عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 05-12-2004, 05:25 PM
غــيــث غــيــث غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
الإقامة: الخيمة العربية
المشاركات: 5,289
إفتراضي أخي عبود: موضوع له مساس بما ذكرت..

الدبلوماسية فنٌّ لا يتقنه العرب.!
التاريخ: الثلاثاء 2004/11/16 م


هل تفتقد الدبلوماسية العربية إلى مهارة المحاورة، وإدارة الصراع مع الخصوم بقدرات هائلة، تماماً كما تعتمدها الدول الأكثر مراساً في مخاطبة الآخر بالحيل السياسية، والقانونية وإعطاء المفاهيم تفاسير مفتوحة، قابلة للصياغة على عدة وجوه؟.
نعرف أن دولة بحجم أمريكا ذهبت للصين بعقلية أشهر دبلوماسي في تاريخها، وكان كيسنجر الذي مثل تلك المرحلة، لم يذهب بشجاعته، أو نفوذ دولته، وإنما بأسلحته الدبلوماسية، لكنه واجه خصماً من مدرسة مختلفة، إذ كان "شوإن لاي" وهو ابن السبعين آنذاك أكثر قدرة على المناورة، وإطالة المباحثات كأحد فنون الدبلوماسية الصينية، ومع ذلك كان تقاسم القناعات، والتوقيع على بروتوكول أولي، مهمة صعبة لكيسنجر، ولكنها فتحت الباب لزيارة الرئيس الأمريكي نيكسون، ومن ثم للعلاقات الدافئة..
كذلك الأمر في مباحثات الفيتناميين مع كينسجر نفسه الذي اختزل الموقف بالتوقيع بلا شروط على الهزيمة وخروج قوات بلده العسكرية، وفي الحالتين هناك تقدم، وتأخر، لأن المواقف اختارت هذه اللحظات، ولا تقبل المزيد من النكسات الدبلوماسية..
أيضاً نتذكر خديعة بريطانيا، بعد حرب 1967م حين صاغ اللورد كرادون مشروع قرار مجلس الأمن رقم (242) وتورط العرب بتفسير (أراض)، أو(الأراضي) بعد مهر توقيعهم على القرار، وكانت هزيمة دبلوماسية مثل الهزيمة العسكرية، ولعلنا نتذكر كيف كان الرئيس المرحوم حافظ الأسد دبلوماسياً كبيراً أخذ بمنهجية المدرسة السياسية الصينية التي تقول: "كلما طالت ساعات النقاش، تشتت فكر المحاور الخصم" ومع أن الوفد الأمريكي جاء متسلحاً بتحليل شامل لشخصية الأسد، ثقافته، وسكيولوجيته، وقدراته الخاصة، وحتى حالته الصحية، ومع ذلك خرج متعادلاً بالنقاط، ودون أن يخسر أي شيء، حتى إن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك أطلق على تلك الحوارات الساخنة بـ "دبلوماسية المثانة" من كثرة الذهاب للحمام، لكن إذا اعترفنا أننا نفتقد جانباً كبيراً من فن الحوار، وإدارته، والاعتماد على الابتسامات التي غالباً ما تنجذب إليها العاطفة العربية، معتبرة هذا الفتح علاقة شخصية جديدة، بينما هي جزء من اللعبة، فإن مصدر الثقة هذا، هو الذي فسر عملية السلام مع إسرائيل بأن 99% في يد الأمريكيين، لنكتشف أن الواحد في المائة، هو الذي انتصر، لأن قراءة المفاوضين كانت تعتمد على القلة من الاختصاصيين الذين لا يملكون مهارات كبيرة، وهذا العجز لا يفسر بضعف المختصين، وإنما بسبب الاعتماد على القيادات التي هي من تختار وترشح، وتفوّض بالتوقيع، أو الاقتناع، ليتحول الانتصار إلى خديعة سياسية وهزيمة دبلوماسية..
أكثر الأسباب فشلاً أن المفاوض العربي ليست لديه المعلومة كسلاح، ولا الإدراك الواسع والتحليل الدقيق للخصم، وهذا الاجتهاد، أدخلنا في ورطات طويلة حتى إن قضايانا التي خسرناها جاءت بجهل منا، وهذه الكوارث خلقت لنا أكبر رصيد في مجلس الأمن وملفات الأمم المتحدة كأكثر الشاكين، والباكين على أطلال دبلوماسيتهم الخاسرة..

جريدة الرياض
__________________