يقول الله تبارك : {والفجر وليَالٍ عشر}
يقول الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم: {والفجر وليَالٍ عشر} . إننا في أيامٍ عظيمةٍ ومباركةٍ أيامِ خيرٍ وفضيلةٍ، وليالِ خيرٍ وفضيلةٍ وبركةٍ هي ليالِ العشرِ الأوَّلِ من ذي الحجة، التي عناها اللهُ تعالى بقولِه {وليال ِ عشر}.
من هذه الأيام المباركة من العشرِ الأوائِل من ذي الحجة يومُ عرفة، وأفضلُ يومٍ عند اللهِ على الإطلاقِ هو يومُ الجمعة وبعدَه يومُ الاثنين أما يومُ عرفة فله مزيةٌ خاصةٌ خصَّه اللهُ تبارك وتعالى فيها.
روى الإمامُ أحمدُ في مسندِه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيامٍ أعظمُ ولا أحبُ إليه العملُ عند اللهِ فيهنّ من هذه الأيام العشر، العشر الأوائِل من ذي الحجة فأكثروا فيهن التهليل لا إله إلا الله، والتكبير والله أكبر، والتحميد والحمدُ لله. أما صيامُ هذا اليوم فسنةٌ عظيمةٌ لكن بما أنه وافقَ يومَ الجمعة فلا تُفرِدوه بصومٍ بل لا بد من أن يصومَ الخميس الذي قبلَه وإلاّ كُرِهَ إفرادُ هذا اليوم بصومٍ لكونِهِ وافقَ يومَ الجمعة.
وكذلك قول الله تعالى في القرءان الكريم {واذكروا الله في أيام معدودات}. سورة البقرة / ءاية 203.
عنى اللهُ تبارك وتعالى في هذهِ الآيةِ الكريمة هذه الأيامِ العشرِ التي نحن فيها فنسألُ اللهَ تعالى أن يَتقبل فيها طاعاتِنا وأن يتقبَّلَ حُجاجَ بيتِ اللهِ الحرامِ ويَكتُبَ لنا الحجَّ وزيارةَ قبرِ نبيِّهِ محمد عليه الصلاةُ والسلام.
أكثرُ الحُجاجِ ذهبوا إلى عرفة يومَ الثامن يوم التروية وأما اليوم فهو يومُ التاسعِ من ذي الحجة وهو يومُ عرفة وفرضيةُ الوقوفِ بعرفةَ تبدأُ بدخولِ ظهرِ هذا اليوم وينتهي الوقوفُ بطلوعِ الفجرِ، فجرِ العيد هذه المسافةُ الزمنية من كان فيها في عرفةَ، من كان فيها بعرفةَ ولو لدقائِقَ، حُسِب له أنه كان في عرفة، حُسِب له الحجُ وإلا فمن كان قبلَ ظهرِ هذا اليوم أو من ذهبَ الى عرفةَ بعد الفجرِ الذي سيأتي، لا يُحسبُ له الحجّ فقد فاته الحجُ، فقد فاته الحج. الوقوفُ بعرفة لايُشترط له صلاةٌ مخصوصة ولا ذِكرٌ مخصوص ولكنَّ العلماء استحسنوا أن يقولَ الذي يتوجه الى عرفة أن يقول: اللهم إليك توجهتُ ولوجهك الكريم أردت فاجعل ذنبي مغفورًا وحجي مبرورًا وارحمني ولا تخيِّبني إنك على كلِ شىءٍ قديرٍ.
ويُكثرُ من التلبيةِ بقولِه: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك.
ولعرفةَ حدودٌ مع كونِها مُتَراميةُ الأطرافِ واسعة، لا بد أن يتقيَّد الحاجُ أن يكونَ ضمنَ حدودِ عرفةَ بعضَ الوقتِ ما بين الظهرِ الى الفجر ثم لو خرجَ الى الحدودِ بعد ذلك لا يؤثر حيثُ أنَّ مسجدَ نَمِرَة الذي هو في عرفةَ جزءٌ منه خارجُ عرفة وجزءٌ منه أيضًا هو داخلُ عرفة فَليَتَنَبّهِ الحاجُ الى هذه الأحكام الشرعية. وفي عرفة يُسَنّ للحاج أن يجمعَ بين الظهرِ والعصرِ جمعَ تقديمٍ أي في هذا الوقتِ يجمعُ العصرَ إلى الظهرِ كما فعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ويُسنُ أن لا يَخرُجَ من عرفةَ قبلَ الغروبِ إلاّ أنَّ عادةَ الحجاجِ أن يخرجوا بعدَ الغروبِ ولو بقليلٍ ينفِرون من عرفات فمن مكثَ النهارَ وغربَت عليهِ الشمسُ شمسُ هذا اليومِ وهو بعرفةَ فقد حَصَّلَ أن وقفَ بعرفةَ جزءًا من النهارِ وجزءًا من الليلِ حصلت له السنةُ المباركة ويسنُّ أن يكونَ خاشعًا للهِ قلبُه، أن يكون متطهرًا، أن يكون فارغ القلبِ، مكثرًا من التسبيحِ والتكبيرِ والتهليلِ يُكثر من تلاوة القرءانِ، يُكثر من الدعاءِ وتلاوةِ القرءانِ ولا سيما من سورةِ الحشرِ.
وبعد غروبِ هذا اليومِ يخرجُ الحجاجُ يقصدون مزدلفةَ التي هي بين عرفة ومِنى وفي الليلِ يلتقطون الحصيات فمن أراد أن يرمِيَ أربعة أيامِ يلتقطُ سبعين حصاةً ومن أرادَ أن يخرجَ من مِنى وأن لا تغربَ عليه شمسُ رابعِ العيد فإنه يرمي تسعًا وأربعين حصاةً يرمي يوم العيد سبعَ حصياتٍ فقط في جمرةِ العقبة ثم في اليومِ الأولِ من أيامِ التشريقِ الثلاثةِ التي تلي العيد يرمي واحدًا وعشرين حصاةً كلَّ يومٍ، بعدما يخرجُ الحجاجُ من عرفات يقصدون مزدلفةَ وفي الليل يلتقطون الحصيات ثم بعد منتصف هذا الليل يبدأ رمي جمرة العقبة، بعد منتصف هذه الليلة يبدأ طواف الحج، بعد منتصفِ هذه الليلة يبدأُ الحلقُ أو التقصيرُ للرجلِ، والمرأةُ تقصرُ فقط أما من رمى جمرةَ العقبةِ قبل منتصفِ هذه الليلة ما صحَّ منه ذلك ومن طافَ حولَ الكعبةِ طوافَ الحجِ قبل منتصف هذه الليلة ما صحَّ منه ذلك، لأنَّ الرميَ رميَ جمرةِ العقبةِ رميَ الجَمرة الكبرى وكذلك طواف الفرض له وقت ابتداء وهو دخول منتصف هذه الليلة، فليتنبه فإن هذا الأمر لا يصح بدونه الطواف وكذلك الرميُ. كثيرون من الناس لا يهتمون في مناسك الحج إلا للدعاء وثياب الإحرام فقط مع أن الدعاء بركة لكن يقدم الفرض على السنة ولا يجوز تفويت الفرض ومجرد حفظ الأدعية المسنونة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بين في حديثه الشريف أن الرجلَ الأفضل له أن يحلِقَ جميع شعرهِ، قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر للمحلفين قالوا: والمقصّرين يا رسول الله ثم قال: والمقصرين، وأقلُ ما يَأخُذ الرجل من شعر رأسه ثلاث شعراتٍ يقصها. إذا أراد القص من حدود رأسه لا من رقبتِه مثلاً ولا من العذارين يقص من شعر رأسه من حدود رأسه ثلاث شعراتٍ. ثم بعد منتصف الليل أيضًا إذا أراد الطواف لا بد له من طهارةٍ كاملةٍ إذ أن الطواف بالبيت صلاة، وهو يطوف يسنّ له أن يدعو وهو على طهارةٍ كاملةٍ كما في الصلاة كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ومن لم يكن سعى قبل عرفة لأن من الحجاج من يدخل مكة ويطوف طواف السّنة، طوافَ القدوم له بعده أن يسعى بين الصفا والمروة سعي الفرض سعي الحج قبل عرفة. فمن سعى سعي الحج سعيتي الفرض قبل عرفة ولا يكون السعي إلا بعد طوافٍ فإنّه بعد عرفات لا يعيد السعي مرة ثانية وأثناء سعيه ولا يشترط له الطهارة بخلاف الطواف حول الكعبة يسنّ له أن يقول: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ويقرأ القرءان ثم يبقى عليه رميُ أيامِ التشريقِ هو يومُ غدٍ يكون اليوم العاشر من ذي الحجةِ، يكون يوم العيد، يكون يوم النحر، والأيام الثلاثة التي بعده تسمى أيام التشريق لأنهم كانوا بعد أن ينحروا لله تعالى يُشرِّقونَ اللحم، يجففونه، يُعرِّضونه للشمس فسميت أيام التشريق يعود بعد الطواف إلى منى للمبيت. فاليوم الأولُ واليومُ الثاني واليوم الثالثُ من أيام التشريق رمي الجمرات الثلاث يبدأ بعد دخول الظهر ولا يصحُ أن يرميَ قبل الظهر هذا لمن أراد أن يتمّ الرميَ ولم يخرج من منى وقد غَرَبَ عليه شمس اليوم الثاني أي شمس الليلة الثالثة من أيام التشريق فإنه يسقط عنه رمي اليوم الثالث من أيام التشريق فيكون رمى تسعًا وأربعين حصاةً فقط.
هذا الحج يكون على هذا السبيل حج إفرادٍ أو كان عمِلَ العمرة قبل ذلك فيكون تمتعًا وأما من أراد أن يحجّ ويعتمرَ فيكون كما ذكرنا في الخطبة الماضية عند الإحرام قبل أن يدخل في الإحرام يكون قد قصد الحج والعمرة معًا فينوي بقلبه: نويت الحج والعمرة لله تعالى ثم يكثر من التلبية
|