عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 16-02-2006, 10:44 AM
غــيــث غــيــث غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: الخيمة العربية
المشاركات: 5,289
Arrow

(( 4 ))


دخلنا بيت الأنصار الذي يرتاح فيه القادمون من الخليج العربي وغيره مما حصرناه سلفاً ، وللزائر أن يستريح في هذا البيت ثلاثة أيام إلى عشرة أيام فقط ولا تزيد ومن ثم يذهب إلى أي معسكر يختاره للتدريب ، وقد يجبر على معسكر معين أو يطلب منه الرجوع للسعودية على الفور أو أي دولة في الخليج أو أن يخرج من بيت الأنصار ولا تكون له صلة بهم ؟

لأن كثير من الشباب هداهم الله يبقون في باكستان طويلاً دون الذهاب إلى أفغانستان ويتجولون في بيشاور من مطعم إلى سوق إلى ووو وكأنهم في سياحة وهم من دفع لهم تجهيزاً من أموال المسلمين ، كما يخشى عليهم من الفتنة في هذه البلاد التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب ، فالحشيش يباع عياناً في الطرقات دون أي موانع تذكر ورأيتهم بأم يعني مراراً في كثير من المرات أثناء الترحال من إسلام آباد إلى داخل أفغانستان والتي كانت عبر محطات طويلة ، ودور الزنا والخنا والخمور المصنعة محلياً كل هذا متوفر في باكستان ...

وبيت الأنصار إذا قدم إليه من يريد الجهاد عليه أن يقوم بتسليم الأمانات التي لديه إلى الصندوق ومن ثم يعطى ورقة عليها كنيته ورقم أمانته ، ومن ثم يقوم بتسليم جوازه وكل ما بحوزته من أمور رسمية أو حتى مبالغ مالية حتى يعود من أرض أفغانستان ، ويقال له أن كل شيء جاهز هناك وموفر لك فلست بحاجة إلى كثير من المال وخذ ما يكفيك للطريق فقط .. كما أنه لا يحق لك الخروج من هذا البيت إلا لضرورة من مستشفى أو أن تكون عاملاً تقضي بعض الأعمال لصالح البيت أو لشراء بعض المستلزمات الهامة كملابس وغيرها ، والبعض يحتال في الخروج ولا ريب إما لحب الإطلاع أو للتمشية أو غير ذلك ...

المهم سألت عن هذا القائد ( الجارود ) الذي كان شيخ المجاهدين في مدينتي أعطاني له ورقة توصية كما ذكرت لكم في حلقة رقم ( 2 ) ، فقالوا هو الآن في أفغانستان إذا أحببت أن تنتظره هنا في بيت الأنصار فلك ذلك وإذا أحببت أن تذهب للمعسكر فلك ذلك ؟ فقلت بل أنتظره ، وسبحان الله ما هي إلا ثلاثة أيام قضيتها في بيت الأنصار إلا وجاء ...

طلبت لقائه فقيل لي بعد صلاة العشاء ، وبعد صلاة العشاء ناداني أمير البيت حينها وقال لي القائد الجارود يريد رؤيتك بناءً على طلبك ، فدخلت غرفةً فيها سراج مشعل حيث كانت الكهرباء مفصولة ، وكانت الغرفة شبه مظلمة ، وقال لي أمير البيت انتظر هنا وسوف يأتيك ..
فجأة دخل علي رجل ضخم يلبس عمامة وبدلة أفغانية وجلس أمامي عن بعد وقال لي في صوت خافت أنت أبو فلان قلت نعم ، قال لي نعم ماذا تريد ، قلت هذه توصية من الشيخ فلان إليك ، وفعلاً عليه صفات القائد وذو هيبة عجيبة لا يبتسم ولا يكثر الحديث ، بدأ يقرأ الرسالة ، وقال : لماذا أتيت ؟ قلت للإعداد في سبيل الله ونصرة إخواني ، قال تذهب غداً إلى معسكر الفاروق ؟ قلت ولكن هل من الممكن أن أذهب إلى معسكر ... لم أتمم كلامي حتى قام من مكانه وقال لي: تسمع وتطيع ، قلت سمعاً وطاعة وإن شاء الله أنا ذاهب غداً إلى الفاروق ..

وكنت أريد أن أقول له أن معسكر الفاروق شديد وذو تدريبات لا أتحملها فأنا أعرف طاقتي وجسمي لا يتحمل وكنت قد سمعت عنه وعن شدته ، ولكنه رأى غير ذلك ، وقد كنت أريد أن اختيار معسكراً كنت أسمع أنه هيناً وذو تدريبات متوسطة وليست بصعبة وكنت حينها صغير السن لا ريب أخشى التعب والنصب وأميل إلى تخفيف الثقل .. ولكن كان القدر يرسم في ثناياه خبايا وخفايا وكانت خيرة قد اختارها الله ..

وفي صباح الغد الباكر وبعد صلاة الفجر مباشرة : قام رجل يعدد بالكنية ألقاباً وأسماء معسكرات ، حيث يتم توزيع القادمين من الخليج إلى المعسكرات حسب اختيار الشباب غير أنني أنا الوحيد الذي تم إلزامي بمعسكر الفاروق وغيري اختار ما يريد مع كون البعض اختاروا معسكر الفاروق اختياراً، فقلت يا لها من توصية أمل أن يكون من ورائها الخير ..

عدد الألقاب وتوزعنا على السيارات ( الحافلات الصغيرة ) وحملنا حقائبنا متجهين إلى المعسكرات في مدينتي خوست وغرديز ، وكان الطريق أخذ بنا ساعات طويلة لست أذكرها جيداً ولكنها ليست بأقل من ثمانية ساعات ...

وكنا في الطريق نمر بنقاط عديدة كنقاط تفتيش ونعطيهم أموالاً كضريبة أو شيء مثل هذا القبيل ، فسألنا السائق عن ذلك فقال هذه طرق تملكها القبائل وتأخذ على أي سيارة تمر ضريبة المرور بأراضيها حتى لو مرت من هنا سيارة شرطة وأرادوها أن تدفع فعليها أن تفعل و إلا منعت من المرور ...

المهم وصلنا إلى مضافة العرب التابعة لبيت الأنصار في ميرم شاه وهي قرية على الحدود الباكستانية ، ووصلنا قبيل صلاة المغرب أو قبل بقليل ، ونحن داخلون إلى القرية لفت نظري جدار كبير كتب عليه بالعربي : أمريكا أم الكفر وروسيا أبوها ... وكان جداراً لمستشفى ميرم شاه الذي يعتبر المستشفى الأقرب للمعسكرات في مدينتي خوست وغرديز داخل أفغانستان ...

دخلنا المضافة وكان فيها من كل بلد ومن كل جنس ومن كل لون ، وليست محتكرة على شباب الخليج لأنها المضافة الوحيدة التي في هذه القرية التي تستقبل المجاهدين العرب وغير العرب من كل مكان ...

دخلناها وكان أميرها جزائري ونائبه سوداني ، وفيها أربعة من السعودية أو من الجزيرة العربية كما يقال ..

تم جمعنا في صحن المضافة ومن ثم إخبارنا بعدم الخروج من المضافة إلا بإذن وأخبرونا أن القرية غير آمنة والتجول من غير سلاح أمر خطر خاصة للعرب خشية من المنافقين المدسوسين من قبل عملاء ..

تم توزيعنا على الغرف ، وبعد صلاة المغرب تناولنا العشاء وجلسنا جلسة سمر..

وقص علينا أحد الشباب من العاملين في المضافة قصة عجيبة حصلت منذ أيام في هذه القرية ، وهي أن شاباً باكستانياً عمل فيه اللواط والعياذ بالله باختياره ومن ثم علم أبوه بالموضوع وهدد ابنه بالقتل ، وبينما الأب كان يبحث عن الابن إذ وجده في زاوية من زوايا السوق جالساً وكان الأب معه سلاح الآر بي جي المعروف والمضاد للدبابات ، فلما رأى الشاب والده هرب وكان أبو يلاحقه في السوق بالآر بي جي والناس يهربون ويتصادمون خوفاً من السلاح أن يطلق قذيفته ، يقول : حتى دخل الأبن في ساحة في زاوية جدارين حكرا الطفل ، قال : فقام الأب يقول بسم الله والله أكبر وقصف أبنه بالقذيفة كي تقطعه إرباً وينهار الجداران كي يدفنانه ... فلما انتهى وقع الأب على ركبتيه يبكي .. يا لله .. فجعت من هذه القصة ... فهي قرية ليست في سيطرة الحكومة بل في يد القبائل الباكستانية ولكنها قصة تخبر عن أهمية العرض والشرف وما ألحقه الأبن من عار لهذه الأسرة ...

أذن العشاء وصلينا ، ثم أتت الأوامر بعد الصلاة أن نخلد إلى النوم لأنه في يوم الغد الباكر سوف نتوجه إلى المعسكرات بعون الله مباشرة بعد صلاة الفجر ...

كان شعوري عندها بالصدمة ، فلم أتوقع أن أجد مثل هذه التقلبات في حياتي صعبة وسريعة ، خاصة أنني كنت أصغر القوم ولم أخرج خارج المملكة أبداً ولم يكن لدي العلم الشرعي الذي أستطيع من خلاله التفريق بين المتناقضات ؟؟

وخفت في الحقيقة من الغد ولم أنم جيداً حيث كنت أفكر فيما هو آت يا ترى ما هو وكيف جو هذه المعسكرات ,,

ولست أخفيكم أنني في بداية الأمر شعرت بتردد كبير في أن أقدم أو أرجع ، لست أدري لماذا ، فقد فكرت في والدي وفي دراستي ووو وكنت أقول في نفسي ماذا فعلت يا فلان وكيف صنعت ؟؟ وإلى أين أتيت ...

بالطبع لم أتصل على أهلي كي أقول لهم أنني وصلت خشية أن يكونون في موقف غضب عليّ من جراء ما أقدمت عليه ونصحني الشباب أن لا أتصل إلا بعد انتهائي من فترة التدريب ، ويكفي طمأنة الشباب في بيت الأنصار لأي متصل أو سائل أنني بخير ، وكانت خطوة ساذجة وفكرة سيئة مني حيث عاش والداي الأمرين من جراء عدم اتصالي وهذه تحصل مع أغلب الشباب القادمين لأفغانستان ، لا يتصلون إلا بعد مضي وقت طويل ربما نال من عزم الأسرة وبالأخص الأبوين وللأسف ..

فجأة أذن المؤذن لصلاة الفجر وأحسست أنني لم أنم بعد ، صلينا الفجر وتناولنا الإفطار على سرعة من أمرنا ، ومن كان يشتهي أن يفطر حينها ؟ ركبنا سيارات من نوع تويوتا هايلوكس دبل رفيعة وجلسنا في الصندوق الخلفي وانطلقت بنا نحو أفغانستان ..


سوف أكمل بعون الله في الحلقة القادمة .. دخولنا أفغانستان ووصولنا للمعسكر ..

فكونوا معي ..