حجة الإسلام الغزالي ومسألة الجهاد (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الكونين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
يقول السيد أسعد الخطيب في كتابه (البطولة والفداء عند الصوفية) :
الفصل السابع عشر
الإمام الغزالي ومسألة الجهاد
ونحاول أن نقف قليلا عند أبي حامد الذي أخذ عليه بعضهم عدم مشاركته في قتال الصليبيين . وفي الواقع يجب علينا هنا ملاحظة أمرين :
الأمر الأول : أن حياة الغزالي امتازت بكونه فيلسوفا وفقيها صوفيا ، ومصلحا اجتماعيا ، ومخططا سياسيا .
الأمر الثاني : أن العصر الذي عاش فيه الغزالي ، كان عصر ضياع وتشرذم ، فيه مزيج من اختلاطات المذاهب والآراء والأفكار ، فأراد أن يأخذ على عاتقه عبء النهضة والإصلاح ، فبينما كان الصليبيون يتأهبون لمهاجمة العالم الإسلامي مستغلين فقدان الخلافة العباسية هيبتها ، كان الغزالي يتهيأ لمعالجة جذور المشكلة ، وأسباب الداء الذي بدأ ينخر داخل جسد الأمة ، وتفسير هذا الخلل بالخلاف . ( أي : افتراق المسلمين فرقا متصارعة والتماس الحل في توحيد الذهن والسياسة ، وطريق هذا كله يتمثل بالعودة إلى إسلام الأصل ) حتى يتماسك الجسم الإسلامي المنخور وتعود إليه العافية والسلامة وتنشر الفضيلة التي إن تمسك المسلمون بها ، فذلك سيمكنهم من النصر على أعدائهم .
وفي وصية عمر بن الخطاب –رضي لله عنه- إلى قادة عسكره ما يعزز هذا الكلام : " إن لم ننتصر ليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا ، ... ولا تقولوا إن عدونا شر منا ، فلن يسلط علينا ، فرب قوم سلط عليهم شر منهم ، كما سلط على بني إسرائيل لما علموا بمعاصي الله ، فجاسوا خلال الديار ، وكان وعدا مفعولا "
ومع شخصية ذات عمق وسعة ونظر ثاقب كشخصية الغزالي ( رأت أن إصلاح الميدان الأخلاقي كفيل بإصلاح بقية نواحي المجتمع من سياسة وعسكرية وغيرها . وعد ذلك فرض علين بالنسبة له ، لا يسد مسده سواه ) ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
وقد أقام الحق تعالى الغزالي حتى يكون في الناس من يحفظ به العقائد الصحيحة ، ويدفع شبه الملحدين والمبطلين ، وأجره أعظم من أجر المجاهد بكثير . فاستحق عند الجميع أن يكون حجة الإسلام .
ونحن هنا نشارك الدكتور محمد زنيبر –رحمه الله- في عزوه الأسباب الميقة للإنتصارات على الصليبيين : إلى جهد الذي رصده هذا المفكر الإسلامي الكبير (أبو حامد الغزالي) من اقتناع بأن الإسلام أصبح في حاجة إلى من يعرف به من جديد ، حتى يحيا في لقلوب ، ويدرك أهله سر تعاليمه ، وعنوان مؤلفه الأكبر ذو دلالة كبيرة "إحياء علوم الدين" وقد تجسدت روح الاحتساب وإخلاص النية التي دعا إليها منذ بداية الحروب الصليبية في أبطالها . وعلى رأسهم نور الدين وصلاح الدين ، اللذان تأثرا بأفكاره غاية التأثر ، كما مر معنا عند كلامنا عن النوازع الصوفية عند هذين البطلين .
وهذا التحليل لا يدعو للغرابة ، فصيحة الإمام الغزالي لم تكن صيحة في واد ، ولا نفخة في رماد ، ذلك أن الفكرة الصالحة تعبق وتنتشر ولو بعد سنين ، والبذرة الطيبة تخصب وتنبت ولو بعد حين (( فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ))
ويفرد الغزالي في كتابه ( مكاشفة القلوب ) بابا خاصا عن فضل الجهاد ، ويورد في ذلك عددا من الأحاديث الشريفة . ومنها ما ملخصه :
( أن رجلا أراد الاعتزال ، ثم استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له الرسول الكريم : لا تفعل ، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، ويدخلكم الجنة ، اغزوا في سبيل الله )
وعلق –طيب الله ثره- على ذلك : إذا كان الصحابي الجليل لم يأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العزلة مع اجتهاده في الطاعات ، بل أرشده إلى الجهاد ، فكيف يليق بنا تركه ، مع قلة طاعاتنا ، وكثرة سيئاتنا . (الباب 76 في فضل الجهاد)
يتبع إن شاء الله ،،،
|