عرض مشاركة مفردة
  #35  
قديم 03-09-2005, 04:22 AM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
إفتراضي

الدليل السادس : إنّ جمعاً من النساء في عهد النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ اشتركن في الحروب ، إما قتالاً ، وإما مساعدةً للجيش ، ومن ذلك :

أ ـ ما ذكره ابن سعد في الطبقات ، في ترجمة أم عمارة الأنصارية ، عن عمر بن الخطاب : ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : لقد سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول : ((ما التفَتُّ يميناً ، ولا شمالاً ـ يوم أحد ـ إلاّ وأنا أراها تقاتلُ دوني([56]))) .

ب ـ ما رواه حشرج بن زياد ، عن أمه ، عن جدته أم أبيه ـ رضي الله عنها ـ : ((أنها خرجت مع رسولِ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في غزوةِ خيبرَ ، سادسَ ستِّ نسوةٍ ، فبلغ ذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فبعث إلينا ، فرأينا فيه الغضبَ ، فقال : مع مَن خرجتُنّ ، وبإذن مَن خرجتُنّ ؟ فقلنا : يا رسول الله ، خرجنا نغزلُ الشعرَ ، ونُعين به في سبيلِ الله ، ومعنا دواءُ الجرحى ، ونُناول السهامَ ، فقال : قُمْنَ . حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا([57]))) .

ج ـ ما رواه ثابت بن الحارث الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال : ((قسَّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لسهلةَ بنتِ عاصمٍ بنِ عَدِيٍّ ، ولابنة لها ولدت([58]))) .

د ـ ما روتْه زينبُ امرأةُ عبدِ الله الثقفيِّ ـ رضي الله عنها ـ : ((أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أعطاها يوم خيبر خمسين وسقاً تمراً([59]))) . والنبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إنما أعطى هاتين الصحابيتين من الغنيمة لاشتراكهما في الغزو .

هـ ـ ما روته الرُبَيِّعُ بنتُ مُعَوِّذٍ ـ رضي الله عنها ـ قالت : ((كنا نغزو مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنسقي القومَ ، ونخدمُهم ، ونردُّ القتلى إلى المدينة)) . وفي رواية : ((كنا مع النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ نسقي ، ونداوي الجرحى ، ونردُّ القتلى إلى المدينة([60]))) .

و ـ ما رواه أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ((لقد رأيت عائشة بنت أبي بكر ، وأم سليم ، وإنهما لَمُشَمّرتان أرى خَدَمَ سوقِهِنّ تنقُزان القِرَبَ ـ وقال غيرُهُ : تنقلان القِرَبَ ـ على متونِهِما ، ثُمّ تفرغانِهِ في أفواه القوم ، ثُمّ ترجعان ،فتملأنها ، ثُمّ تجيئان فتُفرغانِهِ في أفواه القوم([61]))) .

ز ـ ما رواه أنسٌ بنُ مالكٍ ـ رضي الله عنه ـ قال : ((كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغزو بأمِّ سُلَيمٍ ، ونسوةٍ من الأنصار معه إذا غزا ، فيسْقِيْنَ الماءَ ، ويُداوِيْن الجرحى([62]))) .

ح ـ ما روى ثعلبة بن أبي مالك : ((أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قسَم مروطاً بين نساءٍ من نساءِ المدينة ، فبقي مِرْطٌ جيدٌ ، فقال له بعضُ مَن عنده : يا أميرَ المؤمنين ، أعطِ هذا ابنةَ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ التي عندك ـ يريدون أمَّ كلثومٍ بنتَ علِيّ ـ فقال عمر : أمُّ سَلِيطٍ أحقُّ به ـ وأم سَلِيطٍ من نساء الأنصار ، ممن بايع رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال عمر : فإنها كانت تزفِر لنا القِرَبَ يوم أحد([63]))) .

ط ـ ما رواه أنس ـ رضي الله عنه ـ : ((أنّ أمَّ سُلَيمٍ اتخذت يوم حنينٍ خِنجراً ، فكان معها ، فرآها أبو طلحة ، فقال : يا رسولَ الله ، هذه أمُّ سُلَيمٍ معها خِنجرٌ ، فقال لها رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : ما هذا الخِنجرُ ؟ قالت : اتخذته ، إن دنا منّي أحدٌ من المشركين بقرتُ بطنَه ، فجعل رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يضحك ، قالت : يا رسول الله ، اقتل مَن بعدَنا من الطلقاء انهزموا بك ، فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يا أمَّ سُلَيمٍ ، إن الله قد كفى ، وأحسن([64]))) .

ي ـ ما رواه يزيد بن هرمز : أنّ نجدةَ كتب إلى ابن عباس يسأله عن خَمسِ خِلالٍ ، ومنها : ((هل كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يغزو بالنساء ؟ ... فكتب إليه ابن عباس : كتبتَ تسألني : هل كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يغزو بالنساءِ ؟ وقد كان يغزو بهنّ ، فيُداوين الجرحى ، ويُحْذَيْنَ من الغنيمة([65]))) .

ك ـ عن أمِّ عطيةَ الأنصارية ـ رضي الله عنها ـ قالت : ((غزوت مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ سبع غزوات ، أخلفُهم في رحالِهِم ، فأصنعُ لهم طعامَهم ، وأداوي الجرحى ، وأقومُ على المرضى([66]))) .

ولا شكّ أن ما تقدم عن الصحابيات يستلزم اختلاطَهنّ بالجيش ، وهم رجال ، بل والأشد من هذا فيه تعريضٌ لهنَّ لخطرِ أسرِهِنّ ووقوعِهِنّ بأيدي الأعداء ، وهذا ذريعة كانت تقتضي ـ على مبدأ من حرّم الاختلاط ـ تحريمَ أخذِهِنّ في صحبة الجيش .

الدليل السابع : عن أنسٍ ، عن أمِّ حرامٍ ـ رضي الله عنها ـ وهي خالةُ أنسٍ ، قالت : ((أتانا رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يوماً فقالَ عندنا ، فاستيقظ وهو يضحكُ ، فقلتُ : ما يضحكك يا رسولَ الله ، بأبي أنت وأمي ؟ قال : ناسٌ من أمتي يركبون البحرَ ، [وفي رواية : ناس من أمتي عُرِضوا علَيّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر] كالملوكِ على الأسِرّة في سبيلِ الله ، فقلتُ : ادعُ الله أن يجعلَني منهم ، فقال : أنتِ منهم [وفي رواية : فدعا لها] . قالت : ثم نام ، فاستيقظ ـ أيضاً ـ وهو يضحك ، فسألتُه ، فقال مثل مقالتِهِ . فقلت : ادعُ الله أن يجعلني منهم ، قال : أنتِ من الأولِينَ . قال : فتزوجها عبادةُ بنُ الصامتِ بعدُ ، فغزا البحرَ فحملها معه ، فلما أن جاءت قُرِّبت لها بغلةٌ ، فركبتْها ، فصرعتْها ، فاندقّتْ عنقُها([67]))) .

فهذه الصحابية تجاوزت ما تقدم عن الصحابيات السابقات ، فتمنت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أن يدعو لها أن تركب البحر مجاهِدةً في سبيل الله ـ عزّ وجلّ ـ فلم يُنكر عليها ، ولم يقل لها : إنك تُعَرّضين نفسك للفساد ، وبيتُك خير لك ، فقرّي في بيتِك ، بل دعا لها ، وبشّرها بهذه الأمنية .

الدليل الثامن : عن ذكوان مولى عمرو بن العاص : أن عمرَو بنِ العاص أرسله إلى عَلِيٍّ يستأذنه على أسماءَ بنتِ عُمَيس ، فأذن له ، حتى إذا فرغ من حاجته سأل عمروُ بنِ العاص عن ذلك ، فقال : ((إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ نهانا أن ندخلَ على النساءِ إلاّ بإذنِ أزواجِهِنّ([68]))) . فهذا الرجل يدخل على المرأة التي تحرم عليه في منزلها ؛ ليحدثها ، ولم يحتج إلى أكثر من استئذان زوجها في الدخول .

الدليل العاشر : عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : ((إنْ كان الرجالُ والنساءُ في زمانِ رسولِ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لَيتوضؤون جميعاً([69]))) . قال الباجي : ”يعني مجتمعين ، في فَوْرٍ واحدٍ ، هذا أظهرُ ما يحمل عليه هذا اللفظ([70])“ . وقال ابن حجر : ”ظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة([71])“ .

ويناقش هذا الدليل من وجهين :

الأول : إنّ معنى الحديث أنهم كانوا يتوضؤون من موضع إناء واحد ، يتوضأ الرجال ويذهبون ، وتأتي النساء فيتوضأْنَ .

قال ابن حجر : وهو خلاف الظاهر من قوله : (جميعا) فإن الجميع ضد المتفرق .

الوجه الثاني : إنّ هذا كان قبل نزول الحجاب ، وأما بعده فيختص بالمحارم([72]) .

وهو ادعاء يخالفه سياق الحديث فإن الظاهر منه أن هذا الحديثَ استدلالٌ من ابنِ عمرَ لحكمٍ ، كما هو واضح من السياق ، مع ما صاحبه من أسلوب التوكيد .

فلفظ البخاري : ((كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ جميعاً)) . ولفظ أبي داود : ((كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من إناء واحدٍ ، ندلي فيه أيدينا)) . ولفظ ابن خزيمة : ((رأيت الرجال والنساء يتوضؤون على عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من إناء واحد)) . ثم لو كان الأمر قد تغير لبينه ابن عمر ، ولقال : ثم منعوا من هذا .

الدليل العاشر : عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : ((لا تسافرِ المرأةُ إلاّ مع ذي محرمٍ ، ولا يدخلُ عليها رجلٌ إلا ومعها محرمٌ([73]))) .

الدليل الحادي عشر : عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ : أن الني ـ صلى الله عليه وسلم قال : ((لا يدخلَنّ رجلٌ ـ بعد يومي هذا ـ على مُغِيبةٍ ، إلا ومعه رجلٌ ، أو اثنان([74]))) . فهذا الحديث والذي قبله صريحان في جواز أن يدخل الرجلان والثلاثة على المرأة الْمُغِيبة ، أو الرجل مع محرم .

الدليل الثاني عشر : عن سهلٍ بنِ سعدٍ ـ رضي الله عنه ـ قال : ((دعا أبو أُسَيْدٍ الساعديُّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وكانت امرأتُه يومئذ خادمَهم ، وهي العروس ، قال سهلٌ : أتدرون ما سقتْ رسولَ الله ، صلّى الله عليه وسلّم ؟ أنقعتْ له تمراتٍ من الليلِ ، فلما أكل سقتْه)) . وفي رواية : ((فما صنع لهم طعاماً ، ولا قرّبه إليهم إلا امرأتُه أمُّ أُسَيْدٍ([75]))) .

فهذه عروسٌ ، في ليلةِ عرسِها تقدمُ لرسولِ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وصحابتِهِ الطعامَ ، وتقومُ على خدمةِ من حضر وليمةَ عرسِها .

الدليل الثالث عشر : عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ((أنّ رجلاً أتى النبيَّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فبعث إلى نسائِه ، فقُلْنَ : ما معنا إلا الماءُ ، فقال رسولُ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مَن يَضُمّ ـ أو يُضَيِّفُ ـ هذا ؟ فقال رجلٌ من الأنصار : أنا . فانطلق به إلى امرأتِهِ ، فقال : أكرمي ضيفَ رسولِ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقالت : ما عندنا إلا قوتُ صبياني ، فقال : هيّئي طعامَك ، وأصبحي سراجَك ، ونوّمي صبيانَك ، إذا أرادوا طعاماً . فهيّأَتْ طعامَها ، وأصبَحَتْ سراجَها ، ونوّمت صبيانَها ، ثُمّ قامت كأنها تُصلحُ سراجَها فأطفأتْه ، فجعلا يُريانِهِ أنهما يأكلان ، فباتا طاوِيَيْنِ ، فلما أصبحَ ، غدا إلى رسولِ الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقال : ضحِك اللهُ ـ أو عجِب ـ من فعالِكُما ، فأنزل الله : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ([76])}([77]))) .

فهذه امرأة تجلس وزوجها مع ضيفٍ جاءهم ، ليس في مجلسٍ كبيرٍ ممتدٍ ، وليس لقضاءِ حاجةٍ ، بل لتأكلَ معه على مائدةٍ واحدةٍ ضيقةٍ .
__________________
معين بن محمد