لكن قلت لانخليها من المسؤولية ؟
نعم ، الشعوب إذا سكتت عن الظالم ، وطأطأت رأسها ، كانت من الظلمة ، فعوقبت بدوام الظلم عليها ، كماقال تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) .
ولكي تخرج من حالة الرق التـــي هي فيها ، يجب أن تثور في وجه الظلم ، فحينئذ تستحق أن تصبح حرة .
ويذكر الناس قصة معبرة عن هذا ، أن أحد بطانة ملك طاغية اقترح عليه أن يضع على الناس ضريبة للمرور في طريق ما ، فخشي أن يثور الناس ، فقال : فلنجرب ونرى ، وأقامت الشرطة حاجزا ، وشرعوا في أخذ الضريبة ، فبذلها الناس ومضوا ، فحينئذ فرح الملك بنشوة السيطرة .
فقال الوزير : مارايك أن نضرب كل واحد منهم صفعة ،، مع أخذ الضريبة !!
فقال : لا ،، إنهم سيثورون حتما علينا ،
قال : نجرب ، فنجحت الخطة ،
فكان المواطن يمر فيعطي درهما ، ويأخذ صفعة على رقبته من وراء ،، ويمضي ،
ثم قال الوزير : لنطأ على رقبة كل واحد منهم ،، فوق الدرهم والصفعة ،
فقال الملك أما هذه ، فسيثورون حتما،
قال : ما أرى ذلك أيها الملك ،، إنهم قد استمرءوا الذل ،
ففعلوا ما رآه الوزير ، فلم يفجأهم إلا وأحد الناس يأتي مسرعا إلى الملك ، فخشي الملك أنها أول الثورة ، فلما وصل اللاهث تعبا منهكا ، إلى الملك، حياه وطأطأ ، ثم قال أيها الملك المعظم ، لقد ازدحم الناس بسبب قلة الشرطة الذين يطؤون رقابهم عند أول الطريق ، فلو زدتم عدد الشرطة !
وهكذا إذا سكت الشعب عن الظلم ، واستنصره المظلوم فخذله ، سلط الله عليهم الظلمة .
فضيلة الشيخ ـ قبل أن أنسى ـ النصوص الـــتي تحرم الخروج على الحاكم ألا تفيد أن هذه القصة الطريفة يعني في سياق ـ عفوا تحمّلني يا شيخ ـ مقبول على الأقل ؟
معاذ الله ، لايمكن أن يكون الإسلام الذي جاء لإكرام الإنسان ، يعلمه الذل والخنوع والمهانة ، تلك النصوص جاءت في سياق واضح ، وهي دفع المفسدة الأعظم باحتمال الأدنى ، فظلم السلطة الجزئي فساد يتحمل في جانب فساد شق وحدة الامة بالثورة المسلحة، فهذا معنى شرعي واضح، ومقبول عقلا ،
لكن إذا كان النظام نفسه تحول إلى مفسدة عامة ، وأعظم مفسدة تبديل الشريعة ، وهو كفر أكبر مخرج من الملة ، فكيف إذا أضاف إلى ذلك الظلم العام ، وإسلام الأمة لأعدائها ، والسعي في إفسادها، فهذا الفساد ليس أمرا جزئيا يتعلق بالأفراد ، فالنصوص لاتتناول هذه الصورة لا بمنطوقها ، ولا بمفهومها ، ولا بمعقولها .
وما رأيك بمن قال تبديل الشريعة ليس كفرا أكبر حتى يستحل ؟
أولا هذا في غاية الضعف ، وقد بينت هذا في فتوى سابقة ، ولم يزل العلماء يوضحون هذه المسألة ودلائلها واضحة في الكتاب والسنة ، وثانيا عامة هذه الدساتير الوضعية تستحل التحاكم إلى غير الشريعة أصلا هذا منطوقها الواضح ،
فالقول بأن الدساتير الوضعية الحالية لاتستحل التحاكم لغير الشريعة ، كمن يغطي الشمس عن عينيه ، إضافة إلى أن معايير الشريعة الإسلامية أصلا استبعدت من نظام الدول اليوم ، في علاقاتها الخارجية ، وتحالفاتها ، وموقفها من الأمة ، وفي أنظمتها وقوانينها الداخلية ، لاتكاد تذكر الشريعة أصلا ، بل ذكرها يستغرب عندهم ،
وهذا الواقع لاتخفى منه خافية ، وهو يزداد سوءا ، يوما بعد يوم ،
حتى أجازت بعض القوانين الشذوذ الجنسي أو هي في طريقها إلى ذلك ،
فالذي ينكر أن هذه الأنظمة لاتنظر أصلا إلى الشريعة ولا تعبأ بها ، إما جاهل ، أو يقول كلاما يريد به التزلف للسلطات فحسب ، فلامعنى لشرط الإستحلال أصلا في واقع هذه الدساتير الوضعية الطاغوتية .
كثيرا ما نسمع كلمة ( التكفيريين ) لو توضح الموضوع فضيلة الشيخ ؟
هذا أقرب إلى المصطلح السياسي منه إلى المفهوم الشرعي ، فالقرآن فيه مئات الآيات الـــتي تذكر الكفر ، وتذمه ، وتبين احكامه ، وتحذر منه ، وتأمر بجهاد الكافرين ، وتذمهم ، وتلعنهم ، وكذلك مئات الأحاديث ، فهل يطلق على القرآن كتاب (تكفيري) ، من قال هذا فهو زنديق ،
بل يبدو أن هذا هو الهدف أصلا من إشاعة هذا المصطلح ، فالهدف منه إزالة الحد الفاصل بين الإيمان والكفر ، وتمييع تميز المسلمين عن غيرهم ، ولهذا يقولون ( نحن والآخر ) مثلا ، لايريدون استعمال اللفظ ا لقرآني، ولا يخفى أن دوائر علمانية مرتبطة بالسفارات الأمريكية وراء هذه الشعارات المشبوهة . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
والتكفير منه فرض وهو تكفير من كفره الله ورسوله ، بل لايصير المسلم مسلما إلا إذا كفر من كفره الله ورسوله وإلا يكون مكذبا للقرآن.
ومنه محرم وهو تكفير المسلم الذي لم يتركب ناقضا .
فكيف يصح إطلاق وصف (التكفيري) على أحد ؟!
فهو مثل إطلاق وصف المصلي ، والصائم ، والمزكي ، فكما أن كل مسلم يجب أن يصلي ، ويصوم ، ويزكي كما أمره الله ، ثم إذا صلى خلاف ما أمره الله ، أو صام ، أو زكى خلاف ما أمره الله ، يكون مبطلا واقعا في محرم ،
كذلك يجب عليه أن يكفر من كفره الله ورسوله ، وإذا خالف ذلك كان مبطلا واقعا في محرم .
غير أن المقصود بإطلاقه إعلاميا إنقاذ الكفار وأذنابهم من حكم الله تعالى عليهم بالكفر ،
وأيضا محاصرة من يريد حماية الدين والعقيدة ، محاصرتهم نفسيا وعزلهم ، وهي خدعة مزيفة ساقطة .
والعجب أن أمريكا الـــتي تشجع مثل هذه المصطلحات هي اكبر دولة (تكفيرية) ، فهي أول دولة استعملت مصطلح الدولة المارقة للدول الـــتي تخرج عن سيطرتها ، وهي استحلت دماء ، وأعراض ، من يخالفها في سجونها ،
وهي الــتي تقتل الأبرياء وتسفك دماء الشعوب إرضاء لأطماعها ،
وكذلك الطواغيت العربية وغيرهم ، يكفرون المخالفين السياسيين لهم ، ويسومونهم أشد العذاب ، ولا يرحمون من يعارضهم وينزلون به أقسى العقوبات ويعاملونه اشد من معاملة الكفار ،
بل الكفار عندهم محترمون ،والمعارضون السياسيون في منزلة أشد من الكفار،
هذا شأن كل الأنظمة العربية فهم أكبر تكفيريين أصلا إذا سلمنا بهذه الإطلاق ،
والعلماء الخونة الذين صاروا أبواقا لهم ، يعلمون ذلك ، لكنهم يصمتون كالشياطين الخرساء ، يصمتون عن هذا الظلم من الانظمة ، ويطلقون ألسنتهم المريضة في إخوانهم الذين يحكمون بما حكم الله تعالى به ، في تكفير من كفره الله ورسوله ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
لئلا يتشعب فينــا الكلام فضيلة الشيخ كنا نتحدث عن النهضة ؟ ثم عن النظام السياسي الذي يبرز وجه الامة الحضاري؟
نعم أقصد لايمكن أن تتوجه الأمة حضاريا نحو المنافسة العالمية إلا إذا أوجدت لها نظام سياسيا شرعيا صالحا ، فهو الذي يفجر طاقتها ، ولهذا حرص المحتلون منذ القرن الماضي إلى منع كل أسباب بروز هذا النظام.
وماهو بالتفصيل فضيلة الشيخ ؟
أولا عودة نظام الخلافة تحكم بالشريعة، فهذه الأمة لايصلح لها ، ولن تنهض ، إلا أن تكون أمة واحدة بخليفة واحد ، وولاء واحد بينها ، يحكمها بشريعة الله تعالى .
فيجب أن تكسر كل هذه الأصنام، الـــــتي هي النظم السياسية القائمة على فكرة الدولة المعاصرة بالمفهوم الغربي العلماني ، ونبنى نظام الخلافة القائمة على مفهوم العقيدة الملي الإسلامي ، فهذه من أعظم الفروض التـي تأثم الامة بتضييعه ، وتضييعه سبب ذلها أصلا .
ثانيا يجب أن يكون هيكل النظام الإسلامي ، مبنيا على أساس حفظ رسالة الامة ، وحقوق أفرادها ،
وأن النظام السياسي نائب عن الأمة ، إن حاد عن خدمة رسالتها إلى خدمة عدوها يزاح ولو بالقوة .
ثالثا أهم أهداف هذا النظام السياسي إيجاد الأمة القائدة للبشرية العالية بدينها على كل الأمم الأخرى ، و المسلم المجاهد المعتز بدينه المحفوظة كرامته .
وكيف السبيل إلى هذا الهدف فضيلة الشيخ ؟
نبدأ بالوعي ، لنخرج الامة من أزمة الوعي ، يجب أن يحصل إنفجار ثقافي هائل يوعيها بما هي عليه من التردي ، ويكسر كل الأغلال ، ويحطم كل المحرمات التـــي وضعتها السلطات الأمنية في النظام العربي برمته ،
يجب أن يعرف المسلم في بلاد الإسلام حقوقه كلها ، وحقوق امته عليه ، ويثور على كل نظام سياسي يحول بينه وبين حقوقه ،
والآن في ثورة المعلومات والاتصالات أصبحت ثورة الحقوق في متناول اليد ، بل هذا هو المتوقع ، ولهذا السبب نجد الشعوب بدأت تتحرك ، فالمعرفة قوة ، وإذا اتصلت الشعوب الاسلامية مع بعضها ، وأمكن المفكرون الأحرار أن يصلوا إلى أدناها ، وأقصاها ، فينيرون الطريق ، فستنهض .
ثم بعد ذلك ؟
ثم لاتسأل عما بعد ذلك ، فهي إذا أدركت الطريق الصواب ، وأرادت الحرية، فلن يقف في وجهها شيء ، وسيتساقط هذا النظام الجائر الذي جثم على أمتنا .
متى تتوقع ذلك ؟
قريبا إن شاء الله تعالى.
مع تراجع الهيمنة الأمريكية الـــتي تحمي هذا النظام لانه يحقق أطماعها والصهاينة .
بالنسبة لوسائل التغيير السلمية فضيلة الشيخ، أو وسائل الاحتجاج مثل المظاهرات ما حكمها؟
الوسائل لها حكم المقاصد ، أصلها مباحة فإن أفضت إلى مشروع ، فهي مشروعة والعكس بالعكس، والمهم أن تنضبط بالشرع إن ترجحت مصلحتها وأثمرة نتيجة مفيدة للدعوة .
وكل بيئة تقدر فائدة هذه الوسائل بقدرها .
ما رأيك بمن يحرمونها مطلقا ؟
لاوجه له ، ولايجري على قواعد الفقهاء ، واضح أن تحريمها من اجل إرضاء السلطة فقط ، والعجب أن بعض السلطات تسمح ، ومع ذلك يفتـي من يفتـي بالتحريم ، فهذا أدنى من مستوى النقاش أصلا .
لكن ياشيخ الأمة في شتات وتفرق وحتى الحركات الإسلامية متفرقة ومختلفة وتتناحر أحيانا ؟ والمجاهدون لوحدهم لايمكنهم النهوض بكل الامة ؟
يجب أن نغرس روح التعاون ، والتسامي على حظوظ النفوس ، فلايمكن لحمَلَة هـــمّ الأمة أن يتفرد كل منهم بنهضتها ، فالمجاهدون هم حربتها ، والعلماء والمفكرون فكرها وعقلها ، والدعاة لسانها ، وعامة المسلمين مادتها وجسدها ، وهكذا لايمكن إلا باجتماعهم أن تنهض الأمة ،
وإذا توجه الجميع إلى هــمّ الأمة الواحدة ، وتركوا وراءهم تعصباتهم الحزبية والشخصية سيجتمعون بإذن الله
، وهذا إنما يحدث في المحن ، والشعور باستهدافهم جميعا ، من عدو يشركهم جميعا بحقده وعداوته ،
وهذا ما سيحصل بإذن الله ، ولهذا قلت قبل قليل ستمر أهوال ،ومحن ستكون في صالح الأمة بإذن الله .