عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 03-12-2006, 03:14 AM
جنات عدن جنات عدن غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2006
الإقامة: سينين/ العريش
المشاركات: 526
إرسال رسالة عبر MSN إلى جنات عدن إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى جنات عدن
إفتراضي

وقال المحققون إنه لما كان اليهود يميلون إلى الخرافات، أخذوا من عبدة أصنام بابل قصة »أشتر« ولما نسوا أصلها اعتقدوا في الأزمنة الحديثة أنها حكاية صحيحة، فدوَّنوها في التلمود بالصورة التي وجدناها عليها. ولما سمع المسلمون هذه الحكاية من اليهود ولم يعرفوا أنها خرافة، دوَّنوها مختصرة في القرآن كأنها صحيحة، وأوردوها مفصلة في الأحاديث.
وإذا سأل سائل: لماذا قبلها اليهود؟ قلنا إن السبب خطؤهم في فهم معنى فقرة في سفر التكوين. وكل ما كتب في التلمود عن معاشرة الملائكة للنساء الآدميات ناشئ عن تفسير تلك الفقرة، وهي: »وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض ووُلد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا.. كان في الأرض طغاة (في العبرية: النفيليم) في تلك الأيام. وبعد ذلك أيضاً إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولاداً. هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر ذوو اسم« (تكوين 6: 1 و2 و4). والقول »أبناء الله« يصف الأتقياء الصالحين الذين تناسلوا من شيث، ابن آدم الثالث. والأرجح أن معنى كلمة نفيل (وجمعها »نفيليم« في العبرية) هو مثل قولنا في اللغة العربية »نبيل« وجمعها نبلاء. وقال البعض إنها تدل على العتاة الذين يتعدّون على الضعاف ويظلمونهم. وترجم كتاب »ترجوم أونتلوس« كلمة »نفيليم« الواردة في الآية المتقدمة بكلمة كلدية معناها بالعربية »الجبابرة« مشتقَّة من أصل هذه الكلمة العبرية، ولا شك أن هذا هو الصواب. ولكن لما كان أحد مفسري قدماء اليهود (واسمه يوناثان بن عزئيل) يجهل معنى كلمة »نفيليم« العبرية النادرة الاستعمال توهَّم أن معناها »الملائكة الساقطين« ففسَّر آية تكوين 4: 6 بأن شمحزاي وعزئيل هبطا من السماء وكانا على الأرض في تلك الأيام. فمن هنا نرى أن منشأ هذه الخرافة من أولها إلى آخرها عن أشتر المذكورة في »مدراش يلكوت« هو الخطأ الذي اقترفه هذا الرجل وغيره ممن نحا نحوه، فقبلوا إحدى خرافات عبدة الأصنام البابليين جهلاً، وتوهموا أنها تبين معنى آية في التوراة التبس عليهم معناها فلم يفهموها. ومع ذلك فلا عذر لهم، فإن أحد علماء اليهود المفسرين، وهو أقدم منهم عهداً وزمناً وأرسخ منهم قدماً، فسَّر هذه اللفظة وشرح معناها الحقيقي الذي التبس عليهم.
وبما أن جُهّال اليهود كانوا يميلون إلى الخرافات، وكانوا مولعين بذكر الغرائب، فلا عجب إذا وجدنا في بعض كتبهم قصة سقوط الملائكة وخطيتهم بهذه الكيفية. ففي بدء الأمر قال اليهود إن ملاكين هبطا وسقطا، ولكنهم بعد ذلك زادوا عددهم من حين إلى آخر في الخرافات المتواترة بينهم. وفي آخر الأمر ورد في الكتاب الملفَّق المنسوب كذباً وزوراً إلى النبي أخنوخ أن عدد الملائكة الذين هبطوا من السماء بلغ 200، وسبب هبوطهم جميعاً أنهم اقترفوا الفسق مع النساء. ونورد هنا الفقرة الآتية من »كتاب أخنوخ« المشار إليه، مترجمة من اللغة الحبشية، لأن الأصل اليوناني لهذا الكتاب وصل إلينا بحالة مهشمة ناقصة. وإليك ترجمة هذه العبارة:
»رأت (بنات الناس) أن الملائكة وهم أبناء السموات قد افتتنوا بهن، وقالوا بعضهم لبعض: تعالوا نأخذ لأنفسنا زوجات من بنات الناس ونخلف أولاداً لأنفسنا. فقال لهم سميازا (أي شمحزاي) الذي هو رئيسهم.. وعلَّم إزازيل (أي عزازيل) بني آدم صناعة السيوف والخناجر والتروس والدروع لصدورهم، وأراهم وأعقابهم ومصنوعاتهم (يعني الأساور والحلي) واستعمال الكحل لتزجيج أهداب عيونهم، واستعمل جميع أنواع الصباغة المتنوعة وعملة الدنيا (أي النقود التي يتعامل بها الإنسان في هذه الدنيا)«. (كتاب أخنوخ فصل 6 آية 2 و3 وفصل 8 آية 1).
ومعروف أن مسألة تعليم الملائكة للناس الأمور المذكورة آنفاً وردت في البقرة 2: 102، حيث قيل: »فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم«. ويقصد بالملاكين المشار إليهما هنا »هاروت وماروت«. غير أن القرآن انتحل ذكر تعليم الملاكين للناس أيضاً مما ورد في »مدراش يلكوت« حيث ذكر أن عزازيل استعان بالحلي المتنوعة وأنواع زخرفات النساء المبهجة لإغواء بني آدم على اقتراف الفجور.
فما قلناه عن هاروت وماروت يجوز أن يكون برهاناً كافياً يؤيد أن هذه القصة أيضاً مأخوذة من كتب اليهود