عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 30-09-2003, 12:37 PM
اليمامة اليمامة غير متصل
ياسمينة سندباد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
الإقامة: السعودية
المشاركات: 6,889
إفتراضي شهادة التاريخ للوهابية !!

♦ شهادة التاريخ للوهابية :-


● الشهادة الأولى :-

قال المؤرخ الشيخ عبد الرحمن الجبرتي الأزهري في أول حوادث سنة 1227هـ من تاريخه ، نقلا عن بعض أكابر رجال جيش محمد على باشا الذين قاتلوا الوهابية في الحجاز ما نصه :
" ولقد قال لي بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع : أين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهباً ، وصحبتنا صناديق المسكرات ، ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام فيه فريضة ، ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين . والقوم ( يعني الوهابية ) إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفاً خلف إمام واحد بخشوع وخضوع ، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائم أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف ، فتتقدم طائفة الحرب وتتأخر الأخرى للصلاة ، وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون في معسكرهم : هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون ، والمستبيحين الزنا واللواط ، الشاربين الخمور ، التاركين للصلاة ، الآكلين الربا ، القاتلين الأنفس ، المستحلين المحرمات . " أهـ .(ص140 ج 4 من الطبعة الأميرية ) ، وفيه من فظائع العسكر وفواحشه مالا حاجة إلى ذكره .
ومن المعلوم أن جيش محمد على كان أخلاطا من شعوب وملل شتى ، ولم يكن مؤلفا باعتبار أنه جيش إسلامي يقيم شعائر الإسلام ويحافظ على فرائضه ويراعي أحكامه في القتال وغيره ، بل لم يكن جيش الدولة العثمانية المنظم كذلك ، وهي التي كانت توصف بأنها دولة الخلافة . وأما ظن ناقل الخبر للجبرتي أنهم لا ينصرون وحالتهم ما ذكر فسببه أنه يعتقد أن الفسق يمنع النصر وليس كذلك ، فإن من استوفي أسباب النصر من كثرة العسكر ونظامه وعدته ينتصر على من ليس كذلك .

● الشهادة الثانية :-
ما جاء في كتاب ( الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ) للعلامة الشيخ أحمد الناصري السلاوي
فإنه ذكر في الجزء الرابع منه خبر وصول كتاب صاحب الحجاز عبد الله بن سعود الوهابي إلى فاس ، وخلاصة وجيزة عن أصل والوهابية لا تخلو من غلط ، ثم ذكر أن سلطان فاس أرسل جواب ذلك الكتاب مع ولده الذي سافر مع بعض العلماء إلى الحجاز ، وهذا نص خبره ( ص145 من الجزء الرابع المطبوع بمصر ) قال : ( حج المولى أبي إسحاق إبراهيم بن السلطان المولى سليمان رحمه الله ) ( وفي هذه السنة ) أعنى سنة ست وعشرين ومائتين وألف ، وجهّ السلطان المولى سليمان رحمه الله ولده الأستاذ الأفضل المولى أبا إسحاق إبراهيم بن سليمان إلى الحجاز ، لأداء فريضة الحج مع الركب النبوي ، الذي جرت العادة بخروجه من ( فاس ) على هيئة بديعة مت الاحتفال وإبراز الأخبية لظاهر البلد ، وقرع الطبول ، وإظهار الزينة . وكانت الملوك تعتني بذلك وتختار له أصناف الناس من العلماء والأعيان والتجار والقاضي وشيخ الركب ، وغير ذلك مما يضاهي ركب مصر والشام وغيرهما . فوجه السلطان ولده المذكور في جماعة من علماء المغرب وأعيانه . مثل الفقيه العلامة القاضي أبي الفضل العباس بن كيران، والفقيه الشريف البركة المولى الأمين أبن جعفر الحسني الرتبي ، والفقيه العلامة الشهير أبي عبد الله محمد العربي الساحلي ، وغيرهم من علماء المغرب وشيوخه . فوصلوا إلى الحجاز وقضوا المناسك وزاروا الروضة المشرفة على حين تعذر ذلك وعدم استيفائه على ما ينبغي ، لا شتداد شوكة الوهابيين يومئذ ، ومضايقتهم لحجاج الآفاق في أمور حجهم وزيارتهم إلا على مقتضى مذهبهم .
( حكى صاحب الجيش ) أن المولى إبراهيم ذهب إلى الحج واستصحب معه جواب السلطان ، فكان سببا لتسهيل الأمر عليهم وعلى كل من تعلق بهم من الحجاج شرقاً وغرباً ، حتى قضوا مناسكهم وزيارتهم على الأمن والأمان والبر والإحسان ، قال : حدثنا جماعة وافرة ممن حج مع المولى إبراهيم في تلك السنة ، أنهم ما رأوا من ذلك السلطان ( يعني ابن سعود ) ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة ، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه ما به الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام ، من صلاة وطهارة وصيام ، ونهي عن المنكر الحرام ، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام ، التي كانت تفعل بهما جهارا من غير نكير . وذكروا أن حاله كحال آحاد الناس ، لا يتميز عن غيره بزي ولا مركوب ولا لباس ، وأنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم أظهر له التعظيم الواجب لأهل البيت الكريم ، وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته .
وكان الذي تولى الكلام معه هو الفقيه القاضي أبو اسحق إبراهيم الزدّاغي ، فكان من جملة ما قاله ابن سعود لهم : إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية .فأي شيء رأيتمونا خالفنا من السنة ؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا ؟ فقال له القاضي : بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوى ، فقال لهم : معاذ الله . إنما نقول كما قال مالك : الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة .فهل في هذا من مخالفة ؟ قالوا : لا ، وبمثل هذا نقول نحن أيضا.
ثم قال له القاضي : وبلغنا عنكم أنكم تقولون حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم .فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه وقال : معاذ الله ، إنما نقول : إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره ، وكذا غيره من الأنبياء حياة فوق حياة الشهداء.
ثم قال له القاضي : وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم وزيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها . فقال : معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا . وهل منعنا كم أنتم لما عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها ؟ وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية ، ويطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا تقضيها إلا الربوبية . وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الموتى ، وتذكر مصير الزائر إلى ما صار إليه المزور ، ثم يدعو له بالمغفرة ، و يستشفع به إلى الله تعالى . يسأل الله المنفرد بالإعطاء والمنع بجاه ذلك الميت إن كان ممن يليق أن يستشفع به . هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه . ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سدا للذريعة .فأي مخالفة في هذا القدر . أ هـ . ثم قال صاحب الجيش : هذا ما حدث به أولئك المذكورون . سمعنا ذلك من بعضهم جماعة ، ثم سألنا الباقي أفرادا فاتفق خبرهم على ذلك أ هـ .
وذكر المؤلف ( صاحب الاستقصا ) بعد هذا الخبر بحثا في زيارة القبور رجح فيه القول بمنع زيارة الأولياء سدا للذريعة مع بيان العلة وإشهارها بين الناس ، وذكر أن سلطان المغرب المولى سليمان – رحمة الله – كان يرى هذا ، وألف فيه رسالته المشهورة . وأن الشيخ الفقيه الصوفي أبا العباس التيجاني كان يري هذا ، ونهى أصحابه عن زيارة الأولياء . أ هـ ملخصا.
والشيخ أحمد التيجاني المذكور قد انتشرت طريقته في جميع بلاد المغرب الأقصى والأدنى وما بينهما ، حتى أن أتباعه يعدون بالملايين إلى هذا العهد
. **
وما نقله من كلام الأمير الوهابي في مسألة الاستشفاع معزوا إلى الإمام أحمد يظهر أنه لم ينقل بحروفه . فإن الإمام أحمد – رضى الله عنه – لا يعرف عنه ولا عن علماء الوهابية مثل هذا القول فيما نعلم ، والله أعلم .
وسنبين في مقال آخر أن المتغلب على الحجاز اليوم هو الذي يكفّر المسلمين الذين يعاديهم ويعادونه . فقد كفر الترك والمصريين كما كفر الوهابية . ونبين أن ما فعله النجديون من الزحف لإنقاذ الحجاز من بغيه – هو من فروض الكفاية على الأمة الإسلامية – قد قاموا به ، فإذا ظفروا ارتفع الإثم عن جميع المسلمين ، وإلا وجب ذلك على غيرهم .



** ولكن الناس لم ينكروا على هؤلاء كالوهابية لسببين : أحدهما : أنه ليس لهم خصوم سياسيون يغرون الناس بهم كما يفعل أمراء مكة بالوهابية . والثاني : أن الوهابية منعوا المنكرات بالفعل لا بمجرد القول وهذا مالا يطيق احتماله أهل البدع لأنه يفضحهم .

مكتوب بتصرف من كتاب ( الوهابيون والحجاز )
لمحمد رشيد رضا
__________________