استشارة منقولة من اسلام اون لاين
بداية أود أن أذكر نقطة أحسبها في غاية الأهمية: لن أسوق إليك تعريفًا للموهبة بل دعينا نسمه تعرفًا عليها؛ فنحن نحتاج لأن نتعرف الموهبة في أبنائنا جميعًا لا أن نذكر تعريفًا بقصد فصل أطفالنا لفريقين: أحدهما موهوب، والآخر غير موهوب؛ لأن هذا أمر غير سليم من الناحية العلمية؛ فضلاً عن أن تناول الموضوع بهذا الشكل يعوق ويستبعد كثيرًا من الأطفال الذين من الممكن أن يكونوا مشروع موهبة.
وسؤالك للحق يحتاج لتفصيلات كثيرة لتناول أكثر من مفهوم (الموهبة – الإبداع – التميز –التفوق الذكاء) بينها كثير من التشابك والتداخل، وسنحاول معا فك هذه التشابكات بما تسمح به المساحة المتاحة وبما يقرب المفهوم من أيدينا لنتناوله ونتعامل معه. وسأحاول الإجابة في نقاط:
أولا: (الموهبة- الإبداع- التميز) كل هذا أشكال مختلفة للأداء المتميز، وأهم ما اتفق عليه الباحثون أن الأداء المتميز يعني أن يكون جديدًا ليس له مثال سابق؛ وأن يكون مفيدًا بالطبع، وبالتأكيد فإن هذا الأداء أمر نسبي؛ ولذا بقدر الجدة والمنفعة يكون درجة تميز الأداء، ويظهر هذا الأداء المتميز في واحد أو أكثر من المجالات الآتية:
1- القدرة العقلية العامة.
2- الاستعدادات الأكاديمية الخاصة.
3- التفكير المنتج الإبداعي.
4- القدرة القيادية.
5- المواهب الفنية الخاصة (البصرية – أو الأدائية).
6- الاستعدادات الحركية (الرياضة البدنية).
ثانيًا: باختصار كل هذه التعريفات تصف الطفل مرتفع الذكاء، على أن الذكاء يمكن تنميته في السنوات الأولى من حياة الطفل بقدر تعريضه لإثراء جيد للبيئة.
ثالثًا: هناك اعتقاد شائع بوجود علاقة بين التفوق الدراسي والذكاء المرتفع، وأن عدم التفوق المدرسي دليل على عدم الذكاء وغياب الموهبة والتميز؛ وهذا أمر يرفضه العلم والواقع معًا، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ حيث يذكر التاريخ عددًا من الأسماء البارزة ممن لم ينالوا حظًا من التعليم النظامي المتعارف عليه بشكله الحالي، وبالطبع هذا لا ينفي أن التفوق المدرسي بداية جيدة للأداء الجيد نسعى لتحقيقها.
رابعًا: يمكننا ببساطة ودون خوض في الكثير من التعريفات النظرية أن نقول: إن الطفل الموهوب هو من يمتلك قدرة استثنائية أو استعدادًا غير عادي في مجال أو أكثر من المجالات العقلية والإبداعية والاجتماعية والانفعالية والنفسية.
خامسًا: أما عن قوائم صفات الموهوبين فالمراجع والأبحاث العلمية التي تناولت هذا الأمر تذكر العديد منها، ولكن يعنينا في هذا أن نشير إلى أنه لا يشترط اجتماع كل الخصائص والصفات في شخص واحد لنصفه بأنه موهوب؛ وذلك لتشابك محددات الموهبة فبعضها اكتشف بالفعل وبعضها قيد البحث.
وأوضح بمعنى أدق: ليس كل من تتوفر فيه الصفات الموجودة في القوائم موهوبًا، وليس كل من لم تنطبق عليه الصفات غير موهوب. ولذا يعنينا في هذا الأمر أن نعتبر هذه الصفات مجرد إشارة لإمكانية وجود موهبة لنسرع بتعهدها ونسعى لاكتشاف المزيد منها بل وغرس بعض ما يمكننا غرسه لإثمار الأداء المتميز. وهذا ما يعبر عنه دائما بقول: "كل طفل مشروع موهبة، خاصة إذا كانت مجالات الموهبة تتسع لتشمل كل مجالات النشاط الإنساني؛ ولذا فمن حق الطفل الحصول على أفضل فرص للنمو".
وهناك فرق واسع بين أن نحكم على أطفالنا ونصنفهم لموهوب وغير موهوب، وأن نتناول الخصائص المميزة كبوصلة تدل على المساحات التي يجب الاهتمام بها ونتجه فورًا للبحث عن الوسائل التي تكفل التنمية لأقصى حيز ممكن. ولا يعنينا فقط عملية التصنيف التي كثيرًا ما تكون جائرة وغير سليمة، بل دعوني أقل بأن ضمير الأمومة يأباها ويرفضها.
- ومن السمات التي ذكرت ضمن قوائم تعرف الموهوبين وقد يظهر بعضها أو تتفاوت في درجتها بين طفل وآخر،امتلاك ثروة لغوية كبيرة، واستخدام مرادفات لا تنتشر بين أقرانه من نفس العمر.
ودورنا هنا التساؤل: كيف يمكننا بناء هذه الثروة اللغوية؟ وهذا السؤال له إجابة عبر الكثير الذي يمكننا فعله -وأرجو أن نتمكن من التفصيل فيه على أثر سؤال آخر- لكن الآن دعينا نعد إلى السمات الدالة على الموهبة لدى الطفل، منها:
* بناء الطفل لجملة مركبة، والبدء مبكرًا بالكلام مقارنة بأقرانه.
* سهولة التعلم وسط ظروف مناسبة.
* استياء الطفل من عدم الحصول على إجابات مقنعة وكافية.
* القدرة على القراءة المبكرة أو النضج المبكر للقراءة قبل أقرانه.
* امتلاك ذاكرة قوية وقوة ملاحظة للتفاصيل.
* الشغف بالمعرفة وطرح العديد من التساؤلات: كيف – لماذا – متى – أين...
وأول أدوارنا عدم الاستياء من الأسئلة الكثيرة لأبنائنا، ومحاولة تقديم محتوى يفكر فيه الطفل لنشعل لديه شرارة التساؤلات على أن نجيب إجابات سليمة وغير مغلقة النهاية لتشجع الطفل على مزيد من التساؤلات، الأمر الثاني هو تدريب الطفل على استخدام الأسئلة، ولهذا أيضا تفصيل مؤجل:
* استياء من عدم الحصول على إجابات مقنعة وكافية.
* التفكير بشكل منطقي لافت للنظر.
* إمكانية التفكير في الأشياء المجردة؛ ويمكنه تعميم التعلم.
* الاستقلالية وربما تصل لعدم الامتثال بصعوبة.
* المرونة والتكيف مع الأوضاع الجديدة.
* ممارسة الألعاب التي تستند على والفك والتركيب والتحليل والربط أكثر من استخدام الألعاب التي تستند على الحظ.
* إبداء قدرة عالية على التعامل مع الألعاب التركيبية المعقدة.
* العمل لفترة طويلة في مجال يهتم به.
* التمييز المبكر بين اليمين واليسار.
* إدراك مبكر لمفاهيم السببية؛ والقياس والحجم والوقت ومقارنة الأشياء مستخدمًا هذه المفاهيم.
* امتلاك ذاكرة مكانية قوية، والقدرة على تحديد الاتجاهات بدقة.
* العد المبكر لأعداد فوق العشرة والعشرين.
* حل المسائل الحسابية البسيطة بشكل مبكر.
كذلك يوجد عدد من الصفات النفسية الإيجابية والسلبية التي يشترك فيها الموهوب والمتفوق نذكر منها أولا الصفات الإيجابية:
* مهارة في التعبير عن أفكاره ومشاعره.
* الإنجاز السريع لما يطلب منه من أعمال.
* العمل بعناية وضمير.
* حب التعلم والاستكشاف والسعي دائما وراء المعلومات، ودقة ملاحظة ما يدور حوله واكتساب الخبرات من هذه الملاحظات.
* الحساسية لاحترام مشاعر الآخرين واحترام حقوقهم.
* الاشتراك في المنافسات، وإثراؤه لها بآرائه.
* سرعة وإدراك العلاقات التي تربط الظواهر أو المشكلات بأسبابها أو العوامل التي تؤثر فيها.
* القدرة الفائقة على استخدام مهارات القراءة، واكتساب معارف ومعلومات جديدة للإسهام في خلق جو من المرح والبهجة وإسعاد الآخرين.
هذا بالإضافة لعدد من الخصائص النفسية السلبية منها:
* السعي بإصرار للتحكم في المناقشات التي يشترك فيها.
* قلة الصبر أحيانًا في الانتقال من مرحلة إلى أخرى في عمله أنشطته.
* إمكانية التهور بذكر ملاحظات كبيرة غير قائمة على أساس سليم من المعلومات والخبرة.
* احتمال تفضيل القراءة على حساب الأنشطة الاجتماعية الأخرى، والتفاعل مع الآخرين.
* معارضة أو تجاوز النظم والقواعد والتعليمات أو المعايير.
* المعاناة من إحباطات نتيجة غياب المنطق أو تجاوزه في ممارسة الحياة اليومية.
* احتمال الاندماج لفترات طويلة في أحلام اليقظة التي تبعده عن الواقع المحيط به وتحول بينه وبين التركيز والانتباه.
* إمكانية الشطط والخروج عن الموضوع أثناء المناقشة لجوانب لا علاقة لها به.
* الشعور بالملل بسبب التكرار والإطالة في شرح قواعد أو بديهيات أو مفاهيم.
* تجاوز الحدود في سرد النكات أو المرح.
* مقاومة الالتزام بجدول أو نظام قائم على الوقت وليس على العمل نفسه.
* سرعة فقد الاهتمام بالأشياء أو الهوايات.
* أخطاء في الهجاء ورداءة الخط.
* الاندماج في أنشطة حركية زائدة مثل الانتقال من عمل غير مكتمل لآخر خاصة حين الافتقاد لمتنفس لطاقاته العالية في أعمال تتصل باهتماماته وتتحدى ذكاءه العالي.
* المعاناة من اضطراب النوم والقلق.
* الإحساس بالغرور وما يترتب عليه من عزلة اجتماعية أو تهاون يؤدي للفشل في أعمال بسيطة.
وإجمالاً علينا بإثراء بيئة الطفل بكثير من الأنشطة والاهتمامات التي تتيح التعرف على مواطن القوة والضعف في أداء الطفل، وكذلك تتيح التعرف على اهتماماته لأنها البوصلة الأولى التي توجه رعايتنا له، بما يعني ضرورة التعمق في اهتمامات الطفل وتعقيد الأنشطة المقدمة له لحفز مهارات التفكير العليا لديه، ويراعى التنوع والمرونة في هذه الأنشطة والتي تستثير التفكير وتكشف عن القدرات الإبداعية لدى الطفل، إضافة للسماح للطفل بالتفاعل الإيجابي مع بيئته والتواصل الاجتماعي.
على أن نعلم أن هذا الذي عرضته هو مجرد طريق لتعرف على ما يمكن أن يمتلكه أطفالنا من صفات تؤهلهم ليؤدوا أداء عاليًا في مجال أو أكثر من المجالات، وعرضنا له كما أسلفت ليس بغرض التصنيف وإنما بغرض التنمية المتاحة فعليًا لكل أطفالنا، وعلينا إذا ما وجدنا بعضًا منها في أي من أطفالنا أن تتسع الدائرة لاكتشاف أدق وتقديم برامج خاصة لهذه الفئة من الأطفال، وذلك عن طريق المراكز المتخصصة لذلك.
ما أوردته اختصارًا ينتظر مزيدًا من التساؤلات عن كيفية التنمية وهي الناحية التطبيقية من الموضوع، وهي الكيفية الوحيدة التي يتحول بها العلم إلى نور؛ فالعلم بلا تطبيق تمامًا كالمصباح بلا كهرباء.
في انتظار السؤال عن توصيل الكهرباء، ونحن دائمًا معكم.
__________________
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهنّد
سأغيب وقد يطول غيابى
فان طال
فتذكّرونى بالخير
وسامحونى على التقصير والذلل
وان عدت فترقبونى فى حلّة جديدة
اخوكم/
عاشق القمر
|