عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 28-03-2001, 05:59 AM
ساير ساير غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2001
المشاركات: 33
Post بدعة تقبيل المصحف-------------------

فتاوى لأبن تيمية
- - - - - - -
‏كتاب السنة والبدعة ‏
‏‏<‏ 49 ‏>‏ مسألة ‏:‏ ‏
‏هل القيام للمصحف وتقبيله ‏,‏ وجعله عند القبر ‏,‏ ووقيد قنديل في موضع يكون من غير أن يقرأ فيه ‏,‏ مكروه ‏؟‏ وهل يكره أيضا أن يفتح فيه الفال ‏؟‏ ‏
‏الجواب ‏:‏ الحمد لله القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئا مأثورا عن السلف وقد سئل الإمام أحمد عن تقبيل المصحف ‏,‏ فقال ‏:‏ ما سمعت فيه شيئا ‏,‏ ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل أنه كان يفتح المصحف ‏,‏ ويضع وجهه عليه ويقول كلام ربي كلام ربي ‏,‏ ولكن السلف ‏,‏ وإن لم يكن من عادتهم القيام له ‏,‏ فلم يكن من عادتهم قيام بعضهم لبعض ‏,‏ اللهم إلا لمثل القادم من غيبة ونحو ذلك ‏,‏ ولهذا قال أنس ‏:‏ لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك ‏,‏ والأفضل للناس أن يتبعوا طريق السلف في كل شيء ‏,‏ فلا يقومون إلا حيث كانوا يقومون ‏.‏ ‏

‏فأما إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض ‏,‏ فقد يقال ‏:‏ لو تركوا القيام للمصحف مع هذه العادة لم يكونوا محسنين في ذلك ولا محمودين ‏,‏ بل هم إلى الذم أقرب ‏,‏ حيث يقوم بعضهم لبعض ‏,‏ ولا يقومون للمصحف الذي هو أحق بالقيام ‏,‏ حيث يجب من احترامه وتعظيمه ما لا يجب لغيره ‏,‏ حتى ينهى أن يمس القرآن إلا طاهر ‏,‏ والناس يمس بعضهم بعضا مع الحدث ‏,‏ لا سيما في ذلك من تعظيم حرمات الله وشعائره ما ليس في غير ذلك ‏.‏ وقد ذكر من ذكر من الفقهاء الكبار قيام الناس للمصحف ذكر مقرر له ‏,‏ غير منكر له ‏.‏ ‏<‏ 50 ‏>‏ ‏
‏وأما جعل المصحف عند القبور ‏,‏ وإيقاد القناديل هناك فهذا مكروه منهي عنه ‏,‏ ولو كان قد جعل للقراءة فيه هنالك ‏,‏ فكيف إذا لم يقرأ فيه ‏؟‏ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏{‏ لعن الله زوارات القبور ‏,‏ والمتخذين عليها المساجد والسرج ‏}‏ ‏.‏ فإيقاد السرج من قنديل وغيره على القبور منهي عنه مطلقا ‏;‏ لأنه أحد الفعلين الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفعلهما كما قال ‏:‏ ‏{‏ لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان ‏,‏ فإن الله يمقت على ذلك ‏}‏ ‏.‏ رواه أبو داود وغيره ‏
‏ومعلوم أنه ينهى عن كشف العورة وحده ‏,‏ وعن التحدث وحده ‏,‏ وذلك قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ‏}‏ ‏.‏ ‏

‏فتوعد على مجموع أفعال ‏,‏ وكل فعل منها محرم ‏;‏ وذلك لأن ترتيب الذم على المجموع يقتضي أن كل واحد له تأثير في الذم ‏,‏ ولو كان بعضها مباحا لم يكن له تأثير في الذم ‏,‏ والحرام لا يتوكد بانضمام المباح المخصص إليه والأئمة قد تنازعوا في القراءة عند القبر ‏,‏ فكرهها أبو حنيفة ومالك وأحمد في ‏<‏ 51 ‏>‏ أكثر الروايات ‏,‏ ورخص فيها في الرواية الأخرى عنه هو وطائفة من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم ‏.‏ ‏

‏وأما جعل المصاحف عند القبور لمن يقصد قراءة القرآن هناك وتلاوته ‏,‏ فبدعة منكرة ‏,‏ لم يفعلها أحد من السلف ‏,‏ بل هي تدخل في معنى اتخاذ المساجد على القبور ‏,‏ وقد استفاضت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك حتى قال ‏:‏ ‏{‏ لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‏}‏ ‏.‏ يحذر ما صنعوا ‏,‏ قالت عائشة ‏:‏ ولولا ذلك لأبرز قبره ‏,‏ ولكن كره أن يتخذ مسجدا ‏,‏ وقال ‏{‏ إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ‏;‏ ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ‏,‏ فإني أنهاكم عن ذلك ‏}‏ ولا نزاع بين السلف والأئمة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد ‏.‏ ‏

‏ومعلوم أن المساجد بيت الصلاة والذكر وقراءة القرآن ‏,‏ فإذا اتخذ القبر لبعض ذلك كان داخلا في النهي ‏,‏ فإذا كان هذا مع كونهم يقرءون فيها ‏,‏ فكيف إذا جعلت المصاحف بحيث لا يقرأ فيها ولا ينتفع بها لا حي ولا ميت ‏,‏ فإن هذا لا نزاع في النهي عنه ‏,‏ ولو كان الميت ينتفع بمثل ذلك لفعله السلف ‏,‏ فإنهم كانوا أعلم بما يحبه الله ويرضاه ‏,‏ وأسرع إلى فعل ذلك وتحريه ‏.‏ ‏

‏وأما استفتاح الفال في المصحف فلم ينقل عن السلف فيه شيء ‏,‏ وقد تنازع فيه المتأخرون ‏.‏ ‏

‏وذكر القاضي أبو يعلى فيه نزاعا ذكر عن ابن بطة أنه فعله ‏,‏ وذكر عن غيره ‏<‏ 52 ‏>‏ أنه كرهه ‏,‏ فإن هذا ليس الفال الذي يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ‏{‏ كان يحب الفال ويكره الطيرة ‏}‏ ‏,‏ والفال الذي يحبه هو أن يفعل أمرا أو يعزم عليه متوكلا على الله ‏,‏ فيسمع الكلمة الحسنة التي تسره مثل أن يسمع ‏:‏ يا نجيح ‏,‏ يا مفلح ‏,‏ يا سعيد ‏,‏ يا منصور ‏,‏ ونحو ذلك ‏,‏ كما ‏{‏ لقي في سفر الهجرة رجلا فقال ‏:‏ ما اسمك ‏؟‏ قال ‏:‏ يزيد ‏,‏ قال ‏:‏ يا أبا بكر يزيد أمرنا ‏}‏ ‏.‏ ‏

‏وأما الطيرة ‏,‏ بأن يكون قد فعل أمرا متوكلا على الله ‏,‏ أو يعزم عليه فيسمع كلمة مكروهة مثل ‏:‏ ما يتم ‏,‏ أو ما يفلح ‏,‏ ونحو ذلك ‏,‏ فيتطير ويترك الأمر ‏,‏ فهذا منهي عنه ‏,‏ كما في الصحيح عن ‏{‏ معاوية بن الحكم السلمي ‏,‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ‏,‏ منا قوم يتطيرون ‏,‏ قال ‏:‏ ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم ‏}‏ ‏.‏ ‏

‏فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصد الطيرة العبد عما أراد ‏,‏ فهو في كل واحد من محبته للفال ‏,‏ وكراهته للطيرة ‏,‏ إنما يسلك مسلك الاستخارة لله ‏,‏ والتوكل عليه ‏,‏ والعمل بما شرع له من الأسباب ‏,‏ لم يجعل الفال آمرا له وباعثا له على الفعل ‏,‏ ولا الطيرة ناهية له عن الفعل ‏,‏ وإنما يأتمر وينتهي عن مثل ذلك أهل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام ‏,‏ وقد حرم الله الاستقسام بالأزلام في آيتين من كتابه ‏,‏ وكانوا إذا أرادوا أمرا من الأمور أحالوا به قداحا مثل السهام أو الحصى أو غير ذلك ‏,‏ وقد علموا على هذا علامة الخير ‏,‏ وعلى هذا علامة الشر ‏,‏ وآخر غفل ‏,‏ فإذا خرج هذا فعلوا ‏,‏ وإذا خرج هذا تركوا ‏,‏ وإذا خرج الغفل أعادوا الاستقسام ‏.‏ ‏

‏فهذه الأنواع التي تدخل في ذلك مثل الضرب بالحصى والشعير ‏,‏ واللوح والخشب والورق المكتوب عليه حروف أبجد ‏,‏ أو أبيات من الشعر ‏,‏ أو نحو ذلك مما يطلب به الخيرة ‏,‏ فما يفعله الرجل ويتركه ينهى عنها ‏;‏ لأنها من باب الاستقسام بالأزلام ‏,‏ وإنما يسن له استخارة الخالق ‏,‏ واستشارة المخلوق ‏,‏ والاستدلال بالأدلة الشرعية التي تبين ما يحبه الله ويرضاه ‏,‏ وما يكرهه وينهى عنه ‏,‏ وهذه الأمور تارة يقصد بها الاستدلال على ما يفعله العبد ‏,‏ هل هو خير أم شر ‏؟‏ وتارة الاستدلال على ما يكون ‏<‏ 53 ‏>‏ فيه نفع في الماضي والمستقبل ‏,‏ وكلا غير مشروع ‏,‏ والله سبحانه أعلم ‏.‏ ‏

‏‏