تقرير: طالبان تجني فوائد الاختطاف.. أحرجت أمريكا وانتزعت اعترافا بوجودها
الأهرام / جاءت إدارة حركة طالبان الأفغانية لأزمة الرهائن الكوريين الجنوبيين لتمثل لطمة جديدة للولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الأفغانية, وتؤكد أن الحركة- بعد ست سنوات من سقوطها- مازالت تمثل قوة حقيقية في أفغانستان, وتتمتع بتنظيم جيد جعلها تحقق مكاسب سياسية عديدة من هذه الأزمة, دفعتها إلي تمديد ثلاث مهل للحكومتين الأفغانية والكورية الجنوبية لتحقيق مطالبها, قبل إعلانها أنها لن تقتل أيا من الرهائن قبل التفاوض المباشر الجاري حاليا مع الوفد الكوري الجنوبي.
الأزمة تفجرت باختطاف حركة طالبان ثلاثة وعشرين كوريا جنوبيا بينهم ثمانية عشر امرأة في التاسع عشر من شهر يوليو الماضي, وطالبت الحركة الحكومة الأفغانية بالإفراج عن سجنائها مقابل إطلاق سراح الرهائن, لكن هذه المطالب قوبلت كالعادة برفض الرئيس حامد كرزاي والحكومة الأفغانية, خصوصا بعد الجدل الذي أثارته عملية الإفراج عن الصحفي الإيطالي دانييلي ماسترو جاكومو في مارس الماضي, وتأكد الرفض الأفغاني علي تحقيق مطالب الحركة بعد اللقاء الأخير الذي جمع الرئيسين الأمريكي جورج بوش والأفغاني حامد كرزاي أخيرا في كامب ديفيد, الذي اتفق خلاله الرئيسان علي أنه لن يكون هناك أي تنازل مع طالبان بشأن أزمة الرهائن, وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جوردون جوندور إن بلاده تعمل قدر المستطاع مع الحكومتين الأفغانية والكورية الجنوبية لتسريع عملية الإفراج عن الرهائن, موضحا أن أي تنازل من قبل كابل سيشجع طالبان علي المضي في عمليات الخطف.
الحركة الأفغانية أدارت الأزمة الحالية للرهائن الكوريين الجنوبيين بطريقة تؤكد رغبتها في تحقيق أقصي استفادة, وهو ما دفعها إلي تمديد أكثر من مهلة, ورغم قتلها اثنين من الرهائن في بداية احتجازهم, إلا أنها عادت وأعلنت أنها لن تقتل الآخرين قبل إجراء المحادثات المباشرة مع الوفد الكوري الجنوبي الذي ذهب إلي أفغانستان لهذه الغاية, كما سربت الحركة عن طريق أحد الرهائن- الذي اتصلت به الخارجية الكورية- أنها قامت بتقسيم المختطفين إلي مجموعات صغيرة في مناطق متفرقة, ويعني ذلك فشل أية محاولة لتحرير الرهائن باستخدام القوة, وهو ما دفع الكوريين إلي مطالبة القوات الأمريكية والحكومة الأفغانية بعدم القيام بأية عملية عسكرية قد تودي بحياة الرهائن.
وعلي الرغم من الرفض الأمريكي الأفغاني للتفاوض مع حركة طالبان وتنفيذ مطالبها, فإن الحركة حققت عددا من المكاسب السياسية من أزمة الرهائن الكوريين الجنوبيين, منها أن الحركة عادت بقوة إلي واجهة الإعلام العالمي وأكدت أنها تتمتع بالقوة العسكرية علي الأرض وأنها ليست مجرد مجموعة من الفلول كما تصورهم الإدارة الأمريكية, خصوصا مع ارتفاع عدد الرهائن هذه المرة, وهو ما يعني فشل أمريكا ودول التحالف المشاركة لها في حربها بأفغانستان في حسم المعركة لصالحها بعد مرور ست سنوات كاملة علي إسقاط الحركة, ومن شأن ذلك تأليب الرأي العام الداخلي في تلك الدول وزيادة مساحة المطالبة بسحب القوات من معركة خاسرة ولا نهاية لها.
ولعل الهدف الأهم الذي حققته طالبان من أزمة الرهائن الكوريين كان انتزاعها الاعتراف بوجودها, حيث سعت حكومة كوريا الجنوبية- تحت ضغط من الرأي العام الداخلي- إلي إجراء محادثات مباشرة مع ممثلين عن الحركة, ومن جانبها حاولت طالبان استثمار ذلك الاعتراف بطلبها أن تقدم الأمم المتحدة ضمانات لحفظ سلامة أعضاء وفدها, وبالتالي يكون هناك اعتراف ضمني من المنظمة الدولية أيضا بوجود الحركة كقوة علي الساحة السياسية الأفغانية, ويمثل ذلك صفعة قوية للإدارة الأمريكية والحكومة الأفغانية خصوصا أنهما تعارضان بشكل دائم إجراء محادثات مع الحركة الأفغانية تمنحها مكاسب سياسية.
وفي محاولتها لإثبات حسن النيات تجاه حركة طالبان قبل التفاوض المباشر معها أمرت كوريا الجنوبية منظمات الإغاثة التابعة لها بمغادرة أفغانستان في نهاية أغسطس الحالي, كما سبق وحظرت علي مواطنيها السفر إلي أفغانستان بعد عملية الاختطاف, ومن المتوقع أن تطلب الحركة الأفغانية من الحكومة الكورية الجنوبية سحب قواتها من أفغانستان, خصوصا مع تصريحات الكوريين بأنهم لا يملكون تحقيق مطالب الحركة بتحرير سجنائها لدي الحكومة الأفغانية, وفي حال نجحت الحركة في انتزاع وعد من الكوريين بسحب قواتهم تكون قد حققت هدفا مهما ومطلبا أساسيا ودائما لديها بعزل القوات الأمريكية وكسر التحالف الدولي ضدها.
أزمة الرهائن الكوريين الجنوبيين تعزز أيضا الطرح بأن حركة طالبان أصبحت تتمتع بدعم كبير من المواطنين الأفغان, نتيجة للعداء بينهم وبين القوات الأجنبية نتيجة لقصف تلك القوات الدائم للمدنيين وسقوط المئات منهم بين قتيل وجريح, كما أكدت الأزمة محدودية وفقر المعلومات الاستخباراتية المتوافرة لدي القوات الأجنبية عن الحركة والمواقع التي تتحصن بها, رغم التنازلات التي تقدمها هذه القوات لكل من يمدها بالمعلومات ومنها السماح له بزراعة المخدرات, حيث إن تلك القوات لم تتعرف علي موقع واحد لاحتجاز أي من الرهائن المقسمين والموزعين علي أكثر من مكان, وبالتالي فمن المرجح أن تظل حرب الاستنزاف القائمة بين حركة طالبان من جهة وبين القوات الأجنبية والحكومة الأفغانية من جهة أخري قائمة لفترة طويلة قادمة.