من أراد الجهاد
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كلمة قامت بها الأرض والسموات؛ وفطر الله عليها جميع المخلوقات؛ وعليها أسست الملة ونصبت القبلة؛ ولأجلها جردت سيوف الجهاد؛ وبها أمر الله سبحانه جميع العباد؛ فهي فطرةُ الله التي فطر الناس عليها؛ ومفتاحُ العبودية التي دعا الأممَ إليها ؛ وهي كلمةُ الإسلام ومفتاحُ دارِ السلام؛ وأساسُ الفرض والسنة ؛ ومن كان آخرُ كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرتُه من خلقه؛ وحجته على عباده؛ وأمينه على وحيه؛ أرسله رحمةً للعالمين وقدوةً للعاملين؛ ومحجةً للسالكين؛ وحجةً على المعاندين؛ وحسرةً على الكافرين؛ أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا ؛ وأنعم به على أهل الأرض نعمةً لا يستطيعون لها شكورا؛ وأنزل عليه كتابَه المبين؛ الفارقَ بين الهدى والضلالِ والشكِ واليقين؛ فشرح له صدرَه ووضع عنه وزرَه ورفع له ذكرَه وجعل الذلة والصَّغار على من خالف أمرَه. فهو الميزانُ الراجحُ الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال؛ والفرقانُ المبينُ الذي باتباعه يُميز أهلُ الهدى من أهل الضلال؛ ولم يزل صلى الله عليه وعلى آله وسلم مشمرا في ذات الله تعالى ؛ صادعا بأمره ؛ إلى أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد فأشرقت برسالته الأرضُ بعد ظلماتِها ؛ وتألفت به القلوب بعد شتاتِها ؛ وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ؛ والطريق الواضحة الغراء ؛ فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه؛ ومن استن بسنته واهتدى بهديه وسلم تسليما كثيرا.
وبعد .. عباد الله..
فقد صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا تبايعتم بالعينة ، وتبعتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذُلاًّ لا يرفعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم ).
وإن الناظر إلى أحوال أمتنا الإسلامية ليرى في هذا الحديث العظيم دليلا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم وعلما من أعلامها ، فإنه يتحدث عن واقع تعيشه هذه الأمة الممزقة التي ابتعدت عن دينها وتبعت الطرق المردية.
والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تبايعتم بالعينة) : وصف لذلك البيع المحرم الذي انتشر بين صفوف كثير ممن يدعون الإسلام وقد دخلهم النقص والإخلال في دينهم؛ والإقلال في اتباع سنة نبيهم صلوات ربي وسلامه عليه، وذلك لضعف يقينهم بالله جل وعلا ، ولأنهم أُناس طمعوا في هذه الدنيا وركنوا إليها وخلفوا الآخرة وراء ظهورهم فتبايعوا بهذا البيع المحرم.
وبيعُ العينة : أحد المعاملات الربوية ؛ وصورته : أن يأتي أحد الناس إلى آخر فيشتري منه سلعة.. أيَّا كانت هذه السلعة .. سواء كانت سيارة، أو فرشة، أو كرسي، فيبيعه هذه السلعة بثمن مؤجل فيقول : أبيعك هذه السلعة بثمن مؤجل بخمسة آلاف دينار مثلا ، ثم يذهب هذا الفرد فيكتب له إقرارً بأنه مُدان لفلان بمبلغ خمسة آلاف دينار، ثم يأتي نفس هذا الشخص الذي باع هذه السلعة فيشتريها من الرجل بثمن حالٍ حاضر أقل مما كتبه عليه بثلاثة آلاف مثلا.
فهو في هذه الحالة باع هذه السلعة بثمن مؤجل مؤخر كبير بخمسة آلاف ، ويكون ثمن السلعة أغلى من ثمنها الحقيقي بالطبع ، واشتراها بثمن حاضر رخيص .
باعها البائع بثمن مؤجل بخمسة آلاف دينار، وكتب عليه خمسة آلاف دينار في ذمته، ثم اشتراها منه هو نفسه في نفس المجلس بثلاثة آلاف دينار.
وما هذا البيع إلا من باب الاحتيال على الربا وإلا فالمشتري أصلا لا يريد السلعة والبائع لا يريد بيعها ولكن كل هذا من اجل الحيلة على الربا.
فهذا هو بيع العينة وهو بيع محرم ، وهو من البيوع الربوية المحرمة.. والتي من تعامل بها فقد آذن بحرب الله ورسوله قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} ؛ كما ورد فيه الوعيد الشديد على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فعن جابر رضى الله عنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء ).
وقد حذر صلوات ربي وسلامه من التعامل في الربا وبين أن من أتاه فقد فتح على نفسه أبوابا من العذاب فقال صلى الله عليه وسلم : (ذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ). وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه هذا الوقت الذي انتشر فيه بيع العينة ، وأصبح كثير من الناس يتحرى حصول المال دون الالتفات إلى حله أو حرمته.. المهم أنه يقبض المال سواء كان هذا المال من حلال أو من حرام فلا يهم .
ولا أظن أنه هذه الصورة تحتاج إلى كبير بسط ، فقد كَثُرَ المتعاملون بها، لا كثَّرهم الله، ونسأله سبحانه وتعالى أن يسلط عليهم تسليطا من عنده، حيث إنهم استغلوا المسلمين ودمروا بيوتهم، وبعضهم يكتب على الناس الشيكات بالمبلغ العالي، ثم يأتيه فيهدده فيأخذ بيته وبيت أولاده بثمن قليل.
فهذا المرابٍي وأمثاله لا يجوز التعامل معهم في هذه الصورة ويجب تحذير المسلمين منهم لأنهم وباء ، وإذا أراد المسلم مالا أو احتاج فيذهب ويستدين ، ولا يلجأ لبيع العينة؛ ولا يقول لم أجد من يعطيني ..
وواللهِ إن علم اللهُ صدقه يسر له قال تعالى: { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب }. فبيع العينه حرام لأن هذا البيعَ ليس مقصودا فيه البيع، إنما الذي اشترى السيارة لا يريد أن يستعمل السيارة، ولكنه يريد أن يحصل على هذا المبلغ، فيشتريها من الرجل ويبيعها عليه إذن المقصود المال يأخذ مبلغا من المال حاضرا ويسدده مؤجلا بزيادة ، إذن هذه الصورة ما هي في الحقيقة إلا حيلة للربا ، وحَرِّيٌ بهؤلاء أن يمسخهم الله سبحانه وتعالى، فإن الله جل وعلا لمّا احتال بنو إسرائيل مسخهم قردة، لأن القرد أشبهُ ما يكون خلقةً في الإنسان مع بعض الفرق، وهؤلاء حَرِّيٌ بأن يمسخهم الله لأنهم تعاملوا بالحيل، يظنون أنها تخفى على عالم الغيب والشهادة ؟؟؟
سبحانه وتعالى عما يظنون.. { وربك يعلم ما تُكن صدورهم وما يعلنون}.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وتبعتم أذناب البقر) فالمقصود فيه أن الإنسان يعمل بالحرث وهذه الوظيفة وإن كانت حلالا فإن فيها شيئاً من الذلة.. فإن العرب كانوا يركبون الخيول ويفخرون بها، ويسابقون عليها، ويرون أن من كانت عنده فرسا فقد ملك مالا عظيما، وبعد هذا انتهى بهم الحال إلى الذلة أن تبعوا أذناب البقر، يحرثون عليها ويتقوتون، إذاً ركنوا إلى الدنيا.. بوظيفة تدل على دنو الهمة ، فذلك صاحب العينة ركن إلى الدنيا بحرام، وهذا ركن إلى الدنيا بشيء من الذلة والوضاعة.
(وتبعتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع) أي أن الإنسان يريد الدعة ويريد الجلوس والهدوء في بيته ولا يريد أن يرفع بالدين رأساً.
( وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذُلاًّ لا يرفعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم) والجهاد عباد الله إما أن يكون جهاد المنافقين ، أن يجاهد المسلم المنافقين بيده ولسانه وقلمه وماله وهذا هو جهاد خاصة عباد الله والعلماء وورثة الرسل ، وإما أن يكون جهاد المعارك جهاد السيف والسنان، وهذا يدخل فيه جميع الناس.
وكأنه صلوات ربي وسلامه عليه لما أشار لنا في ذلك الحديث السابق على بيع العينة وعلى اتباع أذناب البقر، كأنه يقول إذا أردتم أن تجاهدوا فيجب عليكم أولاً أن تصلحوا أحوالكم مع الرب سبحانه ؛ وهذه إشارة إلى أن المسلم الذي يريد الجهاد يجب عليه أن يصلح الحال، إذاً الجهاد ليس بالمؤتمرات التي يَخطب بها العلمانيون والفساق والفاسقات اللاتي يكتبن الروايات الجنسية، والجهاد ليس بالمسيرات التي يختلط بها من يزعم أنه يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم فيختلط مع أعداء الله ورسله من المنافقين، والذين يسبون الصحابة ويلعنونهم ويتهمون عرض عائشة رضي الله عنها، المطهرة من فوق سبع سماوات ممن له مآرب سياسية في المسيرات.... ؛ ليس هذا هو الجهاد؛ والجهاد ليس بإقامة الاوبيريتات الغنائية الفاسدة ومحاولة إقناع التائبين ممن تابوا من الغناء داعية الفجور حتى يعودوا إليه ؛ كما فعله ذلك الفاسق الخبيث الذي يمثل دور الدعاة وهو حليق اللحية ويلبس البدلة الإفرنجية وقد فُتن به بعض أصحاب القلوب المريضة وجعلوا له مكانة وأقاموا له المحاضرات وهو لم يتزيّ بزي الإسلام الظاهر بل بزي الفساق والذي يقوم مجتهدا-هذه الأيام- بكل وقاحة وقلة حياء بمحاولة إقناع إحدى الفنانات التائبات للرجوع للغناء في أوبريت يضم الفساق والمجنة ممن ينشرون الرذيلة بين صفوف المسلمين ؛ فهذا وامثاله أولى بالجهاد؛ وجهاد هذا ومن شابهه وبيان حالهم للناس من أعظم الجهاد لأنهم يلبسون الدين ما هو منه بريء ويطعنون بالدين باسم الدين؛ ويفتحون عليه أبوابا من الشر ويخرقون فيه خروقا لا ترتق .الشيخ سالم العجمي
__________________
وأئمة أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج، ونهى عن قتال الولاة الظلمةابن تيمية واعلموا أن هذا العلم دين، فانظروا ما تصنعون، وعمن تأخذون، وبمن تقتدون، ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون، أفّاكون، آثمون. الإمام الاوزاعي ومن كان محسنًا للظن بهم، وادعى أنه لم يعرف حالهم، عُرِّف حالهم، فإن لم يباينهم، ويظهر لهم الإنكار، وإلا أُلْحق بهم، وجُعل منهم. ابن تيمية
آخر تعديل بواسطة الطاوس ، 03-05-2006 الساعة 02:27 PM.
|