الرؤى وأحلام النصر
د.بـــاســــم خــفـــاجــي¨
www.khafagi.com
كلنا يقول كذب المنجمون ولو صدقوا .. وأغلبنا يعتقد أن هذه الأمة لا تأخذ شريعتها ولا فقهها من الرؤى والأحلام .. وكلنا أيضاً يؤمن أن الرؤيا الصادقة حق .. ولكنني اليوم أكتب عن ظاهرة عجيبة تنتشر بين أبناء الأمة في أوقات الأزمات .. ألا وهي تداول الرؤى والتعليق عليها بنوع غريب من التصديق والاهتمام رغم أن الجميع يعلن أن الرؤى ليست أكثر من بشارات.
لقد زرت أحد مواقع المنتديات الإسلامية على شبكة الإنترنت وهو موقع يقدم نفسه أنه ملتزم بمنهج أهل السنة والجماعة .. وأعجبتني الموضوعات المطروحة في الموقع، ولكن لفت نظري الاهتمام الكبير بموضوع عن رؤيا من الرؤى المتعلقة بالأحداث الأخيرة في نيويورك وواشنطن مقارنة بباقي الموضوعات.
فرغم أن معظم الموضوعات الشيقة في هذا الموقع لم تحظ بأكثر من بضع عشرات من القراء، فإن موضوع الرؤية الذي لم يزد عن بضعة أسطر تسرد رؤية لأحد الأشخاص حول الأحداث الأخيرة قد زاره أكثر من 12 ألف قارئ في مدة لم تتجاوز الأسبوعين.
والأغرب من ذلك هو تكرار تلك الظاهرة في أغلب المنتديات الفكرية والإسلامية العربية على شبكة الإنترنت. البعض يضع بعض الضوابط والتحذيرات الإسلامية أو الفكرية مرافقة للرؤى ولكن في كل الأحوال فإن موضوعات الأحلام المبشرة بالنصر تمتعت بالنصيب الأوفر من اهتمام القارئ العربي والإسلامي سواء في المواقع والمنتديات الجادة أو في منديات السمر والفكاهة والرياضة.
بعض المواقع أفرد أيضاً مساحات وموضوعات مستقلة للحديث عن نبوءات نوردسترام وأمثاله .. وتمتعت هذه الموضوعات كسابقتها بآلاف القراء والمتابعين. وفي المقابل فقد بحثت في مواقع الحوارات الغربية الأمريكية والأوربية التي اهتمت بالأحداث الأخيرة أيضاً، فرأيتهم يتحدثون عن واجبهم تجاه مستقبل أمتهم وكيف يتعاملون مع الأصولية الإسلامية والخطر العربي القادم ولم أجد هذا الولع بالرؤى والنبوءات الذي انتشر بين قراء العربية ورواد المواقع الإسلامية على الشبكة.
إن الرؤى الصادقة من بشارات الخير للأمة .. ولا شك في إمكانية حدوثها .. وفيما تحمله من علامات النصر على الأعداء. ولكن الواضح أن الكثير منا أصبح ينتظر هذه الرؤى لكي يريح نفسه من عناء تحمل المسؤولية تجاه مشكلات الأمة. بل أظن أن البعض يسارع إلى التمسك بهذه الرؤى وترديدها لكي يخلص نفسه حتى من جهد التفكير في الواقع الأليم الذي نعاني منه.
من منا لا يذكر الرؤى والأحلام .. بل وحتى الأحاديث التي تناقلتها الألسن أيام حرب الخليج عن البطل الذي سيخرج من بين النهرين ليقاتل اليهود .. وتعلقت بعض القلوب بالبطل القادم من بغداد لتحرير فلسطين .. وانتشرت التفسيرات للرؤى والأحلام والأحاديث التي تناقلتها الشعوب عن الفارس العربي .. وقابلتها رؤى وأحلام عن آيات الأمريكان!! وقبل البعض بفكرة أن يبدأ الطريق إلى فلسطين من محطة الكويت، أو أن يعود الأمان بل والإسلام على أيدي الأمريكان.
وكثرت في تلك الأيام الرؤى والرؤى المضادة. وكنت أظن أن العشر سنوات الماضية قد أنضجت من أفكارنا واهتماماتنا لنندفع إلى العمل وقت الأزمات وإلى إدراك أن الواقع لن يتغير بالرؤى والأحلام ولكنه يحتاج إلى من يحلمون ويعملون بعيون مفتوحة .. من يحولون الرؤى إلى واقع .. وليس من يشغلون أنفسهم ويبددون طاقاتهم في تفسير الرؤى وتناقلها وانتظار تحقيقها.
أنا لا أشكك في صدق رؤى وأحلام اليوم .. أو صدق من يتناقلها أو يعبرها .. ولكنني أشكك وبكل قوة في جدوى إنفاق الأوقات في الحديث عنها وتداولها والبحث المستمر عن الرؤى الجديدة التي تبشرنا أن النصر قادم حتى وإن لم نعمل .. وحتى وإن تركز جهدنا في رواية الأحلام وجمعها وترتيبها ونشرها.
عندما حلت بالأمة أزمة الخليج من أكثر من عقد من الزمان .. تخيل المحللون أن من يتداول هذه الأمور ويكثر من الحديث حولها هم عامة الناس من البسطاء وأصحاب العقول المحدودة على حد تعبير البعض. ولا أظن أن هذه العبارات تنطبق اليوم على رواد منتديات الشبكات الإليكترونية فهم من المثقفين ومن القادرين على التعامل مع الحاسب الآلي .. وممن يملك أن ينفق الوقت والمال للتعبير عن أفكاره عبر هذه المنتديات الفكرية والإسلامية.
أن نتراخى في انتظار تحقق الرؤى والأحلام جريمة في حق أنفسنا وأمتنا والأمانة التي كلفنا بحملها. وأن نتصور أن الرؤى تغني عن العمل جهل لا يليق أن نوصم به ونحن حملة أشرف الرسالات. لن يتحقق الانتصار دون أن نقدم كأفراد ومجتمعات التضحيات اللازمة لنيل هذا الشرف، ولن تغنينا الرؤى عن العمل الجاد.
وإذا أردنا أن نتعرف على أسباب الانهزامية والتخلف الحضاري الذي تعاني منه الأمة، فلسنا في حاجة إلى أكثر من جولة لبضع ساعات في المنتديات العربية الإليكترونية وغير الإليكترونية لنكتشف ضحالة الاهتمامات وقلة الجهد وسذاجة التعامل مع الواقع المعقد لعالم اليوم.
الكل يبحث عن الكلمات الرنانة .. والشعارات التي لا يختلف عليها أحد. الموضوعات مكررة والمواقف الكلامية حادة وتنحى إما إلى الإفراط أو إلى التفريط .. إلى المبالغة أو إلى التفاهة .. أغلبنا تحول إلى متفرجين .. نقرأ المقالات ولا نهتم إلا بانتقادها .. ننظر إلى كل من يعمل فنشير بأصابع الخبراء إلى مواطن الخطأ واحتمالات النجاح .. ولكننا لا نتقدم إلى العمل، فلسنا في حاجة إلى ذلك إذا تسلحنا بالرصيد الكاف من الرؤى التي تقطع بالانتصار.
إن الأحداث التي ستمر بها الأمة في الأيام القادمة سيكون ثمنها غال.. وكل منا قادر على أن يكون سهماً من سهام النصر بدلاً من أن يكون رقماً على مقاعد الانتظار. الدعاء سهم من سهام الرحمن .. والعمل الجاد قادر بإذن الله على تحويل الرؤى إلى واقع مشهود .. والكلمة الصادقة قادرة على رفع الهمم وتحريك الجبال .. وعزيمة المؤمن لا يهزمها عتاد أعدى الأعداء. وستنتصر الأمة بنا وبغيرنا .. ولكن هل سيكون لنا نحن أفراداً ومجتمعات في رؤى المستقبل مكان؟
¨ رئيس مجلس إدارة الـمجـمــوعــة الإعـلامـيــة الـدولـيــــــة – واشـنـطــن – الـولايـات الـمـتحـدة الأمـريـكـيــة.
www.khafagi.com