عرض مشاركة مفردة
  #27  
قديم 10-10-2005, 04:51 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

ملامح العشائرية لا زالت ترفرف في سماءنا :


1


كان العرب قبل الاسلام يعتمدون نظام العشيرة لأغراض متعددة ، فكان شيخ العشيرة يقوم بأدوار متعددة ، فهو مسؤول الأمن وهو مسؤول الاقتصاد وهو مسؤول القضاء ، وهو مسؤول الثقافة وهو مسؤول التخطيط .. وبقدر ما كانت تلك الأدوار تتم على أحسن صورة ، بقدر ما كان الاسم يتغير ، فيرتقي أحيانا الى زعيم و أحيانا الى أمير وأحيانا الى سلطان وملك ..

كانت المسألة الأمنية باستمرار تأخذ مكانة متقدمة في تفكير الزعيم القبلي ، وهي بالتأكيد ترتبط باقتصاد القبيلة ، الذي يرتبط بالحياة الرعوية ، فاعتداءات المعتدين كانت لطرد أفراد قبيلة من مرعى خصب ، أو إبعادهم عن مصدر ماء وأحيانا يسلبون مواشي القبيلة التي تتعرض للغزو ..

كان شح الماء هو السر وراء تنقل العرب حتى وصلوا الى نهر السنغال في غرب أفريقيا .. وكان شح الماء وراء تشرذم القبائل .. فلا توجد في جزيرة العرب مصادر مياه تتجمع عليها حواضر ذات سكان كثر ، بل كان ذلك في بعض مناطق بلاد الشام ، والعراق .. ولما كانت الهجرات بسبب الماء ، فلم يتجمع المهاجرون بشكل موجات تنفي ما قبلها ، بل تتعايش معها على حذر ..

من هنا فان القبائل التي كانت تستطيع الدفاع عن نفسها دون مساعدة غيرها من القبائل كانت ثلاثة : عبس و ذبيان و ضمرة .. وكان يطلق على القبيلة التي تستطيع تأمين أربعمائة مقاتل للدفاع عن نفسها ، اسم (جمرة) .. ولم يذكر عند عرب الحجاز سوى الثلاث جمرات السابقة ..

وعندما كان يحدث أن تتعرض منطقة لغزو قبائل ، في سنين القحط ، فان أحلافا تتأسس من عدة قبائل ، وتتخذ لنفسها (طوطما ) من قماش أو خشب ، يكون هو ( صايتها ) فطوطم الثور ، تكون القبائل المتحالفة تحته ، تسمى بني ثور ، وطوطم الأسد بني أسد و الثعلب ، و اسماء الطواطم دائما تأخذ أسماء حيوانات ..
2

في العصر الحديث حلت الدولة محل العشيرة و شيخها ، فهي التي تؤمن الحماية وهي التي تستورد وتنتج مؤن المواطنين ، وهي التي تعطيهم المعلومات من خلال مناهج تربية وتعليم مركزية ، وهي التي تعين القضاة ليفصلوا بين الناس عندما يختصمون ..

لكن تظهر ملامح العشائرية في كثير من النواحي :
1 ـ استخدام النسيج العشائري ، للتفضيل الانتخابي ، وهما أمران لا يستقيمان. فالتفاضل في مرحلة الترشيح سيكون متأثرا بقرب المرشح أو بعده عن من سيقرر من سيكون المرشح ، وفي الاقتراع سيكون أبناء العشائر في كثير من البلاد العربية ، متأثرين ومحكومين بعلاقة القربى بين الناخب والمرشح .

2 ـ التستر على هفوات أبناء الأقارب ..داخل أجهزة حكومات كثير من البلدان العربية ..

3 ـ ترقية أبناء قبيلة دون غيرهم ، لضمان كسب ولاء تلك القبيلة .. وهناك بعض الدول العربية من تفصل وزارات و دوائر على ضوء أبناء العشائر .. فترى مثلا يقال أننا لم نأخذ الاعتبار في تشكيل الوزارة العشيرة الفلانية ، فليعطوا وزارة الزراعة ، ولم نرضي العشيرة الفلانية ، فلنعطيهم الملحق التجاري في الدانمارك و محافظ كذا ..
باختصار توضع الدائرة المناسبة للعشيرة المناسبة ، وليس ينتدب للوزارة أو الدائرة الفلانية من يحل مشاكلها من رجال !!

4 ـ يتستر رجال الفكر والسياسة على اعتمادهم المستتر على قبائلهم وعشائرهم ، ففي حين يكون حديثهم للصحف والإعلام و في المجالس ينادي بحياة راقية متقدمة تسودها قيم الدين والعدل والخلق .. يكونون مدركين تماما أن الالتصاق بالقبيلة أو العشيرة هو السند الأكثر ثباتا ..

وبالرغم أن بعض الدول العربية ، قد تدربت على تغيير هذه الرؤية من سلوكها كمصر مثلا ، وهذا ما يفسر اصرار الثعالبي في كتاباته على استخدام تعبير مصر و الأمة العربية ، مصر والبلاد العربية .. فقد يكون محمد علي باشا ومن قبله المماليك لفترات طويلة لم يعتمدوا أساس العشيرة للولاء للدولة ، مما نقل المصريين نحو التمدن بالحياة السياسية قبل غيرهم من أخوتهم العرب .

لقد كان لقصر فترات الحكم الحديثة نوعا في معظم البلدان العربية ، هو ما جعل حكام البلاد العربية يلجئون للتمركز في قلب الحماية العشائرية و اللعب على مناغاتها . وان كان هناك مبرر لذلك ممكن أن يعطى لهؤلاء الحكام ، فهو مبرر الهواجس الأمنية لدى الفئات الحاكمة في البلاد العربية ، والتي تتوجس خيفة من كل من حولها ، فتضطر الى الانكفاء وراء معادلات عشائرية لضمان أمن الحكم .. ويترك أهم المراكز الأمنية و أكثرها حساسية ، ليتولاه أكثر الناس قربا و ثقة من رأس الحكم ..

ان ضمان الأمن البديل عن ذلك الأسلوب الذي لا يخلو من إثارة الضغائن والحسد و تنمية روح التآمر والانقضاض على الحكم اذا ما واتت الفرص لذلك . ان الأسلوب الأمثل هو ترسيخ وسائل تناقل السلطة بطرق أكثر وضوحا وعدلا ، ولما كانت الظروف الداخلية والخارجية ، لا تسمح بنمو الأجواء التي يتم فيها ترسيخ تلك الوسائل ، فستبقى العشائرية ترفرف في سماء أمتنا وتبقى المخاطر والمثالب تأتي كنتائج طبيعية لها ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس