عرض مشاركة مفردة
  #93  
قديم 23-03-2005, 04:00 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile أنا راضية والحمد لله


أنا راضية والحمد لله



هذه المرأة تزوجت ، وانتظرت أكثر من عشرين عاماً ،



تنتظر على إثر ذالك ريحانةً لقلبها ،



تنتظر مولوداً يشنف سمعها بلفظ الأمومة ، ولكن ،



لم يقدر الله تعالى لها من ذالك الزوج أولاداً ،



طلبت الانفصال عن هذا الزوج ، مع حبها الشديد له ،



لكن عاطفة الأمومة لديها سيالة ، انفصلت عن زوجها وتزوجت بآخر ،



فوهبها المنعم المتفضل بعد طول مدةٍ مولوداً ذكرا ،



وفي أثناء حملها ، طلقها هذا الرجل ، فوضعت حينها قرة عينها ،



بعد طول ترقب وانتظار ، وحينها تقدم لها الكثير من الخطاب ،



ولكنها رفضتهم جميعاً لتربي ولدها ، عكفت على تربيته ،



لقد علقت فيه آمالها ، ورأت فيه بهجة الدنيا وزينتها ،



انصرفت إلى خدمته في ليلها ونهارها ، غذته بصحتها ، ونمته بهزالها ،



وقوته بضعفها ، كانت تخاف عليه من رقة النسيم ، وطنين الذباب ،



كانت تؤثره على نفسها بالغذاء والراحة ، أصبح هذا الولد قلبها النابض ،



تعيش معه وتأكل معه ، وتشرب معه ، تؤنسه ، تمازحه ، تنتظره وتودعه ،



حين يذهب في المجالس وبين الأقارب يحلوا لها الحديث بطرائفه ونوادره ،



تهب البشائر والأعطيات لكل من يبشرها بنجاحه أو قدومه من سفره ،



ولما لا وهو وحيدها وثمرة فؤادها ،



تعد الأيام والشهور لترى فلذة كبدها يكبر رويداً رويدا ،



كبر ذالك الطفل ، وأصبح شاباً يافعا ، واستوى عوده ، واشتد عظمه ،



كانت تقف أمامه مزهوة شامخة ، كانت تجاهد على إعانته على الطاعة ،



كيف لا ، وهي كما تقول الأخت : عرفت منذ الصغر بطول قيامها وتهجدها ،



لا تدخل مجلساً إلا وتذكر الله وتنهى فيه عن فحش القول أو البذاءة ،



وهي مع ذالك من أهل الصلاة والصدقة ،



لطالما تاقت نفسها أن تسمع صوت وحيدها يؤم المصلين في المسجد الحرام ،



لكم تمنت أن يجعل الله له شأن يعز به دينه ،



لقد كانت كثيراً ما تختلي بنفسها في أوقات الإجابة تدع ربها ،



وكم كان اسمه يسيطر على دعاءها ، لا تنامُ إلا بعد أن ينام ،



ثم تقوم مرة أخرى وتدخل عليه لتعيد غطاءه ، وتصلح حاله ،



تفعل ذالك في الليلة الواحدة أكثر من مرة ، الله أكبر ،



مبلغ الحنانِ ومنتهاه ، أحسبُ أنكم تقولون كفى ،



فقد أبلغتِ في الوصف والثناء ، لستِ والله بمبالغة ، فهذه حالها مع ولدها ،



عزمت على تزويجه ، لترى ولده وحفيدها ، بدأت تبحث له عن عروس ،



ثم سعت إلى تقسيم منزلها إلى قسمين ، العلوي له ، والسفلي لها ،



دخلت عليه في يوم من الأيام كالعادة ، نادته لم يرد عليها ،



خفق قلبها ، رفعت يده فسقطت من يدها ، هزته بقوة ، لم يتحرك ،



بادرت بالاتصال على قريب لها ، حضر على عجل ، فحمله إلى المستشفى ،



أحست أن في الأمر شيئا ، لكنها على أمل ، فماذا عملت ،



لقد كان من أمرها عجبا !! توضأت ثم يممت شطر سجادتها ،



وسألت ربها أن يختار لها الخيرة المباركة ، وصلت ،



وبعد سويعات ، وإذا وحيدها قد مات ، نعم ، بعد أربعين سنة ،



عشرون سنة ترقبه ، وأخرى مثلها تربيه ، ضاع ذالك في لحظة واحدة ،



وما كان منها حينما بلغها الخبر ، إلا أن قالت : وحيدي مات ،



ثم استرجعت ، ثم رددت كثيرا الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله ،



تقولها بثبات وصبر ، لم تندب ولم تصرخ ، ولم تشق جيباً أو تلطم خدا ،



هذه هي ثمرة الإيمان تظهر في أشد المواقف وأصعبها وأحلكها ،



كان وقع الصدمة شديداً على كل من عرف ،



بعض قريباتها يبكين أمامها ليس لفقد الولد ، ولكن رأفةً بحالها ،



كانت تنهاهن بحزم وهدوء ، وتقول بلهجتها : ما هذا الخبال ،



ربي أعطاني إياه ، أنا راضية والحمد لله أنها لم تكن في ديني ،



الله أكبر ، لقد ضربت أروع الأمثلة في الصبر والرضا ،



إلا أن بعض النفوس الضعيفة ، من اللاتي يجهلن التسليم والرضا بالقدر ،



لم يستوعبن موقفها ، فمن قائلة : لعلها أصيبت بحالة نفسية ،



ومن قائلةٍ : هي ذاهلة ولم تستوعب بعدُ وفاته ،



وفي تلك الليلة التي مات فيها فلذة كبدها ، حان وقت طعام العشاء ،



فكان من أمرها عجبا ، امتنع الكثير عن تناوله ،



أما هي فقد مدت يدها إلى الطعام



وهي تقول : والله ليس لي رغبة فيه ،



ولكني مددتُ يدي رضا بقضاء الله وقدره ،



الله أكبر ، ما أعظم موقفها ، لقد كانت تشعر بالحرقة ،



لكن على سجادتها بين يدي ربها تناجيه وتدعو لوليدها ،



نعم ، فقدت فلذة كبدها ، لكنها في الوقت نفسه المؤمنة الراضية ،



لقد حول صبرها ورضاها مع حسن ظنها بالله تعالى حول هذه المحنة إلى منحة ،



حينها يكون لها حسن العقبى في الدارين بإذن الله " .



هذه القصة ذكرها الشيخ خالد الصقعبي في شريط صانعات المآثر.
__________________