عرض مشاركة مفردة
  #17  
قديم 28-06-2006, 10:10 AM
sayef sayef غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
الإقامة: بلاد الاسلام
المشاركات: 68
إفتراضي

ويقول ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: ( وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج، وأخبر أنهم شرّ الخلق والخليقة، مع قوله: ( تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم ) فعلم أن مجرّد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمُسقط للقتال. فالقتال واجب حتى يكون الدين كلّه لله وحتى لا تكون فتنة. فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب ) [12].

والذين يَرون عدم الخروج على الأنظمة الحاكمة اليوم يستدلون خطأ ببعض الأحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فمثلاً هناك حديث يقول: ( من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية ) [13].

هذا الحديث يطرح أمامنا عدة أسئلة:

1) من هو الأمير المقصود في هذا الحديث؟
2) ما هي نوعية الكره؟
3) ما هي حدود الصبر؟
4) وأي جماعة تلك المقصودة في الحديث؟
5) أهي الجماعة الكبرى أم الصغرى؟

من البديهي أن الأمير الذي ذكره الحديث هو الأمير المسلم، فهذا هو المعنى الذي يتماشى مع طبيعة الشرع، فمن ثم يجب على المسلم أن يطيعه لأنه - أي الأمير - متقيّد بالشرع خاضع لأمره، لكن قد يرى المسلم منه ما يكره؛ أي بعض السلوكيات الخاطئة من قبل الأمير كحال الأمراء الأمويين والعباسيين... لكن ليس هذا مبرراً شرعياً للخروج عليه، ومن هنا فإن الصبر المَعنيّ بالحديث هو الوسيلة لمحاصرة هذا الكره الذي ذكرنا مواصفاته... الكره الذي لا تتجاوز حدوده الفرد إلى حدود الجماعة. وعلى ضوء هذا الفهم يتبين لنا خطأ الذين يُحاولون تطبيق هذا الحديث اليوم على الأنظمة التي تجثم فوق صدور المسلمين.

والذين يَرون عدم الخروج على الأنظمة الحاكمة اليوم يستدلّون بحديث لست مُطمئناً لصحته يقول: ( شرارُ أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قلنا: يا رسول الله أفلا نُنابذهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة ).

وحتى لو كان الحديث صحيحاً [14] فلا نفهمه بالصورة التي يُحاولون من خلالها عرضه... يقولون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أقاموا الصلاة ) ويعتقدون أن المقصود هو أنه مادام الحاكم يُصلي ولا يمنع الناس من الصلاة فلا يجوز الخروج عليه، وهذا فهمٌ قاصرٌ وغير صحيح ولا يلتقي مع أقوال جمهور العلماء وبالأخص ابن تيمية في أقواله التي دوّناها في الصفحات السابقة؛ فالتتار كانوا يُقيمون الصلاة بل منهم من كان فقيهاً مُتعبداً ومع ذلك جعل قِتالهم واجباً لإيمانهم بالياسق [15].

والمقصود بالمنابَذة - التي ورد ذكرها في الحديث - هو نقض البيعة التي أعطاها الناس لهؤلاء الحكام والخروج عليهم. يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وإمَّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء} أي أعلمهم بنقض العهد الذي بينك وبينهم.

وفي الحديث إشارة واضحة إلى أن هناك بيعة أُعطيت لهؤلاء الأمراء كي يقوموا بأمر المسلمين حسب كتاب الله وسنة رسوله، فالبيعة - ويجب أن تكون عن رضا واختيار لا عن إكراه وإجبار - هي الوسيلة الشرعية في الإسلام لتولي السلطة السياسية، وما دامت هناك بيعة بين الحاكم والمحكوم فمعنى ذلك أن الحاكم يجب أن يُطاع؛ لأن البيعة إلزام للحاكم بالتقيّد بشرع الله وإلزام للمحكوم بطاعة هذا الحاكم في حدود هذا الشرع. ومن هنا فإن الأمراء الذين طلب الصحابة منابذتهم والخروج عليهم كانوا يحكمون بما أنزل الله لكن سلوكهم الشخصي لا يُرضي المحكومين وأفعالهم تُبيح لعنهم من قِبل الناس، ومن ثَمَّ هم يلعنون الناس كما يلعنونهم.

وعلى ضوء هذا الفهم يتبيّن لنا أن المقصود بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما أقاموا الصلاة) ليس هو مجرّد إقامة الصلاة في حد ذاتها، وإنما لأن الواجب على الأمير المسلم أن يُقيم في الناس الصلاة ويخطب فيهم الجمعة، هذا العمل صورة من صور الممارسة الشرعية لمسؤولياته في الإسلام ومادام يقوم بهذا العمل... وهذا يعني أيضاً تقيّده وإلتزامه بشرع الله... لأجل ذلك لا تجوز منابذته، وليس المقصود - كما يفهم البعض - أنه مادام الحاكم يُصلي ولا يمنع الناس من الصلاة فلا يجوز الخروج عليه وإن لم يكن يلتزم شرع الله، فهذا الفهم يُخالف مخالفة صريحة ما كان عليه الصحابة وأجمعوا عليه وكذلك ما أجمع عليه الفقهاء.

وهل يُعقل أن يكون المقصود بالحديث هو الحاكم الذي يُقيم الصلاة فقط دون بقيّة أحكام الشرع؟! إن محاولة تطبيق هذا الحديث على حكّام اليوم هي محاولة لدعم الباطل على حساب الإسلام، فحكّام اليوم وأنظمة هذا العالم المترامي المسمّى مجازاً بالإسلامي لم يصلوا إلى الحكم بالطريق الشرعي (البيعة)، بل فرضوا أنفسهم على المسلمين بقوة الحديد والمال ودعم القوى الكافرة المتربّصة بالإسلام ودُعاته الحقيقيين، ومن هنا ينقطع الطريق أمام دعاة الضلالة الذين يحاولون ترقيع الجاهلية بأحكام الإسلام وإلباس هذه الأنظمة الكافرة ثوب الإمامة العادلة!!.

لقد استحلت هذه الأنظمة ما حرّم الله في كلّ قرار تصدره وكلّ خطوة تخطوها، فهي - كما نلاحظ - لا تقوم على بيعة وقد عطلّت حق الأمة في الشورى ومراقبة الحاكم وتسديده وترشيده وعزله، وأخذت تتوسع في إباحة المحظورات الشرعية بل تيسّر السبل والوسائل كي تنتشر هذه المحظورات وتسود الواقع، والاستحلال كفر بإجماع الأمة لا يُخالف في ذلك أحد وبالإضافة إلى ذلك استباحت دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، فهل هناك براهين على الكفر الصريح أكثر من ذلك.

إن حكّام اليوم كفروا بما أنزل الله وأعرضوا عنه مهما لبسوا من أزياء الإسلام، وهم يُوالون أعداء الله وينصرونهم على جماهير الإسلام والمسلمين، وينشرون الفساد في الأرض، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط والعدل بين الناس... والجماهير - لَهْفِي عليها - استسلمت لهذه الأوضاع المنحرفة ودانت لها حتى صبغت تصوراتها وسلوكها وأخلاقها بصبغة الكفر، فأصبحت تُوالي الحكام وتهتف لهم وتتقرب منهم وتنصرهم وتدعمهم على حساب الإسلام، وهي أولاً وآخراً لا تدري ماذا يُراد بها؟ وأصبحت لا تحمل من الإسلام سوى اسمه.

فهل هناك كفرٌ أكثر بواحاً من هذا؟.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] رواه الحاكم والطبراني وهو حديث صحيح.
[2] رواه الطبراني في الكبير وهو حديث صحيح.
[3] رواه ابن ماجة وسنده صحيح، وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وأحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الصغير، والخطيب في تاريخ بغداد.
[4] رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الزهد الكبير وهو حديث صحيح.
[5] تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/225.
[6] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 28/502،503.
[7] رواه مسلم.
[8] نقلاً عن الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم 1/206-207 .
[9] رواه مسلم.
[10] رواه مسلم.
[11] مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 28/503 .
[12] المصدر السابق 28/502-503 .
[13] رواه البخاري ومسلم وغيرهما من رواية ابن عباس رضي الله عنه.
[14] قلت (أي الناشر): الحديث صحيح أخرجه مسلم 6/24، والدارمي 2/324، وأحمد 6/24-28. من حديث عوف بن مالك.
(خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويُصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويُبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله أفلا نُنابذهم بالسيف؟ فقال: لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من وُلاتكم شيئاً تكرهونه، فأكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة).
[15] عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها "جنكز خان" عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملّة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه... كما يصنع الحكام المرتدين في عصرنا هذا.