشعبي بلغة العوام، وكان خاله الأديب "مولود أحمد الصالح" ـ رحمه الله ـ يوجهه ويرعاه ويصحح له بعض الأوزان ويبدل بعض الكلمات، وكانيحفظ كثيراً من الشعر العربي القديم والحديث، وكان مع بعض الأصحاب يتطارد بالأشعار؛ لشَحنِ الذاكرةِ وتنشيط الذهن للحفظ، وفي سنة 1946م افتَتحت جمعيةُ الآداب الإسلامية فرعاً لها في "الأعظمية"، وكانينشد فيها بعض المقطوعات الشعرية، بعد أن يراجعها ويصححها الأستاذ "محمود يوسف" المدرس المصري في "دار المعلمين بالأعظمية".

في سنة 1948م اشترك في المظاهرات الشعبية التي كان يقودها الشيخ "محمد محمود الصوَّاف" ـ رحمه الله ـ لإلغاء معاهدة "بورت سموث"، التي عقدتها وزارة "صالح جبر" مع بريطانيا، واستمرت المظاهرات حتى سقطت الحكومة وأُلغيت المعاهدة، وأَلقى في المظاهرات عدة أبيات ومقطوعات شعرية.

في سنة 1950م تأسست جمعية (الأخوة الإسلامية)، وانتسب إليها معظم الشباب، لِما وجدوا من التنويع في نشاطاتها، حيث المحاضرات والندوات العلمية والأدبية والحركات الرياضية، مثل: فرق كرة القدم، وإنشاء المسابح على نهر دجلة، والمخيمات والمعسكرات الكشفية، وكانت الجمعية تقيم احتفالاً في جامع (الأزبك) ببغداد مساء كل يوم خميس، يتكلم فيه العلماء والأدباء، ويلقي فيه الأستاذ "الصوَّاف" خطبةً رائعةً لشحذِ هِمَم الشباب ويدفعهم إلى خدمة الإسلام والدعوة إليه والاعتزاز به.

وكان الشيخ "الصوَّاف" يشجِّع "وليد الأعظمي" ويرعاه ويحضه على نَظم الشعر، ويقدمه لإلقاء شعره على أسماع الحاضرين، وكان ينشر له قصائده في مجلة (الأخوة الإسلامية)، بعد أن يهذِّبَها، ويجعَلها صالحةً للنشر، وكان يصطحبه معه عند زيارة بعض المدن العراقية، ويشجِّعه على إنشاد الشعر الإسلامي في مساجدها.

مع الخط العربي
انتسب الشاعر إلى معهد "الفنون الجميلة" ببغداد- قسم الخط العربي والزخرفة الإسلامية- وتخرج فيه، وتعلَّم فنَّ التركيب في الخط العربي على الخطَّاط التركي الشهير "ماجد بك الزهدي"، ورافق الخطَّاط النابغة "هاشم محمد البغدادي" ـ رحمه الله ـ مدة عشرين عاماً، اغترف خلالَها من فنِّه وفضله وأدبه.

نال إجازةً في الخط العربي من العلاَّمة الشيخ "محمد طاهر الكردي المكي"- خطاط مصحف مكة المكرمة- ونال إجازةً في فنِّ الخط العربي من الخطَّاط المصري الشهير "محمد إبراهيم البرنس"- خطاط المسجد الحرام بمكة المكرمة- ونال إجازةً في الخط العربي من الشيخ "أمين البخاري"- خطاط كسوة الكعبة المشرفة.

كان ـ رحمه الله ـ خبيراً في شؤون المصاحف في وزارة الأوقاف العراقية، وخبيراً في فنِّ الخط العربي وتاريخه وآدابه في "وزارة الإعلام والثقافة" العراقية، وكان رئيسًا لنادي التربية الرياضية في الأعظمية لمدة خمس سنوات، وقد فاز النادي خلالها ببطولة العراق في المصارعة، وعمل خطاطًا في المجمع العلمي العراقي، ومصححا في مطبعتِه لمدة عشرين سنة، وقد زوَّق بخطوطه الجميلة على "الكاشي" المزجَّج كثيراً من محاريب المساجد وأروقتها وقبابها في بغداد، وبعض المدن العراقية.

زواجه
تزوج من ابنة عمه سنة 1956م، وكان يوم عقد الزواج مشهوداً في الأعظمية؛ حيث حضر العقد مجموعةٌ من كبار علماء الدين، منهم العلامة الحاج "حمدي الأعظمي"، والعلاَّمة الشيخ "نجم الدين الواعظ"، والعلاَّمة الشيخ "عبدالقادر الخطيب"، والعلاَّمة الشيخ "محمد القزلحي الكردي"، والمجاهد الشيخ "محمَّد محمود الصوَّاف"، وألقى خطبة الزواج "محمد الكردي"، وحضر العقد كافة شباب الأعظمية.

رزق الأعظمي من زوجتهبأربعةَ أولاد وأربع بنات، استُشهد أكبرُهم- الملازم "خالد"- في الحرب العراقية الإيرانية، وقد عرف عن الأعظمي حبه للبيت الحرام فقد حجواعتمر أكثر من ثماني مرات.

شاعر المعركة
أوقف "وليد الأعظمي" شعره على التغني بالإسلام وعقيدته وشريعته، والردِّ على المناوِئين له، والتغنِّي بالدعوة الإسلامية، فامتلأت دواوينه بالتغني بها وبمبادئها وأهدافها والإشادة بقادتها ودعاتها، والناظر في شعره يجد أن الموضوعات الأساسية التي غلبت عليه تتركز فيبيان الفهم الصحيح للإسلام، كمنهج شامل لكل نواحي الحياة، وكمال شريعته، ووجوب تطبيقها، ونبذ القوانين الوضعية الظالمة القاصرة، كما حمل في أشعاره على التدين السلبي والمنقوص لدى كثير من المسلمين، وحذر من المؤامرات التي تُحاك ضد الإسلام والمسلمين، في وعيٍ عميقٍ وفهمٍ صائبٍ لحقيقة الصراع وجذوره العقائدية:

ها قد تداعَى علينا الكفرُ أجمعه

كما تداعى على الأغنام ذؤبانُ

والمسلمونجماعاتٌ مفرَّقةٌ

في كل ناحيةٍ ملكٌ وسلطانُ

في (زنجبار) أحاديثٌ مروِّعةٌ

مثل التي فعلت من قبلُ أسبانُ

ذبحٌ وصَلبٌ وتقتيلٌ بإخوتنا

كما أُعِدَّت لتشفي الحقدَ نيرانُ

مساجدٌ نُسفتْ في (قبرصٍ) عَلَنًا

فهل تحرك عند القومِ وجدانُ

قالوا: اختلفَ تُركٌ ويونانُ

لا بل قد اختلفا.. كفرٌ وإيمانُ

حربٌ صليبيةٌ شعواء سافرةٌ

الشمس ما عازها قصدٌ وبرهانُ

ولفلسطين الدرة المغتصبة في قلب شاعرنا لوعةٌ وحرقةٌ وألمٌ، فيقول:

أمَّا فلسطين فسيلُ دمائها

لم ينقطع وعيونها لم ترقدِ

اللاجئون- وهذه أكواخهم

كالعار عن أنظارنا لم يبعدِ

في كل كوخ لوعة ومناحة

من طفلة تبكي وشيخ مقعدِِ

وكريمة عبث اليهود بطهرها

وبها تمتع رائح أو مغتدي

وفاته
ومع حلول السنة الهجرية (1425هـ) وفي أول يوم منها انتقل شاعرنا الإسلامي إلى جوار ربه، وقد تجاوز الثالثة والسبعين من عمره، وذلك بعد صراع مع المرض دام أكثر من شهر، عقب إصابته بجلطة تلقى خلالَها العلاج.

مات وليد الأعظمي بعد أن أتحف المكتبة الإسلامية بالعديد من الدواوين الرائعة كـ "أغاني المعركة، والزوابع، ونفحات قلب"، إضافة إلى العديد من الكتب التي وضعها في التراجم والسير، والكتب المخطوطة.. مات بعد أن قضى حياته كلها عاملا في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه، وقد حضر تشييعه جمع غفير من الدعاة والمحبين والوجهاء وشيوخ العشائر من بغداد وخارجها، وحمل ـ رحمه الله ـ على الأكتاف من جامع أبي حنيفة النعمان إلى مثواه الأخير، وكان يوما مشهودا في تاريخ الأعظمية وبغداد.
__________________
السيد عبد الرازق
الرد مع إقتباس