عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 08-10-2003, 10:23 PM
سلمان الشيخ سلمان الشيخ غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
الإقامة: بلادُ العُرب
المشاركات: 834
إفتراضي إسمحولى إخوانى أن أشارككم الراي

الثقافة الطائفية.. الخطر الأكبر الذي يتهدد الأوطان



لم يكن ثمة فضاء للتعبير عن الذات، بكل حمولتها الثقافية، النافية أو الجامعة أو المتوقفة.. كما يفعل اليوم فضاء الانترنت اليوم.. حيث لا ثمة صوت يعلو فوق صوت ضمير الذات المتجردة من الخوف أو العقل او اي نوع من الضوابط، سوى ما تمليه خلفية ثقافية وتربوية هي التي في الحقيقة تسطر عناوين مرحلة التوقف أو الاستشكال أو التبعية أو الوفاء لجملة وظائف ثقافية ترى في نفسها حارسة للقيم أو الحقيقة المجروحة بكل أشكال البغي او التجاوز أو الجنوح.
لا أكتمكم أصاب بالحيرة او احيانا بالقرف والألم من هذا الحجم اليومي والمتواصل الذي يضخ في ثقافة الطائفة حيث ثمة مشاركون لا يرون سواها، ولا يدور تفكيرهم سوى على مدارجها.. وليس لهم من وظيفة سوى الوقوف على محدداتها.. وبين الحقيقة المنشودة، وهذا الضخ المتواصل لثقافة الكراهية للذات الواحدة المختلفة طائفيا او مذهبيا او عرقيا.. ثمة استشكالات كبرى لن يُغني تجاهلها، او غض الطرف عنها او التهوين من آثارها.. سوى اننا سنظل مشدودين لنوع من التحزب الكريه والانكفاء الجارح، والتوقف عن محاولة بناء نموذج اكثر تقدماً واكثر التماسا لوجه الانسان، وسط طوفان الأسئلة التي لا ترى من وجه هذا الانسان سوى علاقته بالطائفة وجذورها وثقافتها وارتباطاتها.. حتى لو ورثها ابا عن جد.. وحتى لو كانت قدرا مقدورا.. وحتى لو كان انتسابا تاريخيا محسوما.. ليس لانسان اليوم من خيار فيه سوى انه وجد نفسه وسط بيئته وتشرب من ثقافته.. ورضع من ثدي امه عناوينه.. ناهيك أن يكون ثمرة انضاج تربوي وثقافي لعبت الثقافة الموجهة الدور الأخطر والأكبر تأثيرا..
هذا الحشد المتواصل، لفكر الطائفة النافية، والمتبرعة لمواجهة خصومها من الطوائف الأخرى.. مهمابدت المشتركات الكبرى، ومهما بدت مصلحة الاوطان تقتضي الحفاظ على نسيج الوحدة الوطنية، وعدم اثخانها بالمزيد من جراح الطائفة.. هذا الحشد اليومي المتواصل الذي يبث سمومه بين قراء هذا الفضاء.. ليس له سوى تعبير واحد.. ان ثمة خلل كبير في صناعة العقل المسلم.. والعقل القارئ للتاريخ أو المتطلع لمجتمع اكثر عدالة وانسانية..
قلب نظرك ما شئت بين تلك المواقع الانترنيتية التي تدعي حوارية.. وهي ليست أكثر من مخابر تصب زيت الفتنة على رؤوس القراء، واذكاء مشاعل الفرقة بين ابناء الوطن الواحد.. لن تصل في الأخير سوى لنتيجة واحدة ان ثمة خلل كبير في الرؤية وخلل كبير في فهم الواقع.. واستهتار أكبر بمصير ومستقبل وطن بحاجة الى الوحدة واللحمة الداخلية ما يغنيه عن كشف الغطاء عنها بمثل هذه المقولات المستهلكة والمنبعثة من اضبارات التاريخ أو المتوجسة شرا وخيفة بكل مختلف او طائفي او مذهبي.. فقط لأنه اخطاره المتخيلة ليس ثمة اخطار توازيها وان مقارعته هي من باب التقرب الى الخالق والتي لا تعد لها قربة.
ماذا يريد هؤلاء، هل يريدون دولة مذهبية صافية، لهم وحدهم، هل يريدون نسيج وطن بلون واحد ورؤية واحدة وعقل واحد وفكر واحد.. عنوانه الكبير المذهب وعلاقاته تحددها لون الطائفة والتباساتها المقموعة.. ثمة خلل كبير في عقل لا يريد الاعتراف بالآخر، فقط لأنه الآخر مذهبيا او طائفيا.. بغض النظر عن المشتركات الكبرى وبغض النظر عن مستقبل وطن تتنازعه قوى ومصالح دولية.. لا يمكن ان تنفذ الى نسيج الوطن الا من خلال اللعب على حبال الاقليات ومصالحها وحقوقها التي يساهم هؤلاء من حيث يعلمون او لا يعلمون في اذكاء فتيلها وتقديم الفرصة السانحة لبناء جبل من المتناقضات بين أبناء الوطن الواحد على جسر الاختلاف المذهبي والطائفي.. تحت عناوين حماية الأقليات او تمكينها من حقوقها..
اذا كان مثل هذا العقل يفكر بهذه الطريقة لما سواه، المتوجسة دوما خيفة من كل اختلاف مذهبي، البعيدة كل البعد عن اكتشاف ان ثمة علاقات وجسور ومستقبل هو الأولى ببحثه وتمتين دعائمه.. اذا كان هؤلاء بلا عقل سياسي يدرك كيف تصنع الازمات في نسيج الوطن.. وكيف يمكن للقوى الخارجية الضاغطة من تنفيذ مآربها.. فليس ثمة سوى نتيجة واحدة ان هؤلاء يعيشون في عصر مختلف.. وليس لهم لتحقيق اهدافهم سوى أن يبيدوا الطائفة أو الأقلية عن بكرة ابيها، ليصفى لهم الجو النقي الذي ليس سوى عنوان واحد.. القمع والتغييب والحرمان من حق التعبير عن الذات مهما بدا ان هذا التعبير هو نتيجة سابقة لوجود الموجود.. ومهما بدا ان هذا قدر تخطه اصابع التاريخ بلا توقف وتراكم معطياته بلا انتظار.. وهو نتيجة سابقة لوجودهم هم ايضا.. ولن يكفي ان يغرف هؤلاء من ادانات الأولين او التباكي على حال الآخرين من بني جلدتهم ليذكوا فتيل ازمة الطائفة وينحروا بقية من عناوين المرحلة التي تتطلب التحشيد وتمتين الجبهة الداخلية والبحث العميق عن المشتركات الوطنية والانسانية.. والجهاد من أجل تمكين الانسان من حقوقه والاعتراف بحقه في حياة اكثر عدلا وانصافا.
اذا كان هؤلاء يعيشون في قمامم التاريخ الذي تبعثه اناملهم من سباته.. فهم ليسوا سوى معاول تكريس اوضاع بالغة الخطورة.. وتقوقع على الذات التي مهما بدى انها تشعر القوة والتمكين.. الا انها في مرحلة ما ستواجه قوى كامنة ومضادة في الطائفة الأخرى تتحين هي ايضا نفس الفرصة.. وتبني على نفس الشعارات وتتذرع بحقوق الأقليات، وتعيد ادانة المشهد الثقافي وفق صيغة القصد منها اذكاء الجراح، ومواصلة صب زيت نار الفتنة واحراق بقية الجسور التي تصل الطوائف والمذاهب والأقليات.
ثمة حالة تستدعي التوقف عندها هذه الايام، طرفاها المشهد السياسي والثقافي العراقي والآخر مراقبين طائفيين عن بعد، لا تعنيهم قضايا الوطن ولا التباسات السياسة ولا علاقات القوى الدولية.. قدر ما يعنيهم الوفاء لمناهجهم التي تركز فقط على عقدة الاختلاف المذهبي، وتحشد كل العناوين المفتعلة او تلك التي تحتمل بعض الحقيقة فقط من أجل اذكاء شعور عام بادانة الطائفة ووضعها تحت المجهر.. وقد يصل الامر الى حد الاتهام المباشر بالتخوين والتآمر على مستقبل أمة والتعاون مع اعدائها.
في الحالة العراقية، ليس ثمة خطاب طائفي بالمفهوم الذي يقوم على الفرز والاقصاء.. على الأقل في مستوى معالجة الازمة أو الحالة العراقية الغارقة في مستنقع الاحتلال.. الخطاب العراقي السياسي والثقافي، هاهو يتجاوز اشكالات الطوائف والاعراق وان بدى ان ثمة مخاوف مشروعة وغير مشروعة تنطلق على استحياء هنا وهناك.. الا ان هذا المشهد لم يدفع البعض - من خارج العراق - ممن غرقوا في الثقافة الطائفية او المذهبية وأصبحوا ينظرون من خلال ثقوبها الى كامل المشهد السياسي الى اعادة النظر في قدراتهم التحليلية.. الناظر في جملة ما يطرح من آراء وانتقادات من قبل المخلصين لمناهجهم الاقصائية خارج العراق، سواء تلك المصبوغة بريح الطائفة او تلك التي تميل للطروحات القومية الفاشستية سيكتشف حتما ان ثمة اذكاء من خارج العراق للفتيل الطائفي.. وتركيز شبه متعمد على التنوع المذهبي وعلاقته بمجهود المقاومة، التركيز على المثلث (السني) بهذا التعبير اليومي، وادانة الآخر الذي تضعف فيه خيوط المقاومة للاحتلال بالوسائل المسلحة.. يجعل من المسألة حقيقة فرز طائفي بامتياز.. مع ما يحمله هذا الفرز من دلالات الادانة او التشكيك بالوطنية او حتى التعاون مع المحتل بشكل او بآخر.
ليست وظيفة هذه المقالة تسليط الضوء على أساليب المقاومة بأشكالها المختلفة، وليست وظيفتها ادانة او امتداح صيغة دون أخرى، لكن تبسيط المسألة الى حدود الفرز التآمري على التنظيمات او التقسيمات الطائفية والمذهبية والقومية في العراق، فقط وفق صيغة المقاومة المسلحة لا يقدم صورة حقيقية عن الواقع العراقي المشتعل بكل اشكال المقاومة.
هذا الانسياق خلف تلك الطروحات حد ادانة الآخر، والترويج لمفهوم المقاومة المسلحة التي تحظى بالامتياز (السني) حسب تعبير مروجيها، وادانة كل الاشكال الأخرى التي لا ترى ان الوقت ملائم لاشعال جبهات أخرى.. او انها ترى أن من المصلحة ابتداع اساليب اخرى للجم الاحتلال، وانهاء اثاره مع الاحتفاط بعراق معافى وقابل للحياة.. وتحتل فيه تلك التقسيمات حقها الطبيعي والمشروع في ادارة العراق.. هذا الحشد اليومي من صنوف الادانة ليس له سوى عنوان واحد.. اولها الارتماء في احضان التفسير الطائفي حد الارتماء في وحل المؤامرة التي تشعلها عقول تدين بهذا التفسير ولا تحسن قراءة المشهد السياسي، لأنها في الحقيقة بلا وعي سياسي يتجاوز عقدة المذهب أو الطائفة او النزعة التآمرية.
رسالة السيد ليث شبيلات للسيد نصر الله الأمين العام لحزب الله التي دان فيها الموقف الشيعي العراقي من الاحتلال تفسر هذه القراءة المبتسرة في جانب اما الحشد اليومي تجد الانتماء الطائفي من تخوين وتجريح وتشنيع وبذاءات لقيم الحوار، فهو جزء من وعي ثقافي ضار تشكل عبر مرحلة سابقة.. تفجر مع احداث العراق ومع التمنيات الوطنية باجواء حوار بين مختلف الفعاليات الوطنية.
السؤال المهم، كيف يمكن مواجهة هذه الثقافة الضارة، التي ليس المسؤول عنها حتما نظام التعليم الرسمي، وان كان مقصرا في تعزيز الوحدة الوطنية.. من قبول المختلف، واحترام الرأي الآخر، واشاعة التسامح بين الطوائف والمذاهب.. وتعميق قيم الحوار والدعوة اليه واعتباره قيمة اساسية من قيم الثقافة الوطنية.
ولا يمكن ان يكون الاعلام الحكومي او الذي يحظى بدعم رسمي هو المسؤول عن هذه الثقافة.. وان كان مقصرا في مناقشة ابعاها ويميل للصمت وتجاهل هذه الاشكال والتحرج الكبير من مقاربته.. ربما كان المتهم الاول في تعزيز هذا الحضور المذهبي الرافض للآخر، هي تلك القنوات غير الرسمية، والمجهودات التثقيفية الشعبية.. التي استلمت عقول اجيال واعادة صياغتها في مرحلة ما وفق رؤية اقصائية، واعتزالية، وضمن دعم مرحلي وسياسي غض الطرف عن تلك الادبيات المنتشرة والمباغتة لتلك الأجواء الثقافية.
اليوم نحن مطالبون باعادة بناء ثقافة وطنية على نسق مختلف تعزز قيم التسامح، والحوار وعدم الولوغ في شرك الخديعة من أجل معاداة الآخر وتخوينه وعزله ونفيه.. اليوم ثمة حاجة اكيدة لبناء ثقافة وطنية تركز على حق الانسان في التعبير عن ذاته وفق مصالح الوطن العليا التي تحفظ نسيجه وتعزز قيم الوحدة الوطنية0
ودمتم فى عناية الله 0

أخوكم
سلمان الشيخ

* * *
__________________