عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 07-12-2000, 07:26 PM
عمر مطر عمر مطر غير متصل
خرج ولم يعد
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2000
المشاركات: 2,620
Post هل توقف الإسلام بعد "خلاف الاستواء" ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أكاد أدخل منتدى للحوار، أو مسجدا، أو مدرسة، أو شارعا، أو أي مكان يجتمع فيه اثنان ممن عندهم الكثير أو القليل من الاطلاع على علوم الدين، أقول ما أكاد أفعل ذلك إلا وجدتهم يتحدثون عن موضوع الاستواء، وكأن الإسلام جاء إلى هذه فوقف ولم يستطع المضي بعدها.

وأعَلمُ -علم اليقين- أن لكل عصر أمور خلاف تشغله عما هو أهم، فكأني بكل الأعصر التي مضت، أرى الناس يجتمعون في كل الطرق والأزقة، يتباحثون عن هذه أو تلك من أمور الخلاف، وربما كان أول الخلافات التي تجمع عليها العامة، يتباحثون ولا يكادون يصلون إلى قرار، حيث قال من قال: "هل نكون مع علي أم مع معاوية؟" -رضي الله عنهما-، فلا يكادون يصلون إلى حل لخلافهم.

أتيت بالتشبيه لا لشيء إلا أنني أجد الناس في كل العصور أشد حرصا على أن يختلفوا منه على أن يتفقوا.

سيقول البعض: "ولكن مسألة الاستواء هي في العقيدة، ولا يحق لنا أن نسكت عنها"، واعلموا إخواني أنني مدرك لجميع هذه الأمور.

تعلمون أن الخلاف في هذه المسألة ليس وليد اليوم، ولكنه كان منذ زمن بعيد، وأن علماء الأمة الذين هم سند هذا الدين وثقاته، علموا بها واعتقدوا فيها أحد الوجهين.

أي وجهين أقصد؟
انتظروا دقيقة وستعلمون.

الخلاف -إخواني- يكمن في أننا ننظر إلى نفس المسألة من زاويتين مختلفتين. وقبل أن نبدأ في النظر في المسألة فعلينا أن نذكر أن الله (ليس كمثله شيء)، فأسألُ هنا من لا يؤمن بهذه الآية أن يخرج من هذا الحوار.

أجد أن الجميع لا يزالون في الحوار، مما يخبرني أنكم جميعا تؤمنون أن الله لا يشبه الخلق، بمعنى آخر، ليس بينكم (المشبهة) الذين يشبهون الله بالخلق.

حسنا، الآن من كان يقرأ صفات الله في القرآن فينكرها فأسأله أن يترك الحوار.

أجد أنكم لا تزالون في الحوار جميعا، إذن ليس فيكم من ينكر صفات الله ويعطلها؛ أي ليس فيكم "معطلون".

إذن أين يكمن الخلاف؟

هناك صفات لله وردت في القرآن، لو أننا أخذناها على معناها الحقيقي* لكان في ذلك تشبيه لله بخلقه -والعياذ بالله-، ومن هذه الصفات الاستواء، وليس في الطرفين من يقول أن الله يستوي أي يجلس وتستقر ويحل على عرشه -حاشا لله-، وإن كان من بيننا من يقول هذا، فالله حسبه، ولكن أهل السنة والجماعة لا يقولون إلا بالتنزيه، وليس في كلامي إلى الآن خلاف بين علماء الأشاعرة والسلفية -رحمهم الله-، ولذلك فإن الخلاف لا يعتبر عقديا كما قد يبدو للبعض.

السؤال مرة أخرى، أين الخلاف؟

نقول أن العلماء في تفسير هذه الآية (آية الاستواء)، وبعلمهم أن الله (ليس كمثله شيء)، ذهبوا في طريقين: فمنهم من قال أن آية الاستواء تؤول عن معناها الحقيقي*، فبدل أن تعني الاستقرار والحلول الذين نفهمه من كلمة استوى في اللغة، نأخذ المعنى المجازي، فقال البعض: استوى أي علا -علو عظمة ومكانة- وقال البعض أي أقبل، وكلاهما جائز في كلام العرب. يقول القرطبي: "فعلو الله تعالى وارتفاعه عبارة عن علو مجده وصفاته وملكوته. أي ليس فوقه فيما يجب له من معاني الجلال أحد"، واعلم أن من قال بالتأويل لا ينكر الصفة كما يدعي البعض، أما القسم الآخر من العلماء، فقالوا أننا نقرّ الاستواء ونؤمن به ولا نسأل عن الكيف، لأن الكيف لا يجوز بحق الله.

الآن -أخي العزيز- ألا يتبين لك أن علماء المسلمين اتفقوا على الاستواء من حيث عدم التعطيل وعدم التشبيه؟ فإن كان الأمر كذلك فلك أن تتبع هذا الرأي أو ذاك، دون أن تعتقد أن من خالفك الرأي في هذه قد كفر أما التجسيم فهو كفر.

ولا بد أن نذكر هنا أن البعض لديه غلو في رأيه، فخرج بذلك عن أهل السنة والجماعة، ومنهم من يفرط في التأويل؛ كما فعل المعتزلة إذ قالوا: "إن (استوى) في الآية بمعنى استولى" بمعنى المضادة والمقاومة وهذا لا يصح بل محال فإن الله هو القاهر من الأزل بدون مدافعة، ومن أصحاب الرأي الآخر من تشدد في إقرار صفات الله -تعالى- حتى أنه يقول: "أن الله يستوي على عرشه كما أجلس على كرسيي هذا"، وهذا أيضا لا يجوز في حق الله -تعالى-، وهكذا -إخواني- تعلمون أننا أمة وسط، لا غلو في آرائنا.

الآن بعد أن قلنا ما قلنا، أحب أن أنوه إلى أن البعض ينزه الله تعالى - وهذا حق -، ومع تنزيهه لله ينزه علماء مذهبه فلا يقر بأنهم بشر يخطئون، ولا يسمح للغير أن يتكلم في شيخه، وكأن العالم لا يخطئ، ومنهم من يتتبع أخطاء العلماء ويكتب المقالة تلو المقالة في أخطائهم، ولا يكون من الإنصاف في شيء إذ لا يذكر ما فعله ذلك العالم من خير، فأسأل الله أن لا يكون من هؤلاء بيننا، وإن وجدوا فأسأل الله لهم الهداية.

وفي النهاية، فقد استخدمت عبارة (المعنى الحقيقي) أعلاه وأشرت إليها بـ (*) وأردت أن أشرح المقصود منها لمن لا علم له باللغة.

اصطلحت الأمة على أن الكلام إذا قصد منه ما وضع له يكون حقيقة، كقولك: "رأيت أسداً يأكل غزالا"، فأنت تعني بالأسد ذلك الحيوان المعروف، وهذا هو المعنى الحقيقي، ولكنك إن قلت: "رأيت أسدأ يقاتل المشركين"، فإنك لا تقصد بـ(الأسد) المعنى الذي وضع اللفظ له، ولكنك تعني رأيت رجلا شجاعا، وهذا ما يسميه علماء اللغة بالمجاز أو المعنى المجازي، وما التأويل إلا تحويل المعنى من الحقيقة إلى المجاز إذا وجدت قرينة تمنع المعنى الحقيقي، فإنك إن قلت: "رأيت أسداً في الغابة"، فإننا لا نستطيع تأويل هذه لنقول: "رأيت رجلا شجاعا في الغابة".

أتمنى أن أكون قد وضحت مسألة الخلاف، وإن لم تكن في المتراشقين أذنٌ مصغية، فأتمنى أن يجد الباقون في كلامي ما يفيد، وما يتفهمون من خلاله حقيقة الخلاف.

والله من وراء القصد.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

عمر مطر