وجهة نظر
ما هي عقوبة الزوج (الكاسر) ؟!
نبيلة حسني محجوب
المشكلة تحتاج إلى حل.. والحل يتطلب أكثر من خطوة في أكثر من اتجاه من أجل نيل المرأة حقوقها.. من أجل حمايتها من العنف الأسري ومن العلاقة الزوجية التي ليس لها غير الشكل الاجتماعي.. لكن داخلها انهيار تام. مسكينة أنت يا رانيا، حزنت عليك كثيرا، لكن ماذا بعد الحزن؟ أيضا حزن ولكن أكبر وأعمق. كيف تسترد رانيا حقها من هذا الزوج (الكاسر)؟! كيف تسترد (ثمن) كل عظمة كسرت في وجهها؟! وهي كما ذكر أحد عشر كسرا (يا للهول) بتعبير يوسف وهبي المسرحي..! لا، لا اهزل..! لكن من (بلاوي) الواقع تتفجر الكوميديا السوداء أليس كذلك؟!
نحن يا سادة أمام مأساة تعاني منها المرأة في غياب القوانين التي تحميها من مثل هذا الزوج (الكاسر).!! ما هي العقوبة التي سيواجهها هذا الزوج وأمثاله؟! لا يكفى السجن، أسبوعا، شهرا، عاما أو عشرة؟ لا، العين بالعين، والسن بالسن والجروح قصاص والبادي اظلم هل تظنون ان رانيا تعاني فقط من آلام الصفعات والركلات وتحطيم رأسها بضربه بالجدار بكل ذلك العنف الذي افقد المسكينة الوعي؟!
لا يا سادة، هي تعاني من الإحساس بالضعف، الذي قدمها فريسة سهلة بين يدي زوج كاسر، وهي تشعر بالاهانة والمذلة لما نالها أمام صغارها، تشعر أيضا بالخوف من الغد الذي كان مشرقا في عينيها..! أظن ان سيف شهريار كان أكثر رحمة، لانه كان يجهز في لحظة على الضحية، فلا ألم، ولا مذلة..! بل يدي شهريار كانت أشرف واطهر من كثير من الأيدي الملطخة بالصفع وبدماء النساء في هذا العصر. رانيا حاولت ان تكون شهرزاد عصرية، دارت على خيبة شهريارها (الكاسر)، ساندته، عملت لتستمر الأسرة فكان جزاؤها عنفا مستمر والنهاية اقسى وأمر.
ماذا بعد؟؟ سؤال يكبر ويتسع، ويفرد اذرعا كالاخطبوط..! ماذا بعد؟! ماذا عملت الجمعيات النسائية؟ ماذا عملت لجنة حقوق الإنسان؟! العنف ظاهرة لا إنسانية، تهدد منجزات العصر المدنية والاجتماعية، لكنها عندما تنال من المرأة (مصنع الإنسانية) فانها تفقد المجتمع قوته وهيبته. لا أحد اهتم بدراسة ظاهرة العنف ضد المرأة (الزوجة) في مجتمعنا..! لا الجامعات وجهت طلبتها لدراسة هذه الظاهرة، ولا مراكز الدراسات والأبحاث، لان البيوت أسرار، هكذا تعلمنا، نغطى الجراح حتى لا يراها الآخرون، حتى تتعفن وتزكم رائحتها الانوف، وكأننا ما زلنا نداري أمورنا بالكتمان في عصر الفضاء والعولمة؟! لم يتطرق أحد لمصير الزوج، خصوصا بعد ان سلم نفسه بطريقة مسرحية..!
ما هي العقوبة التي تنتظره؟ هل ستكسر عظام وجهه كما فعل بهذه الزوجة الشابة؟ هل سيمسك أحد براسه ويضرب به الجدار كما فعل بهذه المسكينة؟ ماذا بعد؟ ماذا بعد؟ كيف نطمئن على بناتنا وقد أصبح الضرب حقا مطلقا للزوج؟! هل رانيا محظوظة لان وسائل الإعلام اهتمت بما أصابها، لانها إعلامية أم ان عملها وراء خوفها من حكم المجتمع الذي ينحاز إلى الزوج ويقدم له المبررات . كثيرات يتعرضن لمثل ما تعرضت له رانيا -ربما ليس بهذه الوحشية وهذا الحقد- لكن لا شهود غير جدران البيت وبراءة الصغار وما خفي كان أعظم.
كثيرات يتلقين الصفعات واللكمات بصمت، فأين تذهب؟! إذا ذهبت الى المحكمة يجب ان تحضر شهوداً لتثبت الحالة، وإذا كان هناك شهود، تجبر الزوجة على الصلح من أجل الأسرة. لا يوجد قانون يحدد قدر وحجم العقاب الذي ينتظر هذا الزوج الكاسر، لان الجميع يسعى للصلح في مثل هذه الحالات، ويستمر الوضع على ما هو عليه، ويصبح العنف لغة مقبولة وطبيعية من الزوج للزوجة في مجتمع يقبل البعض فيه ان تعيش الزوجة على حافة الخطر، وفي مستنقع الذل والمهانة، ولا يقبل بحل أوجده رب العباد، حتى لو ابغضه لكنه أوجده ونظم حدوده وحقوقه في كتابه الكريم. مهما كان الخطأ الذي ارتكبته الزوجة (مع العلم ان رانيا لم ترتكب خطأ) ليس من حق أحد ان يضربها بهذه القسوة، عشرة بإحسان أو فراق بإحسان هكذا قال رب العباد.
لا توجد قوانين تحمي المرأة من العنف الأسري، ولا قوانين تنظم العلاقة بين الزوج والزوجة، غير اجتهادات وقناعات ممزوجة بثقافات جعلت الضرب حقاً للزوج لا يحاسب عليه. إذن المشكلة تحتاج إلى أكثر من خطوة، في أكثر من اتجاه، من أجل تحرير المرأة، ليس من حجابها كما يدعى المدافعون عن الفضيلة..! ولكن تحريرها من العنف الأسري، ومن العلاقة الزوجية التي ليس لها غير الشكل الاجتماعي، لكن داخلها انهيار تام. تحرير المرأة من قسوة التنازل عن أطفالها، وغطرسة الأزواج، حتى في عدم الوفاء بالأحكام القضائية، وتحديد قيمة محددة للخلع، مع تقدير الخسائر التي لحقت بالزوجة، سواء المادية أو النفسية.
وبالله التوفيق
nabila_mahjoob@hotmail.com
_____________________
جريدة المدينة , يوم السبت 5/3/1425 هـ الموافق 24/4/2004م