عرض مشاركة مفردة
  #6  
قديم 13-07-2003, 09:28 PM
د . عبد الله قادري الأهدل د . عبد الله قادري الأهدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 609
إفتراضي الجزء السابع..

خاتمة:

أذكر شبابنا المسلم.. كما أذكر حكومات شعوبنا الإسلامية.. أننا جميعاً ركاب سفينة تتقاذفها أمواج محيطات الفتن، ويحيط بها الأعداء من كل جانب، لإغراقها وإهلاكنا جميعا، وأن واجبنا أن ننقذ سفينتنا من أمواج الفتن، ومخططات الأعداء، لتنجو سفينتنا فننجو بنجاتها، وإلا غرقنا بغرقها.

وقد حذرنا الله تعالى من الفتنة العامة التي لا تصيب الظالمين وحدهم، وإنما تصيب الظالم.. والراضي.. أو الساكت القادر على الإنكار.. بالقدرة الشرعية...

فقال تعالى: (( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) [الأنفال:25].

وأمرنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، أن نسرع بالأعمال التي ترضي ربنا سبحانه، ونسبق بها الفتن التي تتوالى على هذه الأمة في ظلمات الجهل والمعاصي..

كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله قال: ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا ). [صحيح البخاري، برقم (118)].

وحذرنا صلى الله عليه وسلم، من التقصير في حماية سفينة حياتنا من المفسدين الذين يودون إغراقها لإهلاكنا..

كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما:
عن النبي قال: ( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ). [صحيح البخاري، برقم (2361)].

وإن حماية سفينتنا من الغرق وحماية أنفسنا من الهلاك، لا يتمان إلا باعتصامنا بحبل الله، واجتماع كلمتنا على الحق، وتحقيق الأخوة الإسلامية التي تثمر المحبة والتعاون على البر والتقوى، وأن يحب كل منا لأخيه ما يحب لنفسه من الخير....

فعلى علمائنا الأفاضل أن يجتمعوا، ويتدارسوا أسباب الفرقة والنزاع، وعوامل المنكر والفساد، والأحداث الجديدة التي أقلقت الأمة الإسلامية وأفقدتها توازنها، وهددت أمنها واستقرارها.

وأن يفتحوا صدورهم لشاب هذه الأمة، ويسمعوا منهم ما يدور بخواطرهم والأسباب التي دفعت بعضهم إلى ما قاموا به من التفجيرات في البلدان الإسلامية..

وبخاصة هذه البلاد بلاد الحرمين الشريفين، ويحاوروهم محاورة الأب الحنون لأبنائه، مع الصبر عليهم والحكمة في محاورتهم، واللين في مخاطبتهم، وليس حوار الغلظة والقسوة والتأنيب.

فإن إظهار المحبة لهم والعطف عليهم، والحكمة في محاورتهم ولين الجانب لهم، كل ذلك جدير بقبولهم ما قد يظهر لهم من الحق الذي أخطأوه، والشبهات التي لبست عليهم..

إنهم أبناؤنا ونحن آباؤهم وكما نطلب منهم البر بنا، فحقهم علينا الشفقة عليهم وإشعارهم بالأبوة الحانية...

ثم عليكم يا شبابنا المسلم، ويا أبناءنا البررة أن تقتربوا من آبائكم العلماء وإخوانكم المثقفين الذين يحبونكم ويدعون الله أن يحفظكم لخدمة دينه وأمته، والذود عن أوطانكم التي يهددها الأعداء من كل مكان...

ثم إن على حكامنا في الشعوب الإسلامية، وبخاصة حكام هذا البلد العظيم، بلد الوحي والرسالة والدعوة إلى الله تعالى، أن يضعوا خطة مرنة لكيفية التعامل مع هذا الشباب الذي حصلت منه التفجيرات..

فإذا جاء أحد منهم تائباً قبل القدرة عليه، فقد يكون العفو عنه في الحق العام أنفع من مؤاخذته به..

لقوله تعالى: (( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) [المائدة: 33-34].

قال ابن كثير رحمه الله في هذه الآية في الآية الأخيرة:
"أما على قوله من قال: إنها في أهل الشرك فظاهر، وأما المحاربون المسلمون، فإذا تابوا قبل القدرة عليهم، فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل، وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة..". [تفسير القرآن العظيم (3/102)].

قال تعالى: (( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )). [الشورى: 39ـ43].

كما قال تعالى: (( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) [آل عمران: 133ـ134].

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوة الأمة في العفو والسماحة..

فقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه، فقالت:
"لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخَّاباً بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح". [الترمذي (4/369) وقال: هذا حديث حسن صحيح "الصخب كالسخب: الضجة واضطراب الأصوات للخصام"].

وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله رجلاً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ). [مسلم (4/2001) والترمذي (4/376)].

فقد يكون العفو عن التائبين في الحق العام سببا في عودة غيرهم من زملائهم، وفي ذلك نوع من المعالجة الحكيمة المؤدية إلى استتباب الأمن والتخفيف من التوترات وسفك الدماء.

(( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) [فصلت: 34].

أما الحقوق الخاصة، فمرجعها إلى القضاء، ليتخذ فيها الحكم الشرعي العادل، ما لم يعف صاحب الحق..

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) [البقرة: 178].
__________________
الأهدل