مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #11  
قديم 22-06-2003, 12:15 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

[align=CENTER][color=black]





تابع البحث الاخير والرد القوي


استنصار الله والأنبياء بالمخلوقين


ومع هذه الآيات البينات كيف تنكر الوهابية جواز الاستمداد بالمخلوق والحال إن الله تعالى ـ مع قوته القاهرة ـ استنصر عبادة بقوله عز شأنه. (إن تنصروا الله ينصركم) . وقوله تعالى: (والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنين) وثانيها ما عن بعض علماء الهند من أن الاستعانة بالمخلوق ينافي الحصر المستفاد من قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) .

والجواب عنه أولا: أن المقصود من الآية الاستعانة بالله في العبادة والهداية، بقرينة قوله: (إياك نعبد) وقوله: (اهدنا الصراط المستقيم) فكأن المصلي يقول: يارب أتيت بالعبادة وبك أستعين في إتمامها.

فإن قلت: الظاهر العموم، وأن المعنى أستعين بك يا رب في جميع أموري ولا أستعين بغيرك.


قلت: هذه المرتبة من التوكل على الله والتوسل به تعالى ـ وإن كانت راجحة لقوله سبحانه: ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وقوله: فإن تولوا فقل حسبي الله عليه توكلت ـ إلا أن الكلام في وجوبها عقلا وسمعاً، والظاهر عدم وجوبها عقلا بعد اعتقاد العبد أن المدبر الحقيقي هو الله، وأن الاعتماد على غيره من باب أنبت الربيع البقل، وأن الأسباب مقضيات عادية عليها ولذا قال سبحانه: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، ولا وجوبها شرعا وإلا لزم شرك الأنبياء حيث استعانوا بغير الله، ولزم الأمر بالشرك في قوله تعالى: (تعاونوا على البر والتقوى) .

وثانياً: إن مقتضى الآية حرمة الاستعانة بالمخلوق حيهم وميتهم وهذا ينافي التفصيل الذي ذهب إليه ابن عبد الوهاب، فإنه في رسالته في الرد على شيخ الطائفة الإمامية الشيخ جعفر النجفي عند استدلاله (قده) لجواز التوسل بالمخلوق بأن الناس يوم القيامة يزحفون إلى آدم عليه السلام ثم إلى نوح عليه السلام ثم إلى أبراهيم عليه السلام ثم إلى موسى ثم إلى عيسى، وكلهم يعتذرون حتى ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهذا يدل على أن التوسل بغير الله تعالى جائز وليس شركا.

قال: الجواب أن الاستعانة بالمخلوق على ما يقدر عليه لا ننكرها، كما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحروب وغيره في أشياء يقدر عليه المخلوق، وإنما نحن أنكرنا الاستغاثة التي يفعلونها عند قبور الأولياء في غيبتهم في الاشياء التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى.




مناقضة ابن عبد الوهاب نفسه في الاستعانة


قلت: ما الوجه في الإقرار بالأول وأنكار الثاني، مع أن الدليل لا يساعد على هذا التفصيل، فإن كان منشأه عجز الميت وقدرة الحي لزمه عدم جواز التوسل بالحي في صورة عجزه، وإن كان لأجل منافاة سؤال المخلوق لدعاء الخالق فذلك يقتضي عدم جواز السؤال من الجي وإن كان قادراً.

فأين قوله «إنا لا ننكر الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه» فما ذكره ابن عبد الوهاب اشبه شئ بكلام من ضاق عليه الخناق، فلا يدري ماذا يقول فيتشبث تارة بأن دعاء المخلوق وندائه عبادة له فيكون شركا، وأخرى يكون دعاء الميت لغواً، فإن كان لغواً فمن أين يكون شركا؟ إذ لا تلازم بين اللغوية والشرك، وإن كان شركا فمن أين جاء التفصيل بين كون التوسل به حياً أو ميتاً.

وحيث أنه لم يعرف معنى كلام شيخ الطائفة أورد عليه بما لا محصل له والعجب من قول ابن عبد الوهاب في رسالته: الاستغاثة بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم ان يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف.

فإنه يرد عليه أن الغرض من الاستغاثة بصالح المؤمنين دعائهم إلى الله لصاحب الحاجة حتى يستريح من العناء والشدة فإن لهم سلام الله عليهم دعوة مستجابة.

وأعجب من ذلك قوله في كشف الشبهات كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


يسألونه في حياته، وأما بعد موته فحاشا وكلا، إنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف على من قصد دعاء الله عند فكيف دعاء نفسه؟

فإنه يرد عليه أما أولا فلأن السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم ينكروا التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله حال حياته ولا بعد وفاته، بل كانوا يتوسلون به من قبل وجوده، وعليه مذهب المسلمين كافة ما عدا الطائفة الوهابية الذين عبروا عنه بالشرك الأكبر، وأباحوا لأجله دماء المسلمين وأموالهم على خلاف الكتاب والسنة وما عليه الصحابة. وذلك لما رواه البيهقي وابن أبي شيبة بإسناد صحيح ـ كما قاله أحمد بن زينى دحلان في خلاصة الكلام ـ من أن الناس أصابهم قحط في خلافة عمر، فجاء بلال بن الحرث إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم هلكوا، فأتاه رسول الله في المنام فأخبره أنهم يسقون.

وليس الاستدلال من حيث الرؤيا، إذ لا يثبت بها الحكم شرعاً. وإنما الاستدلال بفعل بلال الذي من الأصحاب، فإتيانه لقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وندائه وطلبه الاستسقاء لأقوى دليل على أن ذلك أمر جائز وليس من الشرك.

وفيها أيضاً رواية الطبراني والبيهقي: أن رجلا كان يختلف إلى عثمان في زمن خلافته في حاجة، فكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فشكى ذلك لعثمان بن حنيف فقال له: ائت الميضاة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل، ثم قل: «اللهم أني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد، إني اتوجه بك إلى ربك لتقضي حاجتي» وتذكر حاجتك، فانطلق الرجل فصنع ذلك
ثم أتى باب عثمان فجاءه البواب فأخذه بيده فادخله على عثمان فأجلسه معه وقال: اذكر حاجتك فذكر حاجته فقضاها.

وفيها ايضاً: روى البيهقي باسناد صحيح في كتاب دلائل النبوة ـ الذي قال فيه الحافظ الذهبي: عليك به كله هدى ونور ـ عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد الا ما غفرت لي … الحديث.
  #12  
قديم 22-06-2003, 12:18 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي


تابع البحث الاخير والرد القوي

فيمن توسل بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم



قال أحمد بن زينى دحلان: رواه الحاكم وصححه والطبراني.

وإلى هذا التوسل أشار الإمام مالك للدوانيقي، وذلك لما حج المنصور وزار قبر النبي صلى الله عليه وآله سال الإمام مالكا ـ وهو بالمسجد النبوي ـ وقال له: يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسوله الله؟ فقال مالك: لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله، بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك. قال الله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما) … انتهى.

ومما يدل على جواز التوسل بالنبي بعد وفاته ما في خلاصة الكلام عن العلامة السمهودي قال: روى الدارمي في صحيحه عن أبي الجوزاء قال قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا إلى قبر رسول الله فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، ففعلوا فمطروا حتى نبت العشب.


فعلم من جميع ذلك أن التوسل والتشفع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبجاهه وببركته من سنن المرسلين وسيرة السلف الصالحين، لا كما توهمته الوهابية من أن نداء الأموات والغائبين لم يجوزه الشرع، وأنى لهم بذلك والحال أن الشرع على خلافهم؟؟

ويكفيك الأحاديث الواردة في زيارة القبور المشتملة على النداء والخطاب للميت من قول: «السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين» وما ورد في تلقين الميت بعد دفنه من الخطاب والنداء المتفق عليه من قول الملقن: يا عبد الله هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أن لا آله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله.

وقد أسمعناك نداء الني صلى الله عليه وآله كما في البخاري وغيره من الصحاح والسنن كفار قريش بعد إلقائهم في القليب وقال: إنهم يسمعون ولكن لا يجيبون وأين ندائهم هذا، من نداء من يسمع نداء الخلائق ويجيبهم ويرد سلام من يسلم منهم عليهم لأنهم أحياء يرزقون، فيجوز نداؤهم والوقوف على قبورهم والاستشفاع بهم، وليس من الشرك كما عن الوهابية تدليساً على الجهلة وإغواء لهم عن أن ينالوا ببركة النبي صلى الله عليه وآله أعظم المثوبة، وترتفع عنهم السيئة العظيمة ولا يقعوا في المخاطرات الدنيوية والأخروية.

وأما ثانياً فلنا سؤال: إن السلف لماذا أنكروا دعاء الله عند قبر النبي والحال أن القبر وجوانبه حرم الله وحرم رسوله ومحل الوحي ومهبط الملائكة، وكل مكان كان كذلك استحق زيادة الفضيلة لدعاء الله التي هي العبادة، ففي كتب المناسك لعلماء المذاهب جميعاً عند ذكرهم زيارة النبي صلى الله
عليه وآله أنه يستحب للزائر أن يدعو عند القبر ويتوسل إلى الله في قضاء حوائجه وغفران ذنوبه، ويقول: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما) .

الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه واله


وأما ثالثاً سؤال الوجه لإنكارهم دعاء النبي صلى الله عليه وآله نفسه بقول «يا رسول الله أسألك الشفاعة» فإن كان الوجه خلو النص من الشارع عن مثل هذا الدعاء.

قلنا: يكفيك ما ذكرنا من نصوص الكتاب والسنة في التوسل بالنبي بل بمطلق أهل بيته حتى مثل العباس الذي يكون علي عليه السلام أفضل منه.

وإن كان الوجه كون الطلب من النبي وندائه ودعائه شركاً لله ـ كما عن جملة من علماء نجد في رسائلهم وصرح بذلك ابن تيمية في الفرقان ـ قلنا: إن الشرك لله بواسطة دعاء النبي صلى الله عليه وآله لا يختص ببعد الحق، بل يعم حال حياته لأن الأمر كله لله، وإن له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ.

فإن قلت: الشرع جوز دعاء الحق ونداءه. قلنا: الشرع لا يجوز الشرك وعبادة غير الله، فإذا جاز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حال حياته ـ كما هو المسلم عند ابن عبد الوهاب ـ فلا محالة يستلزم ذلك أحد الأمرين:

إما عدم كون دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم منفكاً عن دعاء الله تعالى، وإما عدم كون دعاء المخلوق عبادة له، لعدم اشتماله على أوصاف العبادة من الخضوع والخشوع والابتهال والوقوف بين يدي المعبود.


فإن الدعاء لا يتمحض في العبادة إلا لأجل الأمور المزبورة التي لا تجري في الاستشفاع والتوسل والاستغاثة بالنبي والأئمة، فليس لها في قلوب المؤمنين تأثير سوى أنه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن له الآهلية تزول عنهم غائلة المحنة والشدة في الدنيا والآخرة.

المنع في ان دعاء غير الله عبادة


وثالثها قول الوهابية: أن الدعاء مخ العبادة، والعبادة لا تجوز لغير الله تعالى لأنها شرك.

والجواب عنه: المنع عن أن مطلق الدعاء عبادة، فضلا عن أن يكون روح عبادة، وإنما الدعاء من الدعوة ومنها قوله تعالى: (ندع أبناءنا) وقوله تعالى: (ثم أدعهن يأتينك سعياً) وقوله سبحانه: (ولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) وقوله تعالى: (استجيبوا لله ورسول إذا دعاكم لما يحييكم) .

فإن المراد من الدعاء فيها النداء، وليس كل نداء دعاء وكل دعاء عبادة، بل ولا دعاء الله لمحض ندائه ومجرد خطابه، وإنما يكون عبادة إذا اشتمل على ما اشتملت عليه العبادة من الخضوع والإقرار بالألهية للمعبود، وأين هذا من دعاء النبي والأئمة والاستغاثة بهم نظراً إلى أنهم مأذونين في الشفاعة ولهم القرب والمنزلة والدعوة المستجابة عند السلطان كالمقربين؟.

وقد أسمعناك ما في حديث بلال ورواية ابن حنيف ودعاء الضرير من القول: يا محمد إني أتوجه إليك.
عدم كون النداء دعاء وعبادة


فإن قلت: دعاء المخلوق عبادة لاشتماله عن الخضوع والمذلة أولا لازمة كون السؤال من الأحياء أيضاً شركا. وثانياً المنع عن اشتمال مطلق سؤال الأنبياء والأولياء على ما اشتملت عليه العبادة إلا عند الغالين فيهم، كمن اتخذ عيسى وموسى إلهين من دون الله. وثالثاً المنع عن كون مطلق الخضوع والذل من لوازم العبادة لو لم يكن بين يدي المعبود، ولذا أمر الله تعالى الولد بخفض الجناح لوالدية على وجه الذل بقوله: واخفض لهما جناح الذل.

قال الرازي في تفسير قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) أنه تعالى بدأ بذكر الأمر بالتوحيد وثنى بطاعة الله وثلث بالبر بالوالدين، وهذه درجة عظيمة ومرتبة عالية في تعظيم هذه الطاعة. أي طاعة الوالدين.

المراد من العبادة الطاعة


ورابعاً: ما عن ابن عبد الوهاب وأتباعه حيث جعلوا إطاعة غير الله عبادة له وشركا لله. قال في كشف الشبهات: متى دعوت الله ليلا أو نهاراً خوفاً أو طمعاً ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو ولياً أشركت في عبادة الله غيره حيث أطعت غيره.

فإنه يتوجه عليه أولا أنه لو كان المراد من العبادة الامتثال والطاعة لزم شرك العبيد والزوجات حيث يجب عليهم امتثال أزواجهم ومواليهم وأي امتثال في الشرع أعظم من امتثال العبيد؟ حتى أن الله سلب عنهم القدرة


والاختيار في جنب سيدهم لقوله سبحانه: (عبداً مملوكا لا يقدر على شئ) فهل يتوهم أن الله تعالى حيث أمرهم بهذه الطاعة جعل لنفسه المقدسة شريكا في العبادة. وثانياً أنه لو كان من العبادة الامتثال والطاعة يتوجه على ابن عبد الوهاب سؤال أنه هل يجوز مثل الطاعة لغير الله تعالى أم لا؟ فإن قلت: لا فقد أبطلت قول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وإن قلت: نعم؛ عبدت المخلوق وخالفت ربك فيما نهاك عنه. وإن قلت: لا تنفعك إطاعة الرسول وإطاعة أولي الأمر عن إطاعة الله. قلنا: ما الوجه في ذلك؟ هل هو يجعل من المخلوق أو يجعل من الخالق؟ فإن قلت بالأول، رجعت إلى عبادة الصالحين، وأن قلت: أنه يجعل من الله تعالى وإذنه ورضاه. قلنا: إن شفاعة الأنبياء وكونهم وسيلة إلى الله تعالى أيضاً يجعل من الله تعالى، فيكون الاستشفاع والتوسل بهم ـ حقيقة ـ عبارة عن الاستعانة بالله في طلب الحاجة منه بشفاعة عبده المقرب عنده.
[/align][/color]
  #13  
قديم 22-06-2003, 12:28 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي


البحث الاخير

المسألة الثالثة

قالت الوهابية: لا يجوز بناء القبور وتشييدها وجعل الضرايح عليها وأن ذلك شرك وفاعله مشرك.

وقالت الإمامية: يجوز بناء القبور للأنبياء والأولياء وتشييدها وحفظها عن الاندراس والانطماس، وإن ذلك تعظيم للدين.

واستدل ابن تيمية ومن تابعه من الوهابية:

أولا: برواية أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله أن لا أدع قبراً مشرفاً إلاسويته ولا تمثالا إلا طمسته؟… فقرن بين طمس التماثيل وتسوية قبور المشرفة، لأن كليهما ذريعة إلى الشرك.

البناء على قبور الانبياء والائمة


وثانياً: بما في كتاب الله من الأمر بعمارة المساجد ولم يذكر المشاهد وقال سبحانه: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) لا عند كل مشهد… إلى أن قال: فالرافضة بدلوا دين دين فعمروا المشاهد وعطلوا المساجد مضاهاة للمشركين ومخالفة للمؤمنين.

وثالثاً: أن النبي صلى عليه وآله وسلم إنما شرع لأمته عمارة المساجد ولم يشرع لهم أن يبنوا على قبر النبي، ولا رجل صالح من أهل بيته، مسجداً ولا مشهداً ـ انتهى.

والجواب عنه (أما أولا) فلقد باهت في قوله «إن الشيعة عطلوا المساجد» إلخ، لأن الإمامية يرون من الفرض على أنفسهم عمارة المساجد وإقامة ذكر الله تعالى فيها بأزيد مما يرونه بالنسبة إلى المشاهد. نعم لبعض المشاهد عندهم مزية وزيادة فضيلة من بين المعابد، لاشتمالها على جهتين: جهة المسجدية، وجهة المشعرية، كحرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو حرم الله وحرم رسوله، ومشهد مولانا علي عليه السلام وحرم الحسين عليه السلام لأنها مساجد ومشاعر. ولا أشكال في اختلاف البقاع من حيث الفضيلة.

ولأجل اشتمال المشاهد المزبورة على زيادة الفضيلة توى الإمامية ـ بل والمسلمين ـ يزدلفون إليها ويزدحمون فيها، وإلا فالمساجد عند الإمامية لا تخلو عن إقامة الصلاة فيها كما هو دأبهم في بلادهم، فيعمرونها ويواظبون عليها، بل يعمرون كل مقام ومشهد فيه من شعائر الإسلام شئ لأنه تشييد للدين، ولكن تلك المقامات من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

وأما ثانياً: فلان رواية أبي الهياج لا دلالة فيها على أن المراد بالتسوية جعل المدفن مساوياً للأرض من غير تعلية بل اللفظ في هذا الخبر كاللفظ في قوله: (فإذا سويته فيه من روحي) وقوله تعالى: (رفع سمكها فسواها) .

والمراد من التسوية في الآيتين التعديل في رفع السماء وخلقة البشر، كما قال عز شأنه: (فسواك فعدلك) .

وأقرب محتملات التسوية وأظهرها في الرواية هو تسطيح القبر، وذلك


لعدم ذكر المعادل أولا، والتقييد بالشرف ثانيا… وإلا كان التقييد لغواً فتدل الرواية على رجحان التسطيح على التسنيم.

مناقشة ادلة لحريم البكاء على القبور


والعجب من ابن تيمية أنه كيف استدل برواية أبي الهياج على منع البناء على القبر وأنه من صنع أهل الشرك، والحال أنه عند قول العلامة من أن المشروع تسطيح القبور وإنما تركته أهل السنة وذهبوا إلى التسنيم لما صار شعاراً للشيعة قال: إن مذهب أبي حنيفة وأحمد أن تسنيم القبور أفضل ـ كما ثبت في الصحيح أن قبر النبي كان مسنما، والشافعي يستحب التسطيح لما روى من الأمر بتسوية القبور. ورأى أن التسوية هي التسطيح. قال بعض الأصحاب: إن هذا شعاراً للرافضة فيكره ذلك، وخالفهم جميع الأصحاب وقالوا بل هو المستحب وإن فعلته الرافضة ـ انتهى.

فإنك ترى أنه كيف اقر ثانياً بما أنكره أولا، فذهب إلى ما هو المجمع عليه بين الأصحاب، وعليه صحيح الخبر ـ كما في البخاري ـ من رجحان جعل الأثر للقبر وتعليته عن الأرض مسطحاً، وحمل هو أخيراً خبر أبي الهياج ـ تبعاً للشافعي ـ على التسطيح، مع أنه حمله أولا على الطمس، إذلا أقل من الاحتمالين في اللفظ بين الطمس والتسطيح مع علو القبر ـ كما ذهب إلى الاحتمالين شارح النسائي من غير ترجيح.

لكن يؤيد الاحتمال الثانيـ بعد ما صح الخبر عن أنه كان قبر رسول الله مرتفعاً عن الأرض لا مساوياً ـ ما عن الشافعي وغيره: من أن رسول الله سطح قبر ابنه إبراهيم، وما في كتب الحديث: من أنه جعل قبر أبي بكر


مثل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسطحاً ورش عليه الماء، وأقامت عليه عائشة النوح.

المراد من التسوية للقبور

فعلى ذلك لامحيص لابن تيمية عن أحد الأمور: إما الحكم بشرك جميع الأصحاب الذين قالوا بمقالة الإمامية من رجحان تعلية النبي وتسطيحه، أو رفع اليد عن خبر أبي الهياج رأساً، لأنه منفرد بهذا الحديث في كتب الأحاديث كما عن شارح النسائي ناسباً له إلى السيوطي، وإما حمله على أحد الأمرين:

(الأول) أن المراد من التسوية التعديل بهدم سنام القبر إن كان مسنما أو هدم شرفه إن كان ذا شرف، كما وقع التصريح بالشرف في الرواية.

(الثاني) حمله على استحباب، أو وجوب تخريب قبور المشركين ونبشها كما عقد لذلك بابا في صحيح البخاري وسنن النسائي وابن ماجه «وذكروا فيه أن النبي صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة وأمر ببناء المسجد فأمر بقبور المشركين فنبشث ثم بالخراب فسويت ـ الحديث.

وفي اقتران لفظ التسوية بطمس التماثيل دلالة على أن الأمر المبعوث إليه تسوية قبور المشركين، فإن الصور والتماثيل وجعلها في مقابرهم أو معابدهم من سنن المشركين، كما يشهد له مافي البخاري عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة. أوردها البخاري ايضاً في باب نبش قبور مشركي الجاهلية.

هذا، فلم يبق في البين مايصح الاعتماد عليه من السنة إلا ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما: من نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تجصيص القبور والبناء عليها وأن يكتب على القبر.

والجواب عن الرواية: (أولا) أن النهي أعم من الحرمة والكراهة سيما الواقع منه في الأحاديث، (وثانياً) أنها غير معمول بها في شئ من فقراتها الثلاث.

قال محمد بن عبد الهادي الحنفي المعروف بالسندي: أنه قال الحاكم بعد تخريج هذا الحديث في المستدرك: الإسناد صحيح وليس العمل عليه، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب يكيبون على قبورهم، وهو شئ أخذه الخلف عن السلف ـ انتهى.

أقول: ومثل الكتابة على القبر البناء عليه، فإن إجماع الأمة فضلا عن الأئمة على البناء على قبور أئمتهم وحفظ مراقدهم عن الإندراس والانطماس حيث يكون الحفظ عندهم شعاراً للدين، فلا يعارض الخبر الواحد الظني هذا الإجماع القطعي بين المسلمين.

اقرار النبي على البناء


كل ذلك مضافاً إلى فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفعل من النبيين، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر على بناء الحجر ولم يأمر بهدمه، مع أنه مدفن إسماعيل وأمه هاجر، وكذلك إقراره صلّى الله عليه وآله وسلم وإقرار خلفائه الراشدين على بناء قبر أبراهيم الخليل وعلى بناء قبور الأنبياء التي هي حول بيت المقدس.




مثل هذه الأبنية على قبور الأنبياء والمرسلين في صحة الاعتماد عليها لجواز البناء على قبور المؤمنين الحجرة الطاهرة النبوية، حيث أن دفنه في البناء ودفن الصحابة من بعده فيه.

ثم إقرار الصحابة على ذلك وعمارة الحجرة المباركة دليل قاطع على جواز البناء على القبر.

فإن قلت: المحرم بناء القبة على القبر دون الدفن في البناء تحت القبة.

قلت: أولا حرمة البناء على القبر ونهى النبي صلى الله آله وسلم عنه نظير حرمة استظلال المحرم حال السير ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه، فكما أن التحريم في المحرم يعم الاستظلال السابق على الإحرام فيجب عليه تركه لو كان متلبساً به، كذلك التحريم في البناء قبر فيعم البناء السابق واللاحق.

وثانياً: أنه لو كان البناء على القبر بمنزلة الأحجار والأصنام في الجاهلية ـ كما قال به ابن عبد الوهاب وابن تيمية ـ كانت الجهة واحدة بين البناء السابق على الدفن واللاحق له، فدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر في الحجرة الطاهرة أقوى حجة على جواز البناء السابق واللاحق. بل ربما يكشف ذلك عن الرجحان للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيجوز البناء على قبور أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، فإن الجهة واحدة والملاك واحد والإجماع منعقد على عدم الفرق.

فإن لابن تيمية، المصرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرع لأمته بناء القبور ـ المصير إلى الفرق بين قبره صلى الله عليه وأله وسلم وقبور سائر المؤمنين بعدما أثبتنا جوازه عليه وأن النبي شرع البناء على قبره، حسبما أوصى بدفنه في حجرته، لأن المناط واحد والعلة مشتركة.



  #14  
قديم 22-06-2003, 12:31 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

[color=blue][align=JUSTIFY]



تعظيم شعائر الله


وأما ثالثاً: فبأن القرآن وإن لم يصح خصوصاً بالبناء على قبور الأنبياء لكنه مصرح به عموماً في قول سبحانه: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) وقوله تعالى: (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له) وقوله تعالى: (ولا تحلوا شعائر الله) لأن المشاهد المتضمنة لأجساد النبيين وأئمة المسلمين من معالم الدين الواجب حفظها وصونها عن الإندراس، فان الحفظ عن الخراب بناءاً وتجديداً من أنحاء التعظيم كما أن حفظ المسجد عن الخراب تعظيم له.

ثم أقول: إن الله تعالى جعل الصفا والمروة من الشعائر والحرمات التي يجب احترامها، فكيف بالبقاع المتضمنة لأجساد الأنبياء والأولياء. فإنها أولى بأن تكون شعاراً للدين. كيف لا؟ وهي من البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإن المراد من البيت في الآية هو بيت الطاعة وكل محل أعد للعبادة، فيعم المساجد والمشاهد لكونها من المعابد.

ولو لم يكن في الشريعة ما يدل على تعمير المساجد وتعظيمها واحترامها لأغنتنا الآية بعمومها عن الدلالة على وجوب تعمير المسجد وتعظيمه وإدامة ذكر الله فيه، لكونه من البيوت التي أذن الله أن ترفع.

ومثل المسجد في جهة التعمير والتعظيم والحفظ المشاهد التي هي من مشاعر الإسلام ومعالم الدين، ولذا تجد إصرار المسلمين على إبقاء مدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومدافن أهل بيته الطاهرين ومدافن أصحابه، فمصيرهم إلى حفظ تلك المراقد عن الإندراس في طول هذه المدة لكونه تشييداً للدين وتقوية لشوكة المؤمنين، لا أنه مضاهاة للمشركين ـ كما قال به زعماء الوهابيين.

وقال ابن عبد الوهاب: إن البناء على القبر بمنزلة الأخشاب والأحجار التي كانت تعبد في الجاهلية، وليته درى حاصل كلامه من أشكال بناء الحجر على قبر إسماعيل وأمه هاجر، وعدم أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهدم البناء وبناء الحجرة النبوية، وهل يمكن لأحد ان يقول: أن الصحابة الذين دفنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته الطاهرة وأمروا بسد أبواب الحجرة على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر الشيخين أرادوا بذلك جعل البناء والحيطان صنما يعبد من دون الله تعالى.

قال ابن تيمية في منهاج السنة: وكان عمر بن الخطاب إذا رأى المسلمين يتناوبون مكاناً يصلون فيه لكونه موضع نبي ينهاهم عن ذلك، ويقول: إنما هلك من كان قبلكم باتخاذ آثار أنبيائهم مساجد.
أقول: إن النهي لعله اجتهاد منه، وإلا لم يقل أحد بأن الصلاة في موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون حراماً باطلا، ولو سلم كونها منهياً عنها لكن النهي أعم من الحرمة، لما في البخاري من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها.

مضافا إلى أن المسلمين ـ خصوصاً الإمامية ـ ينكرون هذه النسبة إلى عمر إذ لو كان عمر ينهى عن ذلك فكيف أبقى آثار، الأنبياء، وأبقى أثر قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر أبي بكر، أم كيف أوصى بدفنه في الحجرة الطاهرة وجعل
قبر أبي بكر قبلة لقبره، كما جعل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبلة لقبر أبي بكر فلو كان بناء المدفن بمنزلة الأصنام في الجاهلية لما أهتم عمر وقبله أبو بكر وبعدهما سائر الصحابة بيقاء الحجرة النبوية والدفن عن النبي صلى الله عليه وآله.. وجمع ذلك يكشف عن أن ما أفتى به ابن عبد الوهاب في هذه المسألة تهجس بالغيب وقول بلا علم، أعاذنا الله من ذلك.





المسألة الرابعة

في تزيين الشاهد بالذهب والفضة والحلي والحلل، وايقاد السراج فيها وتظيلها، فالوهابي حرم كل ذلك واحتج عليه: تارة باللغو والعبث وأنها مما لا ينتفع به الميت، وأخرى بما عن الشافعي من أن عمر رأى قبة على قبر ميت فنحاها وقال: دعوة يظله عمله، وثالثة بحديث ابن عباس: «لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج».

حجة الإمامية القائلين بالجواز:

(أولا) أصالة الإباحة الدال عليها قوله تعالى: (وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) ، وقد أسمعناكها مفصلا في المقدمة الأولى.

(وثانياً) مقايسة زينة المشاهد ومعلقانها وحليها وحللها بزينة الكعبة وحللها وكسوتها، فإن الجهة واحدة والإسراف واللغوية وعدم الاستفادة بها علة مشتركة. والحال أن سيرة الخلفاء الراشدين على تعظيم الكعبة بذلك، بل وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً ـ كما تشهد لها التواريخ بل وكتب الحديث.

قال ابن خلدون في مقدمته: وقد كانت الأمم منذ عهد الجاهلية تعظم البيت وتبعث إليه الملوك بالأموال والذخائر كسرى وغيره. وقصة الأسياف وغزالي الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم معروقة، وقد وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح مكة في الجب الذي كان فيها سبعون ألف أوقية من الذهب مما كان الملوك يهدون للبيت فيها ألف ألف دينار مكررة


مرتين بمائتى قنطار وزنا وقال له علي بن أبي طالب: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو استغت بهذا المال على حربك فلم يفعل، ثم ذكر لأبي بكر فلم يحركه.. إلى أن قال أبو وائل: جلست إلى شيبة قال: جلس إلى عمر بن الخطاب فقال: همت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين. قلت: ما أنت بفاعل. قال: لم يفعله صاحبك فقال: هما اللذان يقتدى بهما.

قال ابن خلدون: وأقام ذلك المال إلى أن كانت فتنة الأفطس، فإنه أخرج الأموال وقسمها على عساكره.

وأقول: ومن بعد الأفطس كان الأمر على ما كان عليه زمن الخلفاء، فتهدى للبيت ولحرم رسول الله الأموال والذخائر إلى أن قامت فتنة الوهابية في المدينة ومكة المشرفة، فأباحوا ما في الحرمين الشريفين إعراضاً منهم عن سيرة النبي صلى عليه وآله وسلم وسير أصحابه التابعين له بإحسان.

وفي البخاري في باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: (واجعلنا للمقتين إماما) قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا.

كراهية التظليل


(وثالثاً) إن ما نقل عن عمر غايته كراهية التظليل دون الحرمة، كيف وقبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر تحت السقف بمرأي ومتظر من المسلمين والصحابة والتابعين إلى يومنا هذا.

مضافاً، إلى ما في البخاري والعقد الفريد من أنه لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت… ومعلوم أن القبة تظل القبر
ولأجل ذلك يصح المصير إلى أن الكراهة ربما ترتفع ببعض المصالح العامة، مثل حفظ الزائر والقارئ للقرآن عند القبر عن الحر والبرد، وهي مصلحة راجحة إلى المسلمين وإن لم ينتفع بها الميت.

(ورابعاً) أن رواية ابن عباس ـ لو صحت ـ لخالفتها السنة وعمل المسلمين فإن الإسراج عند قبر النبي صلى صلى الله عليه وآله وسلم عليه المسلمون من زمن الخلفاء إلى يومنا هذا.

(وخامسهاً) أن كون الإسراج لغواً وعبثاً يدفعة انتفاع المؤمنين بالضياء من الزائرين، سيما القادمين من مكان بعيد، البائتين في نواحي القبر، وكذلك ينتفع به القارئ للقرآن في تلك المشاهد، فلا يكون أسرافاً كما توهم.
  #15  
قديم 22-06-2003, 12:32 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



المسألة الخامسة


في زيادة قبور الأئمة عليهم السلام


قالت الوهابية: لا يجوز زيارة قبور الأئمة ولا شد الرحال من الأماكن البعيدة لأجل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها من الشرك وعبادة لغير الله تعالى.

قال ابن تيمية في: 1/131 من كتاب منهاج السنة: قد علم من ضرورة دين الإسلام أن النبي لم يأمر بما ذكروه ـ يعني الإمامية ـ من أمر المشاهد، ولا شرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والصالحين بل هذا من دين المشركين الذين قال الله تعالى فيهم: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) .

قال ابن عباس: هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، لما ماتوا عكفوا على قبورهم، فطال عليهم الأمد، فصوروا تماثيلهم ثم عبدوهم.. إلى آخر كلامه.

وقال أيضاً في جملة كلام له على الإمامية: إنهم يعظمون المشاهد المبنية على القبور، فيعكفون عليها مشابهة للمشركين، ويحجون إليها كما يحج الحاج إلى البيت العتيق، ومنهم من يجعل الحج إليها أعظم من الحج إلى الكعبة، بل يسبون من لا يستغني بالحج الذي فرضه الله تعالى على عباده، وهذا من جنس دين النصارى والمشركين الذين يفضلون عبادة الأوثان على عبادة الرحمن. وقد صنف شيخهم المفيد كتاباً سماه مناسك المشاهد، جعل


قبور المخلوقين تحج كما تحج الكعبة البيت الحرام الذي جعله الله قياماً للناس ـ انتهى.

واجتج من قال بتحريم شد الرحال إلى زيارة قبر النبي ـ كابن الألوسي ـ بما في البخاري من حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» ـ انتهى.

واحتج ابن عبد الوهاب في جملة كلماته في كشف الشبهات على تحريم مطلق ما عليه الإمامية من تعظيم قبور الأنبياء والأولياء وإكرامها والالتزام بها وبآدابها ـ من الزيارة والدعاء والتوسل وطلب الشفاعة: بأن هذه من جعل الإلهة. قال: ومن الدليل على ذلك أيضاً ما حكى الله تعالى عن بني إسرائيل إسلامهم وعلمه بصلاحهم أنهم: (قالوا لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) وقول أناس من الصحابة: اجعل لنا يا رسول الله ذات أنواط، فحلف أن هذا مثل قول بني إسرائيل أن اجعل لنا إلها ـ انتهى.

أقول: الكلام في هذه المسألة يتم في ضمن مباحث:

المبحث الأول
تجويز الامامية زيارة القبور


إن الإمامية على جواز زيارة قبور المؤمنين، وأنها مستحبة شرعا، فضلا عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لتواتر الأحاديث الصحيحة الصريحة في استحبابها مضافاً إلى عمل المسلمين قاطبة من زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى زماننا هذا، فضلا عن عمل النبي في زيارته شهداء أحد وحضوره صلى الله عليه وآله وسلم لزيارة البقيع:




وفي سنن النسائي وابن ماجه وإحياء العلوم للغزالي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة».

وفيها عن ابن أبي مليكة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في زيارة القبور.

وفيها أيضاً عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة.

وفيها أيضاً عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، فإنها تذكركم الآخرة ولا تقولوا هجراً.

وفي الإحياء عن ابن أبي مليكة قال: أقبلت عائشة يوماً من المقابر فقلت: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن. فقلت: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عنها؟ قالت: نعم ثم أمر بها.

وفي الصحاح والسنن الأحاديث الواردة عن صلى الله عليه وآله وسلم وكيفية زيارة الأموات، وأن الزائر متى خرج إلى البقيع يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين.

هذه في فضل زيارة الصلحاء، ويكفيك من الأحاديث المعتبرة في فضل زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما رواه البيهقي والغزالي وغيرهم من أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من زارني وجبت له شفاعتي» وهذه شفاعة اختصر بها الزائر غير شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم العامة للمؤمنين.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة.

وعن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من حج ولم يزرني فقد جفاني».

وعن أبي هريرة مرفوعاً عن النبي قال: من زارني بعد موتي فكأنما زارني حياً.

وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله سلم قال «من جح وقصدني في مسجدني كانت له حجتان مبرورتان»… إلى غير ذلك من الأحاديث المتكاثرة البالغة حد التواتر.
قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في رسالته: والذي نعتقده أن رتبة نبينا على مراتب المخلوقين، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم، وأنه يسمح سلام المسلم عليه، وتسن زيارته إلا أنه يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه.

جواز زيارة النبي حيا وميتاً


أقول: (أولا) أنه جازت زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونه حياً في قبره جزت زيارة أهل بيته وأصحابه لهذه الجهة، فلا وجه لتخصيصه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالزيارة دون غيره من الأنبياء والصلحاء، كما أنه لا وجه لتخصيص النبي بالزيارة من بين التوسل والاشتشفاع والاستغاثة، فانه إذا اثبت حياته المستقرة وأنه صلى الله عليه وآله وسلم يسمع نداء من يناديه تابعتها آثارها كما لا مخفى.
\

و(ثانياً) أنه لا وجه لمنع الشيخ شد الرحال إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير رواية البخاري، وهي مردودة من وجوه:

أولها: إعراض المسلمين عنها لو كانت لها دلالة، لاستمرار سيرتهم على شد الرحال من الأماكن البعيدة إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، كما كان يشد إليه الرحال على حياته، فلقياس أحد الحالتين على الأخرى مدرك واضح، سيما بالنظر إلى قوله: «من زراني بعد موتي فكأنما زراني حياً».

وثانيها: مخالفتها للنصوص المذكورة الصحيحة المعتضدة بعمل الأصحاب الصريحة في جواز شد الرحال إلى زيارة قبر النبي وقبور أصحابه وأهل بيته من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج ولم يزرني فقد جفاني» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج وقصدني في مسجدي كانت له جتان) ولم يقل صلّى الله عليه وآله وقصد مسجدي كما قاله الشيخ.

وثالثها: إن المستثنى منه الحديث؛ إما خصوص المساجد أو عموم الأسفار. فعلى الأول: المعنى لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد.

كما صرح بالمستثنى منه الشيخ سليمان النجدي في الهدية السنية فائلا: وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تشد الرحال إلى مسجد إلا لثلاثة مساجد: المساجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسدي هذا».


وعليه لا يعم الحديث المشهد، كما لا يعم سائر الأسفار، ولم يقل بعمومه لها أحد وهذا نظير مالو قال الموالي لعبده«لا تمض إلا إلى ثلاثة أطباء فلان وفلان وفلان» وسماهم بأسمائهم، فإنه لا يفهم منه في أي محاورة وأي لسان حرمة المضى إلى غير الاطباء العلماء والزهاد.

(وعلى الثاني) يلزم النهي عن مطلق شد الرحال إلى الأسفار المباحة، ولم يقل به أحد مع أنه يلزم تخصيص الأكثر الذي لا يصح حمل الكلام عليه.

المبحث الثاني
تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة ليس بشرك


في نقل البحث مع ابن عبد الوهاب وأتباعه من الوهابية فنقول:

إن قولهم: «تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الأئمة بزيارتها والارتحال إليها شوقاً وحباً شرك، وجعل للإله نظير الطلب من موسى مع إيمانهم بالله أن يجعل لهم إلهاً»، الجواب عنه:

أولا: المنع عن أنهم طلبوا من موسى إلهاً شفيعاً يتقربون به إلى الله وإنما طلبوا منه إلهاً مدبراً، ولذا لما أضلهم السامري وأخرج لهم عجلا جسداً له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى فنسى، كفروا واعتقدوا أن العجل هو خالقهم ومدبرهم حيث أن له خواراً.

ويفصح عن ذلك قوله: «هذا إلهكم وإله موسى» ما كان لموسى إلهاً شفيعاً غير إلهه الخالق المدبر.

وقال المفسرون: المعنى قال السامري إن هذا إلهكم وإله موسى، وأن


--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 70
--------------------------------------------------------------------------------

موسى نسى ربه هنا وذهب يطلبه في موضع آخر، والقوم إما كانوا في غاية البلادة والجلافة حيث اعتقدوا أن العجل المعمول هو إله السماء والأرض، أو كان اعتقادهم في العجل اعتقاد الحلولية، وعلى التقديرين لا وجه لإنكار ابن عبد الوهاب أن القوم أرادوا من موسى إلهاً خالقاً مدبراً.

ثانياً: إنا لو سلمنا كون القوم على إيمانهم حين ما طلبوا من موسى ذات أنواط، لكن الكفر والشرك ليس في طلبها، ولذا لم يكفرهم موسى بل قال لهم: (إنكم قوم تجهلون) وإنما الكفر والشرك يكون في عبادتها.

ومعلوم أن عبادة غير الله توجب الكفر والشرك، ولكني أين هذا ممن لا يعبد الشفيع في توسله به والاستشفاع منه؟؟

وتوهم أن ذلك عبادة لغير الله، مدفوع بخروجه عن الفهم المستقيم، كما نبهناكم عليه… بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.

وثالثاً: إن جعل الشفيع والوسيلة إلى الله تعالى إذا كان من عند الله تعالى لا يضر بالإيمان الخالص بالله، ألا ترى أن الأنبياء سفراء ووسائط بين الخلق والخالق، يتوسل الناس بهم ويشد الرحال إليهم عليهم السلام شوقاً وحباً وتبركا بهم، وقضاء للحاجة من الله تعالى بواسطتهم، ولا يكون ذلك من جعل الآلهة؟؟

ومثل ذلك شد الرحال إليهم عليهم السلام بعد وفاتهم لغرض الحاجة والدعاء والمسألة، أنهم يسمعون نداء من يناديهم واستغاثة من يستغيث بهم.

[/align][/color]
  #16  
قديم 22-06-2003, 12:44 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



المبحث الثالث
أدلة الوهابية على حرمة الزيارة


في المبحث مع ابن تيمية فنقول إنه استدل منهاج السنة على حرمة الزيارة بحديث ابن عباس: «لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرات القبور».

والجواب عنه:

أولا: أنه خبر واحد ظني لا يقاوم الأخبار المتواترة المفيدة للقطع، فلا ترفع اليد عن القطع بالظن.

وثانياً: أن اللعن قبل النسخ. كما تدل عليه رواية ابن أبي مليكة عن عائشة حين أقبلت من المقابر وفيه. قلت أليس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها؟ قالت: نعم ثم أمر بها. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: نهيتكم من زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر.

قال محمد بن عبد الهادي في حاشية النسائي في شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم «نهيتكم» الخ: جميع بين الناسخ والمنسوخ والنهي والأذن.

وثالثاً: النهي متوجه إلى النساء، لحرمة خروجهن من بيوتهن بغير الإذن، أو لما في الخروج من لزوم الفساد.

قال ابن تيمية: الشيعة يعظمون المشاهد مشابهة للمشركين.

ويرده: إن الشيعة وسائر المسلمين يعظمون قبر النبي صلى الله عليه وأله وسلم وقبور الأئمة تعظيما للدين ولكونها شعائر الله، ومن الحرمات التي أوجب سبحانه إحترامها وحرم على الأمة هتكها.


وحسبك لوجوب تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما حكاه الغزالي ـ الذي هو من أئمة الشافعية ـ عن كعب الأحبار: أنه مامن فجر يطلع إلا ونزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفوا بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا منل ذلك وحتى إذا انشقت الأرض في سبعين ألفاً من الملائكة يوقرونه ـ الحديث.

ومثل قبر النبي في كونه مهبط الرحمة قبور أهل بيته وأصحابه المنتجبين، فلا يترك زيارتهم تبركاً بقبورهم وحباً وشوقاً إليهم، كما كان الناس يحبونهم ويشتاقون إلى زيارتهم حال حياتهم. وليست الزيارة عبادة للمزور، وإلا لما جازت شرعأ زيارة المؤمن حياً مع أنها جائزة وراجحة إجماعا.

طعن ابن تيمية على الشيعة والرد عليه


وأما قول ابن تيمية: «النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر بما ذكروه من أمر المشاهد» فالجواب عنه: أنه قول بلا دليل مع أن لنا الدليل من أمر النبي بزيارة قبره وقبور سائر المؤمنين، ولولا أمره لما كان المسلمون يزدلفون إلى زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم ويجعلونه شعاراً لهم ويحجون إليه في كل عام كما يحجون إلى بيت الله الحرام، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج وزار قبري كان كمن زارني».

وفي إحياء العلوم في باب زيارة النبي قال نافع: كان ابن عمر ـ رأيته مائة مرة أو أكثر ـ يجئ إلى القبر فيقول: «السلام على النبي السلام على أبي بكر السلام على أبي».

وهذا هو العكوف على قبر الذي أنكرته الوهابية على المسلمين وادعت أنه الشرك.


وتندفع بأن الشرك إنما هو مع عدم مشروعية الزيارة، وإلا فمع المشروعية والأمر من الشارع لا تكون الزيارة عبادة لغير الله، ألا ترى أن إطاعة أئمة الدين لا يكون خروجا من الدين، حيث أنه بأمر من رب العالمين؟؟ ومن هنا نقول: إن سجدة الملائكة لآدم عليه السلام ما كانت شركا، ولا الأمر بها إشراكاً.

وأما قول ابن تيمية على كل من يجوز الزيارة من فرق المسلمين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرع لأمته مناسك عند قبور الأنبياء والأولياء.

فالجواب عنه إن المسلمين لا يؤدون منسكاً خاصاً عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور أهل بيته وأصحابه إلا ما هو الوارد شرعاً، وفي عدة من السنن:

في سنن الزيارة


أحدهما: الصلاة والسلام المصرح بهما الشرع كتاباً وسنة: (فمن الكتاب) قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ، وقوله تعالى: (وسلام على آل يس) الشامل لحيهم وميتهم ومثله قوله سبحانه: «وسلام على المرسلين».

وأصرح من الجميع قوله سبحانه (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً) وقوله تعالى: (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً) .

(ومن السنة) ما هو الواجب شرعاً في الصلاة من أول: «السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» ومنه يعلم جواز السلام على غير النبي من المؤمنين وأئمة الدين من بعيد وقريب، كل ذلك مضافاً إلى ماورد في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وزيارة قبور المؤمنين.

وثانيها: التمسح يالضرائح المقدسة وتقبيلها والتبرك بها، فالإمامية حكموا بجوارها، والوهابية صاورا إلى المنع عنها، معللا بأنها عادات المشركين.

والجواب عنها:

أولا: إن المتبع في أمثال ذلك ـ مما لم يرد عنه نهى من الشارع ـ أصالة الإباحة في الأفعال والأقوال، حسبما عرفت في المقدمة.

وثانياً ـ إن مجرد كون فعل من عادة جماعة من أهل الضلال لا توجب صيرورته حراما، كما عليه الإجماع الذي في كلام ابن تيمية في منهاج السنة قائلا: إن الذي عليه أئمة المسلمين أن ما كان مشروعا لم يترك لمجرد فعل أهل البدع، وأصل الأئمة كلهم يوافقون هذا ـ انتهى.

وثالثاً: إن المسح لا يكون من الأفعال العبادية المتمحضة في العبادة حتى يكون محرما عند عدم الوظيفة الشرعية، وإنما هو من الأفعال العادية والحركات البدنية التي لا يتوقف الإتيان بها على صدور الأمر من الشارع، فلو أتى به الإنسان لا بقصد العباد لم يفعل محرماً، كما لو نظر إلى القبر أو جلس عنده وغير ذلك مما لا يتوقف على اتباع الشارع.

نعم لو أتى به قاصداً به العبادة كان بدعة، وذلك لتوقف العبادة على


الأمر من الشارع المفقود هنا. وأما لو أتى به حباً وشرفا لصاحب القبر فلا يكون عبادة حتى يكون حراما مع عدم الاستنان شرعا.

فدعوى الوهابية أن المسح على القبر عبادة يتوقف على الاتباع دون الابتداع يدفعها ما ذكرنا من المنع الشاهد عليه الوجدان، لنهوضه على أن من يمسح القبر ويمسه أو يستلمه لا يرى من نفسه إلا الحب والشوق والتبرك، لا عبادة القبر أو صاحبه.

ورابعاً: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بعادة أهل الكتاب، كما في صحيح البخاري في باب صفة النبي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله يحب موافقة أهل الكتاب.

وفي البخاري أيضاً في باب صيام يوم عاشوراء عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء يصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه.

وفيه أيضاً عن أبي موسى قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فصوموه.

وخامساً: أن التمسح بقبر النبي واستلامه نظير التمسح بحجر الاسود وتقبيله واستلامه واستلام الركن اليماني المسنون شرعا إجماعا، وعليه الصحاح والسنن.

ففي البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك.


فإذا صح أن النبي يقبل الحجر ولم يكن ذلك من نحو تعظيم الشجرة على انها ذات أنواط فليكن التمسح بالقبر هكذا، لوحدة الوجه المشروع.

والعجب مع ذلك مما في رسالة أحمد الرومي نقلا عن الأزرقي عن قتادة في قوله تعالى: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى» أنه قال: الناس أمروا أن يصلوا عند المقام ولم يؤمروا أن يمسحوا ـ انتهى.

فإنه إن كان المسح به حراما وكان شركا خفياً فالصلاة أولى بعدم الجواز لعظم شأنها وتمحضها في العبادة. فتكون مفسدة الشرك فيها أعظم من مفسدة المسح، فإن قلت ـ كما قاله الغزالي ـ: اللازم عند استلام الحجر تصميم العبد على أنه يبايع الله، لما ورد أن الحجر يمين الله في الارض.

قلنا: إن الغرض ذلك من مسح قبر النبي وقبر الوصي لما في التنزيل: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) .

فإن قلت ـ كما قاله الغزالي في: ص209 من إحياء العلوم ـ: وأما التعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالمستجار فلتكن نيتك في الالتزام طلب القرب حباً وشوقاً للبيت ولرب البيت وتبركا بالمماسة ورجاء للتحصن من النار، ولتكن نيتك في التعلق بالستر الإلحاح في طلب المغفرة وسؤال الأمان، كالمذنب المتعلق بثياب من أذنب إليه المتضرع إليه في عفوه وأنه لا يفارق ذيله إلا بالعفو وبذل الأمن في المستقبل.

قلنا: إن الغرض من المسح والالتصاق بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الولي المطلق أيضاً ذلك عند الامامية حرفاً بحرف، فلا يقدمون عليه إلا ونيتهم التبرك وطلب القرب حباً وشوقاً إلى صاحب وسؤال الشفاعة منه


والإلحاح في بذل الشفاعة لهم يوم القيامة، نظراً إلى قوله تعالى: (وما كان الله معذبهم وأنت فيهم) وقوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وقوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لو جدوا الله تواباً رحيما) .

قد صح عن النبي: إن مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق… وإن مثل أهل بيتي فيكم كباب حطة في بني اسرائيل.

وسادساً: إن المعتمد في المسح عند المسلمين مافي صحيح البخاري في كتاب المناقب في باب صفة النبي وفيه عن الحكم قال: سمعت أبا جحيفة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ ثم صلى الظهر، إلى أن قال: وقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم. قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من المسك.

  #17  
قديم 22-06-2003, 12:45 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

تابع لما قبله

وفي أواخر هذا الباب: أنه خرج بلال فنادى بالصلاة، ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله فوقع الناس عليه يأخذونه منه.

أقول: فاذا صح التمسح بيد النبي والتبرك بفضل وضوئه حال حياتهم ولم يكن من جعل الآلهه وعبادة ذات أنواط، ولا من الأخذ بعادة اليهود والنصارى صح أيضاً التمسح والتبرك بقبره بعد وفاته لا تحاد الوجه.

وسابعاً: إنه لو سلمنا كون المسح على القبر حراما شرعا واقعاً لكنه ليس لمن رأى أنه حراماً منع غيره ممن يرى أنه مباحا شرعا، اعتماداً على ما ذكرنا من الوجوه، لأن النهي عن المنكر إنما هو لمن يرى أنه منكر وليست


مسألة حرمة المسح على القبر من المسائل الضروية المسلمة عند كل طائفة أن تتبع رغائب طائفة اُخرى وإلا لبطلت المذاهب والإجماع على صحتها. مع أنها مختلفة في كثير من المسائل الفرعية. ولم يحكم أحد عليهم بوجوب الموافقة.

وثالثها: صلاة الزيارة يصليها الزائر عقيب الزيادة في أي مكان شاء ويهدي ثوابها إلى روح المزور، ولا بأس بها شرعا لأن الصلاة خير موضوع ولكونها نظير قراءة القرآن وإهداء ثوابها إلى الميت.

وقد أورد في البخاري في باب علامات النبوة: أنه خرج النبي يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم أنصرف.

فالغرض بيان جواز الصلاة عند القبر أولا، وجواز الصلاة عند قبر المزور ترحماً على الميت وإهداء لثوابها إليه ثانياً، فتكون من النسك الجائزة، فيندفع بذلك ما في كتاب مجموعة التوحيد: من أن الغلاة ـ عنى بها الإمامية ـ إذا وصلوا إلى القبور يصلون عندها ركعتين… إلى قوله: فلا تكون صلاتهم لله تعالى بل للشيطان.

أقول: فلو قال أن صلاتهم لله شكراً له تعالى لما وفقهم إلى زيارة قبور الأنبياء والأولياء ومنحهم من الفضل ما لم يمنح به غيرهم، لكان بمجنب عن متابعه الهوى وأبعد من الكذب والافتراء. والسلام من اتبع الهدى.

ورابعها: سؤال الزائر من الله حاجته عقيب الصلاة، وهذا جائز وليس شركا ـ لا جلياً ولا خفياً ـ كما في الرسائل النجدية، فإن الدعاء لم يقيد بوقت خاص ولا مكان مخصوص لقوله تعالى: (ادعوني استجيب لكم) .


نعم أنكرت الوهابية جواز التوجه حال الدعاء نحو الحجرة النبوية، مصرحين بالمنع في رسائلهم، ويردهم قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) .

وفي البخاري: كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي على راحلته أينما توجهت به.

(ودعوى) الوهابية ـ تبعاً لابن القيم ـ: أن ذلك من التشبه بعبدة الأصنام الذين يقفون تجاه اللات والعزى حال الدعاء، ولذا شرعا النهي عن الصلاة في أوقات خاصة وأماكن مخصوصة، فإنه لقطع مفسدة التشبه بعبادات أهل الشرك.

مدفوعة بأنه لو كان حال الدعاء نحو المقبرة ذريعة إلى الشرك لزم الشارع أن يعينه بالنهي عنه، كما نهى عن الصلاة في الأماكن المكروهة أو المحرومة، ولما لم يبين مرجوعية التوجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة لا يمكننا الحكم بالمرجوحية بعد ثبوت الرخصة العامة في الآيات المذكورة، والحجة الشرعية تقتضي الأخذ بعموم العام إلى أن يأتي المخرج القطعي..

وليس لنا في قبال الآيات البينات حجة وافية اليد عنها، فالحكم بخلافها سلوك منهج لم يأذن به الله تعالى، كل ذلك مضافا إلى ما حكم به الإمام مالك حين ما سأله المنصور فقال له: يا أبا عبد الله استقبل القبلة وأدعو الله أم أستقبل رسول الله؟ فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله، بل استقبله واستشفع به ـ الحديث.


ولا يخفي أن هذه الرواية ذكرها جملة من أعاظم علماء السنة بأسانيد صحيحة فراجع شفاء السقام للإمام السبكي وخلاصة الوفاء للسمودي والمواهب اللدنية للعلامة القسطلاني، إلى غير ذلك من أقوال للعلماء في كتبهم حتى يظهر لك أنه لا وجه للحكم بالشرك على من توجه حال الدعاء نحو الحجرة الطاهرة
  #18  
قديم 22-06-2003, 12:49 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



المسألة السادسة

قد نسب الوهابيون إلى الأمامية أموراً ليست في كتبهم، ولا توجد في أصول مذهبهم:

منها: تجويزهم الطواف حول مراقد أئمتهم والحج إلى تلك المشاهد، اكتفاءاً منهم به عن الحج إلى البيت العتيق.

ومنها: تقديمهم القرابين والنذور للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، والحال أن النذر لا يكون إلا لله.

ومنها: اتخاذهم تلك المراقد مساجد يعبدونها ويصلون إليها كما يصلى إلى الكعبة.

فههنا دعاوى ثلاثة:

الأولى: تجويز الشيعة الطواف حول المراقد المشرفة… ولا يخفى أنها مدفوعة، لعدم جوازه عند الموحدين فضلا عن المسلمين، فلو طاف أحد حول المراقد قاصداً به العبادة فهو كافر مشرك، وأما إذا طاف لا بذلك القصد بل بقصد التبرك والتشرف أو قاصداً به الإلحاح في طلب النجاح فلا يكون ذلك كفراً وشركا «ولكل امرئ مانوى».

ولا يكون الطواف في حد نفسه عبادة يحرم إيقاعه مطلقاً، وإنما هو من الأفعال التي لا تكون عبادة إلا إذا أتى العبد به بقصد العبادة.

وقد نص الشارع على أن الأعمال بالنيات، ويزيدك وضوحاً أن الشكر
--------------------------------------------------------------

إذا وقع لله كان عبادة له، بخلاف ما إذا وقع لغيره تعالى، ولذا جاز الأمر به لغيره في قوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك) .

وأوضح من ذلك وقوع الأمر بالسجدة لآدم عليه السلام، ولقد اجمع المفسرون لقوله تعالى: (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً) على أن هذه السجدة ليست سجدة عبادة بل سجدة تعظيم، نظير سجدة الملائكة لآدم عليه السلام.

فاندفعت شبهة الوهابية كما اندفعت أيضاً شبهة من يقول: إن أهل التوحيد كيف لا يجوزون عبادة غير الله تعالى؟

والحال أن القرآن ناطق بجوازها من قوله تعالى: (وإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ومن قوله تعالى (يا أبت إني رأيت أحد عشركوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) وقوله تعالى: (ورفع أبويه على عرش وخروا له شجداً) ؟؟

مضافاً إلى أن عليها عمل المسلمين، حيث يطوفون حول البيت ويعظمون الأحجار بالاستلام، فنقول ـ جواباً عن شبهتهم ودفعاً لتسويلاتهم ـ:

إن المقصود بالطواف ليس عبادة البناء، وإنما هو كالسجود نحو الكعبة يراد به تعظيم المنسوب إليه، لأن البيت بيت الله تعالى، وأن سجدة الملائكة لآدم لم تكن سجدة عبادة، وإلا كان لإبليس أن يجيب بأنها شرك ينافي التوحيد، لا إنه يستكبر ويقول: أنا خير منه.

الثانية: دعوى تقديم الإمامية الذبائح والنذورات إلى المشاهد، ويكذيها


الرجوع الى مصنفات الإمامية المصرحة بأن النذر والعهد والأضحية لا تكون إلا لله تعالى(1) .

نعم المشاهد مأوى الفقراء والمساكين، فكل من يقدم إليها النذر أو القربان غرضه التفريق على المستحق لا غير، فكل من قال بغير ما قلنا فقد كفر بالله، وكل من نسب ذلك إلى الإمامية فقد كذب وافترى.

الثالثة: دعوى أن الإمامية عباد القبور، فيسجدون إلى القبر.

وفيها: أما أولا: فلأن الإمامية لايصلون الى أي قبر كان، ولاجرت عادتهم عليها، فلو صلوا أحياناً فذلك لا لكون القبر عندهم قبلة، وكيف يكون ذلك عند من يدين بالاسلام ويقول: بأن القبلة هي الكعبة؟؟ فهل رأى أحد أن الإمامية يضحون أو يذبحون على خلاف القبلة أو نحو قبور الأئمة مع أن مذابحهم بمرأى ومنظر من عامة الخلق؟

جواز الصلاة الى القبر عن كراهية


نعم الصلاة إلى القبر مسألة فقهية لادخل لها بالعقائد الدينية، ولم يذكرها واحد من أهل الفضل في أصول العقائد. ألاترى أن العلماء قاطبة اختلفوا في الصلاة في أماكن مخصوصة كراهية وتحريماً؟ مثل الصلاة في الحمام وبيوت الغائط وجواد الطرق وإلى نار مضرمة وإلىالصور والتماثيل أو إنسان مواجه مع أن القائل بالحرمة وفساد الصلاة فيها لم يقل بالكفر والشرك.

وفي البخاري: باب كراهة الصلاة في المقابر، وفيه أيضاً: باب من صلى

____________

(1) وهي جائزة في أي مكان كان حتى في بيت المسلم نفسه.


وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به وجه الله عز وجل. ثم ذكر ما يدل على جواز الصلاة إليها.

قوله: (فأراد به وجه الله) شاهد على أن مورد البحث نفس الصلاة إلى القبر، كما يصلى الإنسان إلى أي جدار كان، من غير أن يجعل القبر مسجدا يصلى نحوه كما يصلى إلى الكعبة، وإلا فلا وجه لاختصاص الحرمة وفساد الصلاة بالصلاة إلى القبر، بل يعم سائر الصور التي قالوا فيها بالكراهة.

بل لو صلى الإنسان نحو الحائط وجعله قبلة لصلاته عوضاً عن الكعبة كانت صلاته باطلة، ولو صلى لا بهذه الجهة كانت صلاته صحيحة.

ومثل ذلك الصلاة نحو القبر حيث أراد المصلي بصلاته وجه الله لا وجه صاحب القبر، فإنها إذ لم يرد من الشرع ما يدل على الفساد والحرمة كانت صحيحة، ولذا ذهب في البخاري إلى الكراهة.

واستدل علىالجواز بأن عمر رأى أنس بن مالك يصلى عند القبر، فقال: القبر القبر، ولم يأمره بالإعادة.

وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها. وبأنه لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت، أورده في باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور.

وأما ثانياً: فلأن ما استدل به ابن تيمية بما عن عائشة أنه: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي مات فيه: لعن الله اليهودي والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً.

فالجواب عنه: إن الحديث لا دلالة له على حرمة الصلاة نحو القبر إذا أراد المصلى بهاوجه الله تعالى، وإنما يدل على لعن اليهود على اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد يعبدونها كما يعبدون موسى وعيسى، أو يجعلونها قبلة نظير بيت المقدس عندهم والكعبة عند المسلمين.

كلام ابن عبدالوهاب وابن تيمية في الصلاة الى القبر


ويشهد لذلك ما في منهاج السنة من رواية مالك في الموطأ أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم لا تجعل قبرى وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

فإن الحديث ناطق بحرمة اتخاذ القبر مسجداً يسجد إليه، ومعلوم أن ذلك شرك لو اعتقده المصلى.

ويدل على ذلك ايضاً قول عائشة: «غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً».

قال السندي شارح النسائي: مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يحذر أمته أن يضعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم، من اتخاذهم تلك القبور مساجد: إما بالسجود إليها تعظيما، أو بجعلها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها.

وعن النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء: إنما نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولذا قال في الحديث: «ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجداً» انتهى.


وقال جلال الدين السيوطي في شرحه على النسائي:

قال البيضاوي: لما كان اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما لشأنها، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنع المسلمين من مثل ذلك، وأما من اتخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه فلا يدخل في ذلك الوعيد.
  #19  
قديم 22-06-2003, 12:54 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي

[align=CENTER][color=black]

المسألة السابعة


في هدم المساجد المشيدة حول المراقد المشرفة


مذهب الوهابية على وجوب هدم المساجد المبنية حول المراقد المشرفة واحتجوا لذلك: بأنها أسست على غير تقوى من الله، وبحديث عائشة: أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة.

وقال الإمامية ـ بل وسائر المسلمين ـ على جواز البناء وحرمة الهدم، لكونها من مساجد الله الواجب تعظيمها، نظير مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسجد الأموي وبيت المقدس الذي دفن فيه كثير من الأنبياء من ولد إسحق، وعليه السيرة القطعة أيضاً، وفتوى العلماء بأن من اتخذ فسحة منالمكان مسجداً ولو كان في ناحية القبر ـ نظير مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبره وقبر أبي بكر وعمر ـ جاز ذلك" كما عرفته من كلام البيضاوي وجلال الدين السيوطي.

والجواب عن الرواية:

أولا: أنها معارضة بما في البخاري وغيره من قوله صلى الله عليه وآله وسلم «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلاها»، وبأنه لما مات الحسن بن علي عليه السلام ضربت امرأته قبة على قبره إلى سنة فإنه يدل على جواز الصلاة في ناحية القبر بالملازمة الواضحة.

وثانياً: أن كون النصارى واليهود شرار الخلق ليس من جهة بناء المسجد على القبر، وإلا لما مدح الله تعالى المؤمنين بقوله: (وقال الذين غلبوا على
\

أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً) بل لأن اليهود والنصارى زادوا على كفرهم كفراً آخراً، حيث أشركوا لأجل تعظيمهم صور الصالحين منهم بجعلها في معابدهم نظير الأصنام المعلقة في الجاهلية على الكعبة.

وأين هذا ممن جعل فسحة من الأرض مسجداً لا يريد به غير التوجه إلى الله ولا تعظيم أحد غير الله؟

والكتاب العزيز ناطق بجوازه، ففي تفسير الجلالين: «وقال الذين غلبوا على أمرهم» وهم المؤمنون و «لنتخذن عليهم» أي حولهم «مسجداً» يصلى فيه، وفعل ذلك عن باب الكهف.

وفي تفسير الرازي «لنتخذن عليهم مسجداً» نعبد الله فيه ونستبقى آثار أصحاب الكهف يسبب ذلك ـ انتهى.

وإذا جاز اتخاذ المسجد على باب الكهف بنص القرآن استبقاء للأثر من دون أن يكون شركا، فها نحن نعمل بما جوزه القرآن إلى أن يثبت بنص ـ يعتمد عليه ـ النسخ أو التخصيص المخرج عن حكمه.
-----------------------------------------------------------------------

خاتمة


مباينة الوهابية لسائر المسلمين


في بيان ما عليه الطائفة الوهابية، وهي عدة أمور اتخذوها شعاراً لهم، منها مباينتهم مباينة عظيمة لسائر طوائف المسلمين، حتى إنهم جعلوا ديارهم ديار توحيد وديار غيرهم ديار شرك، كما هو دأب الخوارج في أصول مذهبهم. وهذه مباينة مذمومة شرعاً، كيف لا وهي تفرق منهى عنه في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقوله سبحانه: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) .

وفي البخاري في كتاب الفتنة عن حذيفة بن اليمان قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: هم من أهل جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرقة كلها.

وليت علماء الوهابية الذين ألفوا رسائل في أصول التوحيد وبينوا فيها أنواع الشرك والكفر يعدون من أقسام الكفر كفر التفرقة عن الجماعة، نظراً إلى قوله تعالى (لست منهم في شيء) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام».

ومنها: أن الوهابية أصحاب الزلازل والفتن بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما


في البخاري في كتاب الفتن عن أبي عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مرتين: اللهم بارك لنا في يمننا، اللهم بارك لنا في شامنا. قالوا: وفي نجدنا؟ قال: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان.

وفيه أيضاً عن سالم عن أبيه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال إلى جنب المنبر فقال: الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.

وأيضاً عن نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: ألا إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان.

وفي شرح السنة عن عقبة ابن عمر قال: أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده نحو اليمن وقال: الإيمان ههنا، إلا أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن الشيطان.

في شرك المحبة والرد عليه


ومنها: أنهم جعلوا من أقسام الشرك «شرك المحبة» كما في كتاب مجموعة التوحيد، واستندوا في ذلك إلى قوله سبحانه: (ويجعلون لله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله) .

وفيه: أنه لم يتحصل معنى لما جعلوه شركا، فإن أرادوا أن مجرد محبة غير الله شرك لزم عليهم شرك المسلمين جميعاً لمحبتهم آبائهم وأولادهم وأموالهم وأحبائهم، ولم يقل به أحد ولم يأت به شرع، وإن أرادوا أن المحبة ينتهى بها الأمر إلى عبادة المحبوب من الأنبياء والصديقين، قلنا: إن الانتهاء إليها ممنوع ولاملازمة إلا عند الغلاة، وما عداهم من المسلمين لا يعبدون من يحبونه


من نبي أو صديق بل يحبونهم لحب الله، لا إنهم يحبونهم كحب الله، فلا يجدون في أنفسهم إلا هذا المقدار من المحبة والمودة للأنبياء والأولياء. ولذا لم يقولوا في حقهم إلا ما قاله الله ولا يثبتون لهم إلا ما أثبته الله من القرب والمنزلة ورضى لهم من الشفاعة.

والعجب أن لو سئل من الوهابية: إنكم تحبون رسول الله؟ فيقولون نعم، مع أن محبتهم للنبي لا ينتهي الأمر بهم إلى الشرك الخفي، فكيف تنتهي محبة غيرهم لولي أو صديق أو إمام معصوم إلى الشرك؟

ومنها: أجتراؤهم على الله ورسوله بهدم القباب الطاهرة لأئمة البقيع الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأن ذلك منهم إنكار لمودة ذي القربى التي هي من الضروريات الثابتة بالكتاب والسنة لقوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) فأقدمت جماعة من الأعراب على تخريب قبور أهل بيت رسول الله، كما أقدمت السابقة منهم على قتلهم، كم ترك الأول للآخر. وكم اقتفى المتأخر أثر المتقدم؟ فتركوا جميعاً وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته وراء ظهورهم.

هذا مع أن في الهدم بعد البناء من هتك احترام الميت ما لا يخفى…

كيف لا والحال اتفقت المذاهب على أن المشي على قبر المؤمن والاتكاء به والجلوس عليه هتك لحرمته؟ فبالأولوية القطعية يكون هدمه وتخريبه هتكاً لها.
  #20  
قديم 22-06-2003, 12:55 AM
البارجة البارجة غير متصل
دكتوراة -علوم اسلامية
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 228
إفتراضي



هدم الوهابية للقبور


والذي ينبئك عن أن هدم قبور أئمة البقيع هتكا لهم وتعرضاً بسوء إليهم ما نشره السلطان ابن سعود في المفاوضات الهندية قائلا في ص17:

«ذكرتم أسئلة ستة تتعلق بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيته، فقد أعلنا غير مرة رأينا في أن قبر النبي وبيته ندافع عنه بأموالنا وأرواحنا وبكل ما نملك ولم نقف أمام المدينة المنورة ونكتفي بحصارها إلا حرمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولمسجده».

وقال ايضاً في بعض مراسلاته إلى بعض العلماء:

وبعد، فإننا نذكرهم أن القبة النبوية لم يمسها أحد بسوء ولم يخطر ببالنا قط أن نمسها بسوء، وإن للرسول حرمة لدينا لا تدانيها حرمة» انتهى.

فإنه كما ترى معترف بأن الباعث لحفظ مرقد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو احترامه بحيث لو مسته يد التخريب كان ذلك سواءاً منافياً للإحترام، وليته أيضاً يعترف بأن احترام النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحترام أهل بيته موجب لحفظ مراقدهم وعدم مسهم بسوء، وإلا فأي فرق بين الاحترامين؟ أم أي تفكيك بينهما.

والحال أن ذرية النبي صلى الله عليه وآله أبعاضه بنص القرآن «إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم».

وفي البخاري: «فاطمة بضعة مني» فهم أبعاضه صلى الله عليه وآله، واحترامهم احترامه، وهتكهم هتكه، صلى الله عليه وآله، فإذا كان هدم
قبة النبي صلى الله عليه وآله مخالفاً لقول الله تعالى وتركاً للسنة ومساً بسوء كان هدم قبور آل الرسول كذلك أيضاً، والفرق تحكم بحث وقول بغير علم.

البناء على القبور في الأرض المسبلة


ومنها: ذهاب علماء الوهابية إلى أنه لو كان البناء على القبور في أرض مسبلة للدفن وجبت إزالتها لأنها تضيق على الناس، وجعلوا هذا وجهاً مصححاً لهدم القباب فيالبقيع. لكنه يتوجه عليهم:

أولاً: سؤال الوجه في هدم سائر البناءات التي ليست في البقيع، أو لم توجب الضيق على الناس، فإنه يحرم هدمها حيث أنه تصرف في أموال المسلمين وتضييع عليهم.

وثانياً: إن ذلك في الأراضي المسبلة للدفن دون المباحات الأصلية التي منها البقيع، حيث لم يعهد من أحد وقفها وتسبيلها للدفن، بل ولم يعهد أن أحداً ملكها ثم سبلها، فعلى من يدعى الوقف والتسبيل إثبات ذلك كله.. وعلى ماذكرنا يستحق المسلمون منها مقدار حيازتها بدفن أو بناء على قبر.

وثالثاً: إن الهدم والتخريب فيما لو وجد بناء على قبر في أرض موقوفة للدفن وعلم أصله وأنه وضع بغير حق، وأما لو وجد بناء في أرض مسبلة ولم يعلم حاله ترك على حاله، لاحتمال أن يكون وضع بحق واللازم حمل فعل المسلم على الصحة فكيف بأفعال المسلمين في طول هذه المدة؟ فإن تلك البناءات والقباب تناولتها أيدي المسلمين في كثير من الأحقاب، وكانت بمرأى من الخلفاء والعلماء ولم ينكرها أحد ولا ادعى أنها بنيت على غير حق إلى أن
ظهرت الوهابية فأقدمت على هدم تلك القباب الطاهرة ورفع آثارها وهدم المساجد المبينة حولها، بلاحق أظهروه ولاعدل أفشوه، بل ذلك خلاف منهم لله ولرسوله ولسيرة الخلفاء من بعده.

تجاسر الوهابيين على المسلمين


ومنها: تجاسر الوهابيين على المسلمين بقتلهم وهتك أعراضهم ونهب أموالهم، حتى إن السلطان أقر على ذلك كما أعلن بذلك في المنشور بعنوان المفاوضات لوفد جمعية خدام الحرمين، لكن جلالة السلطان ابن سعود برأ نفسه من كل عمل عمله أي رجل من قواده وجنوده مما لا يجوز الشرع قياساً لحاله بحال النبي صلى الله عليه وآله، وحال قواده بحال خالد بن الوليد حين بعثه النبي إلى رهط من العرب ـ لا على قتالهم ـ فخدعهم خالد وقتلهم، فلما انتهى الخبر إلى النبي رفع يديه نحو السماء وقال: «اللهم إني أبرأ إليك من صنع خالد» ثلاث مرات.

أقول: مقايسة حال جلالة السلطان بحال خالد بن الوليد ليست من تمام الجهات، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث خالداً للمقاتلة، وإنما هي شيء أتى به خالد من عند نفسه، والجنود المبعوثة من جانب السلطان إلى الحجاز إنما بعثت للقتال والجدال مع الخصم.

ومعلوم أن في الأقطار الحجازية من تكون ذمته بريئة ولا عهد ولا ميثاق له في المقاتلة والمجادلة، مع ما فيها أيضاً من النساء والصبيان وغيرهم من الضعفاء، والواجب على السلطان العارف بحقوق الرعية عدم التجاوز عن الحدود الشرعية المقررة في باب الجهات والدفاع عن البلاد، فلا يبعث إليها من يسومهم سوء
العذاب ويعامل مع المسلمين المبرئين معاملة الألمان في بلاد بلجيكا والفرنسيين، ويسايرهم بسيرة الأوربيين.

أو يقال في مقام الاعتذار للوفد الهندي كما في المفاوضات المطبوعة اليوم:

«وليس ماوقع في الطائف بدعا في تاريخ الحروب في العالم، فهذه أفعال الألمان في القرن العشرين مسطورة في بطون التاريخ من أعمال جنودهم في بلاد بلجيكا وبلاد الإفرنسيين، بل هذه أعمال جنود الخلفاء وسيرتهم في سائر البلاد التي دخلوها» انتهى.

فإذا كان هذا حال المسلمين في الجهاد وفتحهم البلاد، وهذا عذرهم إذا اعتدوا على واحد من أنفسهم وإخوانهم في الدين، فعلى الإسلام السلام، لأن سلوك مسلك الكفارخروج عن الدين. كيف لا؟ والحال أن الكفار لا يرون دون إنجاح مقاصدهم لواحد منهم أو من غيرهم عهداً ولا ذمة، وأين هذا من دين المسلمين المؤدبين بآداب سيد المرسلين؟؟

حتى إنه صلى الله عليه وآله جعل لهم في جهادهم شرائط شرعية واجبة الرعاية. التي لا يراعى واحداً منها أحد من الكفار والمشركين.

ثم إن ما قيل أو يقال في مقام الاعتذار من ناحية جلالة سلطان نجد ينافي ما صدر منه في ص16 من المنشور المبوع باسم المفاوضات ما هذا نصه هو:

«إن ديننا دين الإسلام ومرجعنا في أعمالنا كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسنة الخلفاء الراشدين من بعده وما عليه الأئمة الأربعة، الإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أبوحنيفة، والإمام أحمد رحمهم


الله تعالى. فإذا كان لدى أحد من الناس حجة يوردها علينا في أمر من الأمور فيما يتعلق بهذه الأقسام الثلاثة من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من أعمال السلف الصالح أو من أقوال الأئمة الأربعة فليتفضلوا علينا بها لتكون أول المطيعين» انتهى.

أقول: إن كان الأمر كما ذكره جلالة السلطان وصدر من حضرته هذا الإعلان، فإني أقسم عليه برب الكعبة أن يراجع هذه المسائل المحررة في هذه الرسالة حتى يتبين لحضرته الحق وينكشف لديه الصواب، ويظهر له أن ما صنعته الأعراب من هدم المآثر الإسلامية لو كان بأمر منه فليتدارك، وإلا فالمشتكى إلى الله تعالى ونحتسب عنده ذلك.

ولنا التسلى بما صدر قبل الإسلام من تخريب مردة الدين الكعبة والبيت المقدس وسائر الأماكن المشرفة، وكلك ما صدر بعد الإسلام مما صنعه يزيد بن معاوية من قتله ابن رسول الله وتركه تلك الجسوم الطاهرة على وجه الأرض بلا غسل ولا كفن ولا دفن، ثم عطفه على تخريب الكعبة وإباحته المدينة، بل وما صنعه الحجاج في واقعة ابن الزبير ورميه الكعبة بالمنجنيق..

ثم أقول: لو كانت ذمة جلالة السلطان في الواقع مشغولة، فالتبرئة لا تدفع عن حقوق الناس المتعلقة بالنفوس والأموال، بل الواجب أداء حضرته ما عليه من الحقوق التي صار هو سبباً لتضييقها على صاحبها، والنبي صلى الله عليه وآله معلوم أنه كان برىء الذمة، وإنما تبرأ جهاراً ليعلم الناس بأن ما فعله خالد منالقتل والنهب خلاف لله ولرسوله، ولكنه مع ذلك أرسل علياً عليه السلام لتدارك ما أتلفه خالد على الرهط وجنى عليهم. وأين هذا من صنع السلطان؟
فالقياس الصحيح بحال النبي صلى الله عليه وآله يقتضى أن يصنع السلطان مع المسلمين الذين جنت عليهم جنوده وقواده مثل ما صنع النبي صلى الله عليه وآله من أدائه رسوم الجنايات والتعويض لهم بما أخذ منهم، فإن لكل مؤمن برسول الله أسوة حسنة.

ومنها: أن الوهابية منعوا عن الحرية المذهبية في الديار النجدية والحجازية، وضيقوا على المسلمين في الأخذ بمذهبهم وما أباحه الشارع لهم على طريقتهم، فجعلوا يرمون من قال: يا محمد، ويا رسول الله، بالكفر والشرك، ومنعوا الناس من الترحيم والتذكير والتسليم في أوقاتها، ومنعوا عن مسح قبر النبي صلى الله عليه وآله والالتصاق به والتوجه إليه حال الدعاء، ومنعوا عن شرب التتن وغير ذلك مما لم يصرح الشارع بحرمته والانتهاء عنه ـ لاخصوصاً ولا عموماً.

منع الوهابيين عن الحرية الدينية


وقد أعلنوا ـ كما في ص17 من المفاوضات الهندية:

«إن كل مسلم حر في كل قول أو عمل يجيزه الاسلام، ونمنع من كل قول أو عمل يحرمه الإسلام، إن الحجاز هو مصدر الإسلام وأساسه، فإذا لم تكن الكلمة العليا فيه لكتاب الله ولسنة رسوله ولما كان عليه السلف الصالح، ففي أي مكان تكون الكلمة العليا لهذه الأسس العظيمة» انتهى.

والجواب عن هذا الإعلان: إن المراد من الحرية المذهبية المعروضة لدى السلطان ليست ما أقدمت عليه الأمم الأوربية كي يستحق الوفد هذا الجواب


منه: وإنما يراد بها ما أعلنه الشارع في كتابه وسنة رسوله بقوله: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) .

ومقتضى الآية ـ مضافاً إلى ما عرفت في المقدمة ـ إباحة ما منعت عنها الوهابية وزجرت الناس عليها، كما أن مقتضى قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتاً أو دماً مسفوح) إباحة التدخين، فإن الآية وردت في تلقين النبي صلى الله عليه وآله طريق إبطال شريعة اليهود حيث حرموا بعض ما رزقهم الله افتراء عليه.

والتعبير عن عدم وجود الحرام بعدم الوجدان للإشارة بعد إلقاء الخصوصية إلى كفاية عدم الوجدان في الرخصة والحلية، وأنه طريق إلى معرفة الأحكام الشرعية.

ومثل هذه الآية في الدلالة على حلية شرب التتن قوله تعالى: (وما لكم أن لا تأكلون مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم) حيث دلت على كفاية خلو ما فصل من المحرمات عن ذكر حرمة شرب التتن في الحكم بعدم الحرمة.

ويكفي هذا المقدار من الآيات في نهوض الحجة على البراءة الشرعية وتكون هي الكلمة العليا في الأقطار الحجازية.

ولا يجب على المسلمين أن يجتمعوا على مذهب واحد، وإنما يجب عليهم اتباع الكتاب والسنة حسبما أدت إليه أنظارهم لقوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ، ولقوله سبحانه: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا


قومهم إذا رجعوا إليهم) وقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) .

وفسر أهل الذكر بالعلماء من غير حصر في واحد أو أزيد، فهم المرجع للعوام، كما أن المرجع للعلماء الكتاب والسنة.

وليس في آية أو رواية من حرمة التدخين شيء، والإسراف والتبذير واللغوية جهات خارجية لا تتوجه إلى من يرى الانتفاع بها، وليس التتن مما تنفر الطباع منه كي يعد من الخبائث.

في حلية شرب التتن


ولو سلم فليس بأشد تنفراً من القهوة المرة والعقاقير المتداولة، ولو رأت طائفة أنه حرام ليس لهامنع الشارب إذا رأى أن شرب التتن مباح، فإن النهي عن المنكرإنما هو لمن يراه منكراً، وليست مسألة جواز التدخين أو حرمته من المسائل البالغة حد الضرورة كالصلاة والصوم، والأحكام المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة، وليس لأحد أن يلزم الناس بقول قاله شيخ أو رئيس أو حاكم أو أمير إذا لم يوافقه قول الله وقول رسوله.

قال ابن تيمية في ص32 من الجزء الثالث من منهاج السنة: من اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر ـ انتهى.

والقرآن حكم عدل وقول فصل ينادي بحيث يعرفه كل عربي: بأن


الحكم بما أنزل الله فلا محيض له عن أن يسند حكمه إلى ركن وثيق، وإلا كان حكما بغير ما أنزل الله.
[/align][/color]
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م