عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 06-07-2005, 09:22 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

[size=5]وهذه نظرية الغُبن لم تكن موجودة بل لم تكن نظرية الالتزام تجيزها. فقد كانت النظريات الفردية تقضي بوجوب ترك الفرد حراً في تعاقده يلتزم بما أراد مهما أصابه من غُبن في ذلك. ولمّا تبين فساد هذه النظريات الفردية وفساد نظرية الالتزام أُدخلت نظرية الغُبن على بعض العقود ثم أخذت تتسع حتى أصبحت في القوانين الحديثة نظرية عامة تنطبق على جميع العقود.

وهكذا كان لنشوء أفكار عن الحياة تخالف الأفكار القديمة، وظهور فساد الأفكار القديمة، أثر على نظرية الالتزام فأبرز فسادها.

ولم يقتصر الأمر على ذلك بل كان استعمال مختلف الآلات الميكانيكية وتقدم الصناعة ووجود حروب عالمية قد أوجد مسائل عملية تُبرز فساد نظرية الالتزام. إذ أن استعمال الآلات اقترن بمخاطرة جمة يستهدف لها الناس، ولم تكن نظرية الالتزام تجعل المسؤولية إلاّ على الشخص، فظهر عدم صلاحيتها وُوضع المسؤولية على الخطأ المفروض. فبعد أن كان الشخص لا يدفع تعويضاً عن الضرر الذي يحدث لشخص آخر إلاّ إذا قام هو بالعمل الضار متعمداً الأضرار بالغير، صار يدفع تعويضاً كذلك عن الضرر إذا صدر هذا الضرر عن الأشياء التي يملكها الشخص، أي صار يُلزِم من فُرض أنه ارتكب الخطأ بتعويض الضرر، وصار إلحاق أي أذى في العامل يُلزِم صاحب العمل بالتعويض. وهذا لا تقضي به نظرية الالتزام.

وصار عقد التأمين في القوانين الغربية لا يقتصر على الشخص بل يشمل الغير، فوُجدت نظرية الاشتراط لمصلحة الغير، كما إذا أمّن شخص على حياته لمصلحة أولاده سواء أكان له أولاد وقت التأمين أم لم يكن له أولاد حين التأمين. وهذا يخالف نظرية الالتزام لأنها رابطة بين شخصين، والأولاد الذين لم يوجَدوا بعد لا يدخلون في هذه الرابطة، مع أن العقد في القوانين الغربية أصبح يُدخلهم.

وعلاوة على ذلك فإن نظرية الوفاء بعملة نقص سعرها، وفي التسعير الجبري للسلع، والتقدير الجبري للأجر، وفي عقود التزام المرافق العامة، ما يناقض نظرية الالتزام، ومع ذلك أُدخل في القوانين الحديثة. وهي تدل على فساد نظرية الالتزام وعدم صلاحها.

وزيادة على ذلك فإن النظرية التي تقضي بأن الغش يفسِد العقد، والقاعدة القائلة بأنه لا يجوز الاتفاق على ما يخالف الآداب والنظام العام، والالتزام بوجوب الامتناع عن الإضرار بالغير دون حق، كما إذا رعت دابة زرع آخر بسبب إهمال صاحبها، والإثراء بلا سبب الذي يمنع الشخص من أن ينتفع على حساب غيره كمن يقيم بناء على أرض الغير أو يدفع ديْناً غير موجود، أي العمل الفضولي، كل ذلك يخالف نظرية الالتزام، ويدل على فسادها، لأنها تقييد وليست حرية، وهي تناقض الحق الشخصي وتهدمه على اعتبار أنه حق مطلق غير مقيد.

على أن الالتزام من حيث هو عندهم يقوم على رابطة قانونية بين الدائن والمدين توجِب على الشخص أن ينقل حقاً. وهذا يعني عدم اشتراط الرضا بالحوالة، أي توجد الحوالة دون رضا المحال عليه بحوالة الحق، وعدم اشتراط رضا الدائن بحوالة الدين، لأن الحالة القانونية تلزم الشخص بنقل الحق عيناً أو ديناً. وهذا لا يضمن تحقيق العدل، ولذلك ظهر فساده، فمجرد تبليغ المحال عليه لا يكفي، بل لا بد من قبوله، لأن العقد في الحوالة كما في غيرها يجب أن يكون برضا أطراف العقد.

هذا إجمال لبعض المشاكل المتجددة التي عرضت لنظرية الالتزام، ومنه يتبين أنها لا تصلح ميداناً للتفكير، لأن كثيراً من أنواع العلاقات بين بني الإنسان لا يمكن استنباطها منها، مثل كون الغش يفسد العقد، وهي لا تصلح لأن تكون مجالاً للتعميم، لأن المسؤولية على الخطأ المفروض كالأذى الناتج عن الآلة وحوالة الدين، والاشتراط لمصلحة الغير مثل التأمين على الأولاد الذين لم يولدوا، والإرادة المنفردة مثل الوقف الخيري بل مثل شركة المساهمة في النظام الرأسمالي، وما شابه ذلك من العقود والمعاملات لا يمكن أن تشملها لا بمنطوق ولا بمفهوم. ولذلك فهي قاصرة، وهي كذلك لا تصلح لإثبات كثير من القواعد العامة مثل قاعدة عدم جواز الاتفاق على ما يخالف الآداب والنظام العام، ومثل نظرية الغُبن في العقود. وليس فيها قابلية لتوحيد مختلف الشعوب والبيئات في تشريع واحد، بدليل ظهور قصورها حين ظهرت النظريات الاشتراكية وحين تقدمت الصناعة. وهي من أساسها خاطئة لأنها تقوم على حرية الملكية والحرية الشخصية، وهذه الحرية للشخص وفي الملك هي التي تسبب الفساد بين الناس، وهي التي تمكّن من الاستغلال والاستعمار، لأن إعطاء الحرية في التملك وإعطاء الحرية الشخصية يحميه القانون حين بُني على نظرية الالتزام، وفي ذلك الفساد والشقاء.

هذا هو واقع التشريع الغربي الذي تحدى التشريع الإسلامي، أو بعبارة أخرى هذا هو واقع النظام الرأسمالي الذي تحدى نظام الإسلام. أمّا التشريع الإسلامي الذي أوسعه الغربيون هجوماً ونقداً فهو ليست نظريات ظنية تنبثق عنها الأحكام والمعالجات كما هي الحال في التشريع الغربي، وإنّما هو منبثق عن عقيدة عقلية قطعية لا يتطرق إليها ارتياب. فليس أصله نظرية في الحق، ولا هو منبثق عن نظرية الحق الشخصي أو الحق العيني، وإنّما أصله عقيدة جازمة توصّل إليها العقل وقطع يقينياً بها. فما انبثق عن هذه العقيدة فهو تشريع إسلامي، وما لم ينبثق عنها فليس بتشريع إسلامي. فأيهما التشريع الحق: التشريع المنبثق عن عقيدة عقلية لا يتطرق إليها ارتياب أم التشريع المنبثق عن نظريات ظنية، ولا سيما إذا كانت نظريات ظهر فسادها من حوادث الزمن وبرهن تعريفهم لها على عدم مطابقتها للحقيقة والواقع؟