يـا ضيعة الآمــال في زمن تُبـاع به القيمْ
وُئدَ الحيــاءُ وحُطِّمت في عصرنا شُمُّ الشيمْ
لا تســألوا عـن أمتي في عالَمٍ شــرهٍ نَهمْ
لا تســألوا عن قصعة فــوقَ الموائد تُلتهمْ
لا تســألوني فـالجوابُ يزيدُ في قلبي الألمْ (3)
وإن سألتم، فماذا عسانا نقول؟! إنها كارثة ومأساة ؟! فمن لمئات الآلاف من الأيتام الذين كانت تكفلهم تلك المؤسسات؟ من للمرضى؟ من للمساجد والمدارس؟! من سيتولاها؟ من سينفق عليها؟ من للمنكوبين والمستضعفين؟ من للأرملة والمسكين؟ أترك الإجابة لكل ذي ضمير حي وإحساس نبيل؟ أترك الإجابة لكل إنسان يحمل الإنسانية الصادقة بين جنبيه، يا الله كم ستكون الصدمة شديدةً إذا عطل هذا الدور، أو توقفت هذه المسيرة، أو حجب ذلك النور، يا الله كم ستكون المصيبةً كبيرةً إذا جُفِّفَ ذلك النهر من العطاء، أو أغلق هذا الباب من الخير، ستكون الكارثة التي تحل بالأرض، فلا تعاون ولا تآزر، ولا تواصل ولا تراحم، ولا سخاء ولا عطاء، ليهلك المريض، ويموت الجائع، ويرتكس العالم في مستنقعات الجهل والبدع والخرافات، فهذه المؤسسات هي اليد الرحمة التي تمتد على كل أرض، وتجوب كل قطر، فتمسح دموع اليتامى، وتبدد أحزان الثكالى، وتقتلع مآسي الأرامل، وتراعي الأطفال، وتواسي المنكوبين، فكم للشتاء القارس من رزايا، وكم للحروب من ضحايا، وكم للفقر من أنياب تعض أكباد الجياع والمعوزين، كم من يتيم مات أبوه، وأرملة فقدت عونها وشريكها، وثكلى بقيت وحيدة تجتر آلامها وأحزانها، فطرقت مؤسسات العمل الخيري أبوابهم، تحمل الأفراح بعد الأتراح، وترسم البسمة مكان الدمعة، وتشعل الشمعة وسط الظلمة، وتكون لمسة حانية في وجه قسوة الأيام والآلام، فالمؤسسات الخيرية الإسلامية كانت وما زالت خير معين، في رفع المعاناة عن كاهل المنكوبين، بل لقد تجاوزت حقوق : ((فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍالإنسان إلى حقوق الحيوان، امتثالاً لقوله أَجْرٌ))، بل ها هو أحد مصارف الزكاة الثمانية موجه للمؤلفة قلوبهم من غير المسلمين أينما وكيفما كانوا . فأي شقاء سيحل بالبشرية إذا حيل بينها وبين هذا الخير، وأي بؤس سيعشعش في أجوائها إذا اغتيل هذا العطاء . أيعقل بعد هذا الخير كله أن يكون هناك من يُغيظه نجاح العمل الخيري، وتأثيره العالمي ؟!.أيها المسلمون: إن اتهام المؤسسات الخيرية بالإرهاب أو التضييق عليها من الأعداء، أمر ليس ذا بال، ولا يهمنا لأنه ليس بجديد، بل هو الصراع بين الحق والباطل منذ زمن بعيد، لكن أن تُجهض المؤسسات الخيرية، وبأيد مسلمة، فهو ظلم تقشعر له الأبدان .
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على المرء من وقع الحسام المهند
إي وربي ظلم وأي ظلم، يوم تُتهم اليد الحانية بالغدر، ويفاجأ العاملون المخلصون بالنحر؟! كان المفترض أن يُشكرون، أو على الأقل أن يستشارون فهم مؤتمنون، وهم أصحاب رأي وتجارب، لقد كانوا يعملون ونحن سادرون؟ كانوا يسهرون ونحن نائمون؟ كانوا يجوبون الأرض ونحن بين أزواجنا وأولادنا منعمون؟ كان همهم إشباع الفقير، وتقديم الدواء للمريض، وتوفير الغطاء لليتيم، وإزاحة ركام الأسى والألم من قلب الثكلى والأرملة، كواهلهم مثقلة بالأعباء ، يمدون أيديهم بالعون وألسنتهم تلهج بالدعاء، وقلوبهم تنضح بالصفاء، إنهم الرئة السليمة في هذا العالم الموبوء، ويوم تخنق هذه الرئة، أو يحجم دورها فهي الكارثة الكبرى، والخسران المبين للناس أجمعين .عباد الله! لقد بدأت قصة المحاولات لاغتيال العمل الخيري الإسلامي قديمًا عندما شرقت الهيئات التنصيرية رغم ضخامة حجمها ودعمها، نعم شرقت وربي بثمار وبركات المؤسسات الخيرية الإسلامية رغم التضييق عليها وضعفها، لقد جن جنونهم وبذلوا المستحيل، وبان العداء، وانكشف الغطاء، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، وذلك باتهام ومطاردة كل ما هو إسلامي، فمورس مع هذه المؤسسات وعلى مستوى العالم كل أنواع التضييق والتحجيم والإغلاق لمكاتبها، والتهديد والترحيل والاعتقال لمنسوبيها، وإدراج الكثير منها على قائمة المنظمات الإرهابية، وتوالت الضغوطات على الحكومات الإسلامية تجاه هذه المؤسسات والجمعيات بالداخل؛لتقطع خيرها عن المسلمين ودعم قضايا الإسلام بأي صقع في العالم، حتى ولو كان لأيتام يتضورون جوعًا في دغل إفريقي، في الوقت الذي تُطلق فيه آلاف الجمعيات التنصيرية واليهودية بكل مكان في العالم وبكل التسهيلات، خاصة في بلاد المسلمين، فلا أحد يستطيع أن ينكر حجم نشاط الجمعيات الغربية والتنصيرية في أفغانستان والعراق خاصة بعد الحرب عليهما، بل إن عدد المؤسسات غير الربحية في أمريكا وحدها تزيد على مليون ونصف المليون،كما تشير التقارير والإحصائيات الرسمية، وأن ثلثيها مؤسسات خيرية، والعجب معاشر الإخوة أن مجموع إيرادات هذه المنظمات يزيد على مائتين واثني عشر مليار دولار، كما يشير آخر إحصاء في عام ألفين وواحد، وأن ثمانٍ وثلاثين بالمائة (38%) منها تذهب لمنظمات وأغراض دينية. أما في إسرائيل الدولة الصغيرة الناشئة فتؤكد الدراسات أن عدد المنظمات غير الربحية فيها عام ألفين واثنين: أكثر من ثلاثين ألف منظمة مسجلة، وأن نحو النصف منها قائم على أساس ديني، وقد بلغت تكاليف مشروعاتها الخيرية في ذلك العام وحده: إحدى عشر مليار دولار، وتؤكد الدراسات أن أكثر هذه المنظمات الأمريكية والإسرائيلية بل وفي كثير من الدول الغربية: معنية بالدين والتنصير، ومن حقها القانوني العمل في الخارج وفي جميع ساحات النزاع والصراع، ولها كل التسهيلات وتذليل العقبات..، وأن هذه المؤسسات شعبية حرة طليقة لا علاقة للحكومات فيها بأي حال، بل هي تسمى: بالقطاع غير الحكومي، أو بالقطاع المستقل، وهو استقلال حقيقي يحظى بالدعم المادي والمعنوي الكبير، وكل هذا دلالات على إدراك القوم بأهمية مؤسسات العمل الخيري وتعددها، ويقينهم بأنها لا يمكن أن تكسب ثقة الناس وتعاونهم إلا باستقلالها عن الحكومات، وهم يعرفون جيدًا دورها العظيم في التنمية وبناء الحضارات، فأين المتأمركون فإن هذا ما يستحق أن يقتدى بهم ويؤخذ من تجاربهم، فيا سبحان الله!
أحرامٌ على بلابله الدوح حلالٌ على الطير من كل جنس ؟!
ويشتد أخي بك الألم ويبلغ مداه عندما تسمع أنه في الوقت الذي يُسعى لاختزال أعمال الجمعيات الخيرية بمؤسسة واحدة، يتم في أمريكا افتتاح مائتي (200) جمعية خيرية يوميًّا، وبشكل مستمر حسب ما أشارت إليه معدلات النمو في بعض الدراسات، وتصيبك الحسرة حين تعلم أن مجموع عدد المنظمات الخيرية في كل أقطار العالم العربي تقدر بنحو ثلاثين ألف منظمة، أي بحجم مؤسسات دولة إسرائيل وحدها، ولم أجد إحصاءات تَذكر مجموع إيرادت تلك المؤسسات العربية، لكن يكفي أن أذكر أن عدد الجمعيات الخيرية المعنية بشئون الخارج في مجموع دول الخليج يقدر بثلاث وثلاثين منظمة فقط، وقد لا يتجاوز حجم إنفاقها السنوي نحو نصف مليار دولار، يزيد أو ينقص قليلاً . فيا عجباً! أيصدق هذا ؟ أيعقل أن هذا المبلغ الزهيد نصف مليار أمام مئات المليارات، هو الذي أحدث ضجة في الأروقة السياسية في دول العالم الكبرى، وأقام كل هذه الضجة الإعلامية والسياسية، وكل هذه الضغوطات على الحكومات الإسلامية، من إغلاق وتحجيم لمؤسساتها الخيرية، إنها أرقام إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَتزيد المسلم يقينًا بخبر القرآن: أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ إنه اليقين برب العالمين، إنها بركة المال المسلم، وإن كنا نتألميُحْشَرُونَ عندما نعلم أن الكثير من هذه المؤسسات الإسلامية رغم قلتها وضعف إمكاناتها، قد أغلق، أو حجم ؟! وقد يكون بعضها مؤسسات عريقة ذات اسم عالمي، وكل منصف سيدرك حتمًا أن إلغاء المؤسسات الخيرية القائمة، والتي لها باع طويل وخبرة في العمل الخيري سيترك فراغًا تنشط فيه الخلايا المشبوهة، والأعمال الفردية، وسيغذي التطرف والتشنج، وسيحرج العقلاء والعلماء، وربما يكون التوجه للمؤسسات الخيرية في الدول المجاورة، والخطر كل الخطر أن الساحة العالمية ستخلو لآلاف المؤسسات التنصيرية وغيرها من المؤسسات الغربية..، فهل يُتنبه لهذه الآثار قبل فوات الأوان؟! ثم إن الجميع يشهدون بأن مؤسسات العمل الخيري واجهة إنسانية مشرفة لهذا البلد، وأن لها دورًا كبيرًا في تأصيل وتوثيق سمعة وعلاقة هذه البلاد وأهلها بالدول والشعوب والأقليات المسلمة، حتى أصبحت هناك ولاءات متينة وكبيرة لهذه البلاد وقادتها وشعبها، وبالتالي فلا بد أن ندرك أن أي محاولة لتحجيم أو إضعاف دور تلك المؤسسات لا شك سينعكس سلبًا على تلك العلاقات، بل هو سيثبت للمشككين تلك الادعاءات الصهيونية بأن بلادنا دولة إرهابية، وأنها تدعم الإرهاب، وأن الوهابية تعني التطرف والعصبية، وكلها افتراءات ومحاولات مستميتة لإبعاد هذه البلاد المباركة عن مكانتها الدينية والعلمية والدعوية والإغاثية .
.
__________________
معين بن محمد
|