الموضوع: حوارات ثنائية
عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 21-08-2007, 10:11 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

ماذا تقرأ؟

انتبه إليه، عندما داهمه في مكتبه، وهو منهمكا في القراءة.. خمن بسرعة أن سؤاله لم يكن ينتظر جوابا، لا عن الكاتب ولا عن عنوان الكتاب..

كان يعلم أن صاحب السؤال يملك مكتبة أكبر من مكتبته وأنه يستطيع توظيف المعلومات التي يقرأها حديثا بطريقة لبقة وسلسة ومقنعة، ويجذب بشدة من يستمع إلى حديثه، لدرجة أن المستمع ينسى نفسه ووقته الذي خصصه مسبقا لتلك المقابلة، وكأن لسان حال المستمع يقول: زدني بالله عليك من حديثك الشيق

لكن عاود وتساءل: ماذا كان يقصد بسؤاله (ماذا تقرأ؟) .. هل تراه أقلع عن عادة القراءة؟ أم أنه يريد أن يبدأ حديثا معينا، فطرح سؤاله الاستفزازي قبل أن يطرح السلام!

أنقذه صاحب السؤال من تساؤلاته فسأل سؤالا به جوابه:
هل تعلم أن هؤلاء المؤلفون يكتبون وكأنهم في مباريات فيما بينهم، وتكون كتبهم ومقالاتهم مكتوبة لكاتب آخر بعينه، يريد أن يبلغه فيها أنه لا زال يقرأ ويكتب وأنه يتفوق على من يخاطبه في مسائل كثيرة، فيقوم الكاتب الآخر بالرد عليه.. ولكن أمثالنا لا يدركون أن تلك الكتابات ما هي إلا معارك (تذاوت) يريد كل كاتب أن يؤكد ذاته من خلال ما يكتب .. وفي العالم المتقدم، يكتب الكاتب ضمن منظومة فكرية سياسية تكون رسالتها لتضليل من يقع الكتاب في يديه!
ـ هل تعتقد ذلك فعلا؟
ـ نعم .. وإلا بماذا تفسر عزوف الناس عن القراءة ومتابعة هؤلاء الكتاب، حتى غدت دائرة الاهتمام بما يكتبون تضيق شيئا فشيئا..
ـ ولكنهم نالوا شهرة عالمية ومحلية واسعة.. ويعرفهم المثقفون من أقصى غرب الوطن العربي الى أقصى شرقه..
ـ أشك أن شهرتهم قد تكونت بعد تمحيص ومعرفة ما يكتبون على وجه التحديد .. إنما يسكت المثقفون عنهم ويشترون كتبهم من باب (الاقتناء) وقد لا يقرؤونها .. فتكون جزءا من ممتلكاتهم المكتبة، تستثمر في لحظات محددة وقت تزاور المثقفين فيما بينهم.. وقد يستعملون عناوينها في ثرثرتهم .. وهي مسألة نفاق ثقافي يشترك فيها أطراف كثيرة تبدأ بالمؤلفين أنفسهم وتمر عبر دور النشر والطباعة والتوزيع وتنتهي عند المثقفين، ثم تتلاشى .. كدورة إنتاج مفرقعات الاحتفالات، تبدأ بإنتاجها وتنتهي بعد أن تملأ السماء بعلامات البهرجة ثم تختفي الى لا عودة ..
ـ يضحك ويقاطعه: وهل نترك عادة القراءة بناء على ما تقول؟
ـ يجيب (وقد أربكه الاستنتاج السريع من صاحبه): لا ليس بالضرورة.. وإن كانت الأمور لن تتغير كثيرا.. فمن يطفو على السطح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى الفني والثقافي، في العصر الراهن هم أناس منقطعون عن أجواء الثقافة ..
ـ قد تكون ملاحظاتك صحيحة.. لكن وجود المناخ الثقافي بوسائله وأدواته ومثقفيه وجمهوره، سيبقى وازعا ومانعا يجعل ممن يطفون على السطح من التحسب لردات فعل الآخرين .. تماما كمثل وجود القوانين لن يمنع اللصوص والمجرمين والمحتالين من تنفيذ ما يريدون .. لكنه يعيق عملهم ويجعله ليس سهلا ..
ـ تأخرت .. وجبت علي المغادرة ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس