عرض مشاركة مفردة
  #4  
قديم 13-07-2003, 09:25 PM
د . عبد الله قادري الأهدل د . عبد الله قادري الأهدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 609
إفتراضي الجزء الخامس..

فالمرتد لا يرث ولا يورث، ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وحده القتل كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وإن شكك في ذلك بعض الناس في هذا الزمان.... فهل يجوز لفرد أو أفراد من طلاب العلم الصغار، أن يصدروا في مثل هذا الأمر الفتاوى، وينفذوا ما يترتب على فتاواهم فيما سبق، بدون الرجوع إلى علماء الأمة الأكفاء..؟!

وقد اشتهر عند علماء الأمة قديما وحديثا، أنه لا يجوز الإقدام على إنكار منكر محقق، إذا كان يترتب على إنكاره حصول ما هو أنكر منه.

قال العز بن عبد السلام السلمي رحمه الله:
"إذا اجتمعت مصالح ومفاسد، فإن أمكن دفع المفاسد وتحصيل المصالح فعلنا ذلك، وإن تعذر الجمع، فإن رجحت المصالح حصلناها ولا نبالي بارتكاب المفاسد، وإن رجحت المفاسد دفعناها ولا نبالي بفوات المصالح". [الفوائد في اختصار المقاصد:(1/:47) دار الفكر المعاصر 1416هـ مدينة النشر دمشق].

وقال ابن تيمية رحمه الله:
"فمعلوم أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإتمامه بالجهاد، هو من أعظم المعروف الذى أمرنا به، ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر، وإذا كان هو من أعظم الواجبات والمستحبات..

فالواجبات والمستحبات لابد ان تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة، إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب، والله لا يحب الفساد بل كل ما أمر الله به فهو صلاح وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين.

فحيث كانت مفسدة الأمر والنهى أعظم من مصلحته، لم تكن مما أمر الله به، وإن كان قد تُرِك واجبٌ وفُعِل مُحرمٌ، إذ المؤمن عليه أن يتقى الله فى عباده وليس عليه هداهم" [مجموع الفتاوى (8/126)].

وقال في موضع آخر:
"وَجِمَاعُ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي "الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ": فِيمَا إذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ، وَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ أَوْ تَزَاحَمَتْ ; فَإِنَّهُ يَجِبُ تَرْجِيحُ الرَّاجِحِ مِنْهَا فِيمَا إذَا ازْدَحَمَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ، وَتَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ.

فَإِنَّ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَإِنْ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ وَدَفْعِ مَفْسَدَةٍ، فَيُنْظَرُ فِي الْمُعَارِضِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَفُوتُ مِنْ الْمَصَالِحِ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ الْمَفَاسِدِ أَكْثَرَ، لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ; بَلْ يَكُونُ مُحَرَّمًا إذَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ". [مجموع الفتاوى: (28/129)].

وذكر ابن القيم رحمه الله أن لإنكار المنكر أربع درجات، فقال:
"فإنكار المنكر أربع درجات:

الأولى: أن يزول ويخلفه ضده.

الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته.

الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله.

الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه.

فالدرجتان الأوليان مشروعتان..

والثالثة موضع اجتهاد..

والرابعة محرمة". [إعلام الموقعين (3/4)].

وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية الكريمة:
(( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) [الأنعام: 108]:
"وفى هذه الآية دليل على أن الداعي إلى الحق والناهي عن الباطل، إذا خشي أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه، من انتهاك حُرَمٍ ومخالفةِ حقٍّ ووقوعٍ فى باطل أشدَّ، كان الترك أولى به، بل كان واجبا عليه". [تفسير فتح القدير (2/150)].

وقد ترك الرسول صلى الله عليه وسلم مصلحة شرعية، خشية من وقوع مفسدة أعظم منها..

كما في حديث عائشة رضي الله عنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، باباً شرقياً وباباً غربياً، فبلغت به أساس إبراهيم ). [صحيح البخاري، برقم (1509) وصحيح مسلم، برقم ولفظه (حديثو عهد بشرك) (1333)].

وكلام العلماء في هذه المسألة قد يصعب حصره، في كتب التفسير وشروح الحديث، وأصول الفقه، وقواعد الفقه... وكتب السياسة الشرعية و الفتاوى وغيرها... فينبغي لطلاب العلم أن يهتموا بها، وأن يتلقوها على أيدي فقهاء الإسلام، وألا يغتروا بقراءاتهم التي لم يصقل عقولهم وأفهامهم فيها من تحققوا بفقهها وفهمها، استناداً على أخذها من أهلها قبلهم.

فإن الطالب الذي يأخذ علمه من الكتب، ولم يتتلمذ على متخصصين في العلم الذي يأخذه، يكون أشد ضرراً في أحكامه الشرعية، من طالب طب استقل بقراءته في الجرائد والمجلات دون أن يأخذ علم الطب على يد المهر من الأطباء، ثم أخذ يحلل ويصف الأمراض والعلاج لمرضى البشر..

ولهذا كان سبب وجود الفرق الضالة استقلالها عن علماء الشريعة الذين تلقوا علومهم كابراً عن كابر على أيدي من سبقهم ممن سلكوا مسلك الصحابة والتابعين، في طلب العلم..

قال الإمام الشاطبي رحمه الله:
"من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به، أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام..

وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات:
إحداها: العمل بما علم، حتى يكون قوله مطابقاً لفعله، فإن كان مخالفاً له، فليس بأهل لأن يؤخذ عنه، ولا أن يقتدى به في علم..

والثانية: أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم، وملازمته لهم، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك، وهكذا شأن السلف الصالح.

فأول ذلك ملازمة الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذهم بأقواله وأفعاله واعتمادهم على ما يرد منه، كائناً ما كان، وعلى أي وجه صدر..

وصار مثلُ ذلك أصلاً لمن بعدهم، فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى فقهوا ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية..

وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالماً اشتهر في الناس الأخذ عنه، إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك، وقلما وجدت فرقة زائفة ولا أحدا مخالفا للسنة، إلا وهو مفارق لهذا الوصف". [من كتاب الموافقات في أصول الشريعة (1/91ـ95) بتحقيق الأستاذ محمد عبد الله دراز، باختصار].

فليعرف طالب العلم قدر نفسه، ولينزلها منزلتها، وليتواضع ويأخذ العلم عن أهله، ولا يغتر بما التقطه من صفحات الكتب بنفسه، دون تلقي العلم على يد أهله، فإن فوق كل ذي علم عليم..

وفي قصة موسى عليه السلام، عندما "جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى: (( بلى عبدنا خضر )). [صحيح البخاري، برقم(74،78) وقصته مبسوطة في سورة الكهف وفي الأحاديث الواردة فيها عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم].

المسألة الخامسة:
سهولة نشر الدعوة الإسلامية في هذا العصر، إلى كل صقع من أصقاع الأرض، نشرا عاما لكل الناس، ونشرا خاصا إلى أشخاص بأعيانهم..

فالوسائل المتاحة اليوم، من المواصلات والاتصالات... عن طريق الفضائيات والإذاعات والصحف والكتب والمنشورات، والشبكة العالمية [الإنترنت] والبريد الإلكتروني، والبريد العادي، والأشرطة [أشرطة الفيديو والكاسيت] والهاتف الثابت والمتنقل..

إضافة إلى وسائل التعليم، كإنشاء المدارس والمعاهد والكليات والجامعات، كل هذه الوسائل يمكن أن تقام بها الحجة على غالب الناس، وتنشر بها الدعوة الإسلامية بجميع لغات العالم.

ولهذا يجب على جميع الحكومات في الشعوب الإسلامية، وأغنيائها وعلمائها والمتخصصين في كل وسيلة من تلك الوسائل، أن تتخذ كل وسيلة ممكنة للقيام بذلك، ويأثم كل من تأخر عن القيام بذلك، وهو قادر عليه، مادام لم تقم بذلك طوائف كافية للقيام بالبلاغ المبين.

هذه الوسائل تقوم اليوم مقام جهاد الطلب الذي يعجز المسلمون اليوم عن القيام به، فاتخاذها والقيام بها فرض كفاية، يسقط عن المسلمين، إذا قامت بها طوائف كافية منهم.

ولو أن حكومات الشعوب الإسلامية استغلت الشباب المسلم، في هذا المجال، كل فيما يجيده ويقدر على أدائه، لكان في ذلك ملءٌ لفراغهم وتشغيلٌ لهم فيما يعود عليهم وعلى أمتهم، وعلى العالم كله بالخير العميم والنفع العظيم، وهذا ما نشاهده في الشباب الذي سلك هذا المسلك، فقام بالدعوة إلى الله أو تعليم الجاهلين بدين الله، أو بإغاثة المحتاجين من المسلمين.

المسألة السادسة:
حكم العسكريين الأجانب الذين يدخلون بلدان المسلمين باتفاق مع دولها.

لا بد هنا من التنبيه على هذه المسألة، لأن كثيراً من الشباب المسلم اتخذها ذريعة للتفجيرات في بعض البلدان الإسلامية، غيرة منهم على هذه البلدان وحرصاً على حمايتها من بقاء غير المسلمين من العسكريين فيها.

ونحن نقول:
إن الأصل ألا يمكن العسكريون غير المسلمين، من دخول بلدان المسلمين والبقاء فيها، ولكن هذا الأصل في غاية الصعوبة على حكومات الشعوب الإسلامية اليوم، لأمرين:

الأمر الأول: أنها مضطرة إلى الحصول على السلاح الذي لا تملكه، ولا تستطيع الاستغناء عنه، لعدم وجود مصانع سلاح مستقلة لهذه الحكومات، وعدم قدرتها على إيجاد تلك المصانع التي تمكنها من صنع السلاح المطلوب..

لأن الدول القوية، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت اليوم قادرة على كشف السلاح ومادته، ومصانعه في بلدان العالم كله، فهي تراقب الأجواء والبحار والبراري، ولا يخلو بلد من بلدان العالم من آلات تجسسها وجواسيسها...

الأمر الثاني: احتكار الدول القوية للسلاح ومصانعه وصناعته، فرضها شروطا مجحفة على الدول الضعيفة، ومن تلك الشروط قبول الدول المشترية لخبراء عسكريين من الدول البائعة يشرفون على ترتيب السلاح ويقومون بتدريب جيش الدول المشترية، وقد يشترطون الاشتراك في مناورات معينة...

فالدول التي تحتاج لهذا السلاح، لا تخلو من أحد أمرين:
الأمر الأول: شراء السلاح مع قبول الشروط الظالمة..
والأمر الثاني: الحرمان من السلاح، وهو أمر يعرضها للتهديد من أي دولة تريد العدوان عليها وعلى شعبها.

ومع اعترافنا بهذه الضرورة التي أخضعت هذه الدول لقبول الشروط المجحفة من الدول التي تبيع السلاح، فإننا نحمل حكومات الشعوب الإسلامية مسئوليتها عن التقصير الذي حصل منها، في الأوقات التي كان في استطاعتها إنشاء مصانع للسلاح وكل ما يقتضيه من أدوات..

وبخاصة الدول العربية التي فوتت فرصاً مواتية لإنشاء مصانع للسلاح، قبل أكثر من خمسين عاماً، عندما وقعوا في الجامعة العربية اتفاقية الدفاع العربي المشترك،التي قبرت بعد توقيعها مباشرة، بسبب خلافاتها وعدم ثقة بعضها في بعض.

http://www.omandaily.com/MONDAY/articles/art8.htm

http://www.arableagueonline.org/arab...5&level_id=121
__________________
الأهدل