يصادرون الأحاسيس ويسرقون هارون الرشيد
شوقيه عروق
قد يسمع المواطن العربي آخر نكته فيضحك ويرتمي على الارض ، فينفض الغبار المضيء عن نوافذ الحزن اليومي ، التاريخي ، ولكن عندما تصبح النكته دعوه للقهر ، للعهر السياسي ، ومنع تجول الاحاسيس ومصادرة المشاعر يغرق المواطن العربي في تساؤل بارد ، مطلقاً ، مفجراً ابجدية الارانب البيضاء التي تخرج من جيوب السياسيين بخفه واستهزاء ... الفنان العراقي كاظم الساهر يفتش في لهجته العراقيه عن مساحه يطل منها على الوطن الجريح ، يشاطر شعبه ، التعب والألم ، والدمار والدماء .. رغم أن رعشته الفنيه أحياناً تقع تحت الزجاج الكريستالي المعطر فيحاول نسيان الالتزام الوطني ونراه في اغانٍ وعبر كلمات واعلانات تفوح منها رائحة المال أكثر مما تفوح منها الوطن المسلوب ، المهم أن الفنان كاظم الساهر أقام مؤخراً حفله غنائيه في مدينة القاهره ، وفي هذه الحفله سحب بغداد ، العراق الى المنصه وقام بتعرية الجسد الذي لم يعد هناك مكاناً بدون طعنات .. فتنهد خلف أكوام الاتهامات وأمطر لغة الرفض .. وغنى مستنجداً بالله ...
ليس لنا سواك يا الله
فارحمنا من الذين دمروا بلادنا
يكرهون الورد يكرهون النساء
يكرهون الزرع يكرهون السلام
تعالي أقبل وجهك
تعالي أشرب دمعك
بغداد .. بغداد .. بغداد
تلك الليله ، ذلك الحفل ، تحول الى ميدان مراثي للعراق وسباق الاحاسيس التي شعرت بدفء كف الحنجره فاحتوت الاصابع صدقاً فأخذت تصفق طرباً موجعاً تتقاذفه امواج التشرد .. لكن السفير الامريكي في القاهره وزمرته الذين جاءوا لكي يحضروا حفلاً بهيجاً مزيناً لأمريكا .. غضبوا لأن كلمات اغنيات كاظم الساهر لم تأت على قدر يد العابث الامريكي ، أعضاء السفاره الذين يجيدون اللغه العربيه خرجوا من ألقاعه في حالة احتجاج ، كيف لهذا الفنان ان يتمرد ويتهم أمريكا .. أمريكا العذراء التي تقيم مهرجانات العناق .. لكن حين تجد من يرفض وضع رقبته في متناول الشد والخنق تتحول الى طقس مصاب بسل التناقض .. يريدون مصادرة الوجع والآهات .. حتى الغناء ممنوع ، واذا اشتكوا يوماً من المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم لأنه أعلن كرهه لإسرائيل واستهزاءه ببوش ، فأن خروج السفير الأمريكي من الحفله لهو دليل واضح على ذهوله ودهشته معتقداً أن الفن والفنانين والمواطنين الذين من المحيط الى الخليج يحمدون ويسبحون بفضل أمريكا ... في الوقت الذي يقف فيه الامريكي ممتطياً جواد راعي البقر الذي تحول من راعٍ للبقر الى راع لرفض منطق الحرب للعراق وتزداد نسبة الرافضين والمتسائلين عن جدوى هذه الحرب القذره ...
على ذمة الراوي يقال أن السفير الامريكي يهوى العربيه ويتكلمها بطلاقه لدرجة أنه يتخفى ليختلط بالمواطنين ليعرف رأيهم بالاوضاع وبأمريكا .. يا سلام على هارون الرشيد الجديد الذي كان يتخفى لكي يعرف حال الرعيه ... ( لا نريد إقحام الخليفه العادل عمر بن الخطاب في هذا الموضوع ) يصادرون أغاني كاظم الساهر ويريدون مسح الاحاسيس الجياشه ويسرقون قصص بطولات الخلفاء الذين منحوا
التاريخ العربي قصصاً في الوفاء والتغلغل بين الناس ليعرفوا صدق عيش الناس ...
بقدر ما جاءت أغاني كاظم الساهر كحد السكين نقول للسفير الأمريكي كاظم لم يغن ( أخي جاوز الظالمون المدى ) ولم يغن ( أصبح عندي الآن بندقيه ) و ( الغضب الساطع آتٍ ) أنه طلب ألرحمه من الله فليس للعراقيين سواه ... فهل تحتجون أيضاً على طلب ألرحمه ... عش عرباً تجد عجباً ...