عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 23-09-2002, 03:18 AM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي

سابعاً:المفاهيم المقاصدية النظرية في كتاب الدكتور يوسف القرضاوي"مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية":
في حدود علمنا لم يخصص الدكتور يوسف القرضاوي كتاباً نظرياً خاصاً بالمقاصد ولكنه من أكثر الفقهاء المعاصرين تركيزاً على أهمية الفهم المقاصدي للفقيه بل للمسلمين جميعاً وسنرى إن شاء الله أمثلة كافية في الفقرات التالية من هذا البحث على استخدام الأستاذ القرضاوي للمنهج المقاصدي في فهم الأحكام وفي استنباطها والملاحظات المقاصدية منبثة في كتبه وفي أحاديثه التلفزيونية وقد أخبرنا في برنامج"الشريعة والحياة"أن له ملاحظات على كتابي الشاطبي وابن عاشور لم ينشرها بعد فعسى أن يفعل هذا قريباً.
وفي هذه الفقرة سنلقي بعض الضوء على بعض الملاحظات النظرية للقرضاوي في موضوع المقاصد في كتابه النظري الممتع"مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية".
وسنقتصر هنا،وبسبب تقيدنا بحجم محدد للبحث، على الباب المخصص لهذا الموضوع في الكتاب علماً أن الملاحظات وثيقة الصلة بموضوعنا موجودة في أماكن أخرى من الكتاب أيضاً،بل هي منبثة في كل كتب الأستاذ القرضاوي وأحاديثه في وسائل الإعلام وإنه لمما يؤسفنا أن يضطرنا حجم البحث لإغفال رؤى الأستاذ القرضاوي المقاصدية الفذة في ميادين ذات أهمية واقعية قصوى مثل ميادين السياسة الشرعية، وفقه الدعوة ،والنظر المقاصدي الذي يصحح به الأستاذ القرضاوي للمسلمين ،ولاسيما للشباب منهم، مفاهيمهم الضيقة عن الشريعة والمجتمع والسياسة.
يقول الأستاذ القرضاوي في باب "المقاصد العامة للشريعة": "ومن استقرأ أحكام هذه الشريعة المحمدية وتأمل ما عللت به في القرآن والسنة، تبين له أنها قصدت إلى إقامة مصلحة الخلق في كل ما شرعته، حتى العبادات نفسها روعيت فيها مصلحة المكلفين إذ الله تعالى غني عن عبادة خلقه لا تنفعه طاعتهم وشكرهم، ولا تضيره معصيتهم وكفرهم، وإنما يعود ذلك إليهم أنفسهم: "ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم" .
ويذكر الدكتور القرضاوي ما اتفق عليه الأصوليون من تقسيم المصالح إلى ضرورية وحاجية وتحسينية ثم يضيف إلى ذلك ملاحظة هامة عن المصلحة التي يقصد الشرع إلى إقامتها وحفظها فهي ليست المصلحة الدنيوية فحسب ولا المادية فقط ولا الفردية وحدها ولا مصلحة الجماعة ولا المصلحة الإقليمية العنصرية ولا المصلحة الآنية للجيل الحاضر وحده "إنما المصلحة التي قامت عليها الشريعة في كلياتها وجزئياتها، ورعتها في عامة أحكامها، هي المصلحة التي تسع الدنيا والآخرة وتشمل المادة والروح، وتوازن بين الفرد والمجتمع وبين الطبقة والأمة، وبين المصلحة القومية الخاصة والمصلحة الإنسانية العامة، وبين مصلحة الجيل الحاضر و مصلحة الأجيال المستقبلة" .
وهو يقول إن رعاية هذه المصلحة الشاملة التي توفق بين كل المصالح الجزئية المكونة لها يعجز عنها البشر لا يقدر على تعينها وحمايتها إلا الله عز وجل. ويذكر المؤلف بعد ذلك أن رعاية المصالح تستلزم درء المفاسد وفي الحالة التي تتعارض فيها المصالح فيما بينها أو تتعارض المصالح والمفاسد يسلك الشرع سبيل التوفيق فإن لم يمكن ذلك قدمت المصالح الضرورية على الأقل منها ضرورة وإن تعارضت المفاسد ارتكب أخفها تفادياً للأشد وإذا تعارض ضرر الفرد والمجتمع قدم اعتبار المجتمع .
ثم يلاحظ أنه قد يفهم من كلام الأصوليين أن انتباههم موجه إلى الإنسان الفرد ولم ينتبهوا بقدر كافي إلى المجتمع والأمة فيقول: "لا بد أن نؤكد أن شريعة الإسلام تهتم بالمجتمع كما تهتم بالفرد وهي تقيم توازناً بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية في غير طغيان ولا إخسار" .
ويضيف إلى هذا إضافة مقاصدية هامة لا نجدها في كتب الأصوليين القدامى فيقول إن الشريعة الإسلامية تقيم اعتباراً للقيم الاجتماعية العليا وتعتبرها من مقاصدها الأساسية كما دلت على ذلك النصوص المتواترة. ومن هذه القيم العدل والإخاء والتكافل والحرية والكرامة.
وأخيراً يتكلم عن ضرورة معرفة المقاصد لدارس الشريعة فينبه إلى أن الحكمة أو المقصد الشرعي قد يكون واضحاً جلياً وقد يدق ويخفى إلا على أهل البصيرة الراسخين في العلم الذين ينظرون إلى الأحكام نظرة شاملة مستوعبة، والجهل بمقصد الحكم قد يدفع بعض الناس إلى إنكاره. .