عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 10-05-2005, 03:08 PM
memo2002 memo2002 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 1,503
إفتراضي

ويعاني عبدالله من الوحدة، بعدما رحل أشقاؤه إلى منزل شقيقتهم المتزوجة التي تعيش في مدينة أخرى، وهو رفض أن يذهب إلى بيت شقيقته، ويبرر عدم ذهابه بقوله: «كي لا أثقل على زوجها، فهو لديه ما يكفيه من مسؤوليات». ويشعر عبد الله أنه لا يطيق الاعتماد على زوج شقيقته، لأن ذلك يسبب له حرجاً كبيراً، ولا يستطيع أن يواصل الحديث عن معاناته، ويقول في صوت مختنق: «أحمد الله أنني لم أصب بالمرض الذي أصاب أشقائي، فالمجتمع يتعامل معهم بطريقة غير سليمة».

الوصي القانوني يسرق ربع راتبهم

على رغم حاجتها الشديدة وأولادها، فإن أم علي تفضل تقليص وجبات أطفالها على سؤال الآخرين ما يعينها على مواجهة أعباء الحياة. بدأت أولى فصول مأساتها عندما فقدت زوجها في حادث طريق قبل 11 عاماً، لدى عودته من المدينة المنورة. قلبت الحادثة حياة الأسرة الصغيرة رأساً على عقب، فأم علي تدرك جيداً عجزها عن إعالة أطفالها وتسيير أمور حياتهم. وتبدت أول بوادرها في انتقال الأسرة إلى شقة صغيرة استأجرتها، عندما لم تجد مالاً لسداد إيجار مسكنهم القديم.

تعيش أم علي على بقايا راتب زوجها الذي كان موظفاً في إحدى الشركات، إلى جانب 1900 ريال تصرفها من التأمينات الاجتماعية. لكنها لا تحصل فعلياً سوى على 600 ريال، فإيجار الشقة يلتهم 800 ريال، والوصي القانوني ينهب 500 ريال، بدعوى وصايته على الأطفال، التي لا تتجاوز حدود الأوراق الرسمية فعلياً.

تفاقمت مأساة الأسرة الصغيرة عندما منع الضمان الاجتماعي عنها كامل المبلغ الذي تأخذه، لأن التأمينات الاجتماعية زادت راتب زوجها ستة ريالات فقط، فتجاوزت الحد الذي تستحق معه الضمان. وتقول أم علي: «قضت هذه الريالات الستة علينا وحرمتنا من إعانة الضمان المخصصة للأيتام». وتضيف مستنكرة «ليقل لي من اتخذ هذا القرار كيف سيذهب أولادي إلى المدرسة، وكيف ألبي حاجات ابنتي التي تـدرس في المرحـلة الثانويـة، وهـل ستجـد طريقها إلى الجامعة؟».

لم تعد أم علي قادرة على تحمل المسؤولية الكبيرة التي ألقيت على كاهلها، بسبب كثرة الضغوط وتخلي الأعمام والوصي عنها، ولا يساعدها سوى قلة من المتبرعين، وهي تقول في مرارة: «أعمام الأطفال لا يسألون عنا، والوصي منهمك في نهبنا، ولا يرى فينا أكثر من مصدر لـ 500 ريال يُحصلها شهرياً».

وعلى رغم رفضها سؤال الناس، إلا أنها تقبل المساعدات التي تأتيها بين حين وآخر، فهي لا تحب أن تصبح حجر عثرة في طريق إيصال الخير إلى ولديها وابنتها.

رز من دون لحوم

ترجل صالح جريف الهزازي (17 عاماً) عن دراجته المتهالكة ظناً منه أن رفاقه الذين كانوا متحلقين حول «الحياة» في حي العدامة في الدمام، يتحدثون إلى فاعلي خير يوزعون صدقات في ذاك الحي الفقير. فهو ما كاد يتناهى إلى مسمعه سؤال «الحياة» عن أسر فقيرة، حتى بادر إلى القول «نحن والفقر في معركة تدور رحاها طوال العام...».

لم يظهر صالح «خيبة» عندما وقع ناظراه على عدسة التصوير، إذ راح يتحدث عن حكاية أسرته مع الفقر ويبدأ بقوله: «ليس عيباً أو عاراً لأخشى منه». ويتحدث عن وضع عائلته المكونة من 10 أشخاص (بينهم أربع شقيقات)، كانت أفضل كثيراً، لكنها تغيرت منذ ستة أعوام، بعدما توفي والده الذي كان يعمل سائق أجرة... فبيعت سيارته التي كان في نية صالح العمل عليها مستقبلاً، وترك المدرسة قبل أن ينجز المرحلة المتوسطة، ليعمل في كابينة للاتصالات الخاصة براتب لا يتجاوز 1000 ريال، لمساعدة أسرته لأنه الأكبر بين أشقائه. لكن لسوء حظه أقفل رب العمل المحل لـ«ظروفه الخاصة وتشتت من بعدها» على حد تعبيره.

تسكن عائلة صالح منزلاً يضيق بها، يتكون من غرفتين ودورة مياه ومطبخ صغير أنشئ في فنائه من الداخل، إيجاره الشهري 800 ريال، وهو متهالك لا يصمد في وجه الرياح الباردة، وخصوصاً خلال هذه الأيام الباردة «لكن الظروف تحتم علينا البقاء فيه على رغم أن حال البيت أصبحت لا تطاق بسبب كثرة الالتزامات المترتبة عليه».

وعن كيفية عيشهم، يجيب صالح: «تقدم لنا الجميعة الخيرية والضمان الاجتماعي معونات، منها شهري ومنها سنوي، إلا أن عدد أفراد الأسرة يحول دون الاستفادة منها في شكل كبير». ويقول إن عائلته تعاني نقصاً في المواد الغذائية وتعتمد على وجبة واحدة وأساسية يومياً، مؤلفة من الرز وبعض المعلبات من دون لحوم...

يفكر صالح جدياً في العودة إلى الدراسة المسائية خلال العام المقبل، للحصول على شهادة المرحلة المتوسطة، ثم الالتحاق بالسلك العسكري، ويبرر ذلك «من اجل مساعدة والدتي وإخوتي».

وكانت عينا صالح تذهبان خلال الكلام إلى أماكن اللعب بين أزقة الحي، وهي ملاعب لكرة القدم، صُنعت عارضاتها من بقايا ألواح الخشب... ويضيف «نحن لا نعرف الألعاب الإلكترونية، وكرة القدم هي الرياضة المحببة إلينا، لكن معظمنا لا يملك حذاءً رياضياً، والقادر على اقتناء واحد، نمنعه من ارتدائه اثناء اللعب معنا، خشية الإصابة بسبب الاحتكاك».

منزل معرّض إلى الانهيار وعائلة عاجزة عن ترميمه

يشعر أبو أحمد بالانكسار كلما تذكر عجزه عن تلبية حاجات أبنائه الأساسية، ويزداد الأمر قسوة على نفسه مع اضطراره إلى تشغيل أحدهم في بيع بعض السلع الرخيصة في الشوارع، كي يساعده في سد أفواه أفراد عائلته، التي لا تكفيها الريالات الـ 700 التي يتكسبها شهرياً، من عمله بائعاً متجولاً.

لكن العجز عن تلبية حاجات الأبناء ليس المصدر الوحيد لمعاناة أبي أحمد، فمنزل عائلته القديم ضربت الشقوق زواياه، وصار أكثر قسوة عليه وعلى أبنائه من وطأة الجوع الذي يعانونه كثيراً في ليالي الشتاء.

يعيش أفراد العائلة الفقيرة في قلق، متوقعين انهيار منزلهم المبني من صخور بحرية بين لحظة وأخرى. لكنهم لا يملكون سوى البقاء في المنزل الذي لم يصمد أمام ضربات الزمن، فعائلهم يوفر بالكاد ما يسد رمقهم، ولم يكفه تجوله في الشوارع طوال اليوم حاملاً بضاعته من المنظفات سؤال الآخرين.

يلعن أبو أحمد الفقر، ويضيق بالدنيا التي «تزرع المشكلات» في طريقه. ويتندر على حال البيت الذي تربى فيه في مرارة، فيقول: «بيتنا ليس في حاجة إلى نوافذ، فالشقوق الكبيرة التي تقسم البيت إلى نصفين، قادرة على إدخال الهواء». ويضيف «في الشتاء تتسرب الأمطار وتعصف الرياح الباردة بالمنزل، أما في الصيف فتخنقنا الرطوبة».

أثقلت الديون كاهل الأسرة، وأضافت عبئاً جديداً إلى أعباء أبي أحمد التي لا تنتهي، كما قضت على أحلام أسرته في منزل يقيهم بعضاً مما يعانون. وهو يخاطب «أصحاب الضمائر»، طلباً لإنقاذ أسرته من ذلك الوضع المأسوي، «فالشقوق تزداد عمقاً، عاماً بعد الآخر، ولم أتمكن من ترميم المنزل لضعف مصادر الرزق».

وعلى رغم أن بعض الأبناء انتظم في مراحل التعليم المختلفة، فإن الابن الأكبر أحمد واجه فشلاً دراسياً مع اضطراره إلى التحول إلى نظام الدراسة المسائية، كي يساعد والده في عمله الشاق. ويقدر أبو أحمد تضحية ولده كثيراً، «فالتعليم أصبح ضرورة، لكن عائلته تحتاجه». ويأمل أحمد أن تتغير حال أسرته إلى الأفضل، فهو يساعد والده كي ينجح إخوته الذين سيساعدونه في حال نجاحهم. وبسبب العمل، فشل أحمد في دراسته، فهو يدرس في الصف الثاني من المرحلة المتوسطة، على رغم أن من هم في عمره يدرسون في المرحلة الجامعية.

يعتقد أحمد أن «الفقر شيء مشابه للعنة التي تصيب المرء، وليس لها علاج سوى المال». وهو يشعر باليأس إزاء إمكان تغلب عائلته على الفقر، ويضيف «نحن كافحنا الفقر لسنوات، لكننا فشلنا في الانتصار عليه، وأنا أخسر تعليمي شيئاً فشيئاً بسببه». ويحاول أحمد الحؤول دون انتقال مخاوفه إلى إخوته، ويحاول إقناعهم بأن «الفقر يجب أن يكون دافعاً إلى النجاح».

لكن اليأس بدأ يتسرب إلى بقية أبناء العائلة، فهم محبطون بسبب حملة الشهادات الجامعية الذين لا يحصلون على عمل. و لا يفكر شقيق أحمد الذي يدرس في نهاية المرحلة الثانوية في الالتحاق بالجامعة، وينتظر الانتهاء من دراسته الثانوية، كي يبحث عن عمل في إحدى الشركات، يمكنه من المساعدة في إعالة الأسرة، بحسب أحمد.

الحياة 26 / 4/ 2005