منقولة من موقع أبي محجوب (طبعا تعرفون من أبو محجوب وقد لا تعرفون ما هي رغدان، هي منطقة في عمان -- يمكنني أن أصفها بالشعبية إن صح التعبير
)
++++++++++
لقاني يوما صديق بالطريق, يدعى باليماني, صاحب عقل شيطاني, فاخذ يناديني: يا عبدالله يا يا ناسيني, وقلبه يقفز مرحا و الإبتسامة على شفتيه ترتسم مرحا, فقتربت منه وقال: كم من عود دندنلي, و طبل طبطبلي, و الناس ترجمني بالقلنقلي, و أنا كالحمار الأهزلي, إلى أن وجدت ألف دولار أسترالي, فتغير حالي, و قلت في نفسي ليس لي غير أنيسي وحيد قلبي و حبيبي, فأدعوه على العشاء في هذه الليلة الظلماء.
فتعجبت مستبشرا : ماهذا الإعجاب الذي ظهر مؤخرا, فرد علي و ابتسم : هذه هدية لا يوجد من ورائها جزية, فطمعت و قلت قبلت.
فقال ببعض من الدهاء : لا تحضر معك إلا الضروري من الأشياء, و ما يكفي لمشوار الذهاب, فأنا سوف أنتظرك هناك يا حباب.
فقلت: أين و متى يا أبا الرمان؟ قال في مجمع رغدان عندما تصبح الشمس كالكهرمان.
و عندما اقترب الموعد أصبحت مثل الجمر في الموقد, فلبست ما كان منشورا على الحبل, و أخذت أهرول على نزلة الجبل, ولم أحمل معي غير قطعة نقد واحدة , دخلت جيبي كأنها دجاجة راقدة,ثم خرجت من بعد ذلك كأنها عروس حسناء إلى جوف حصالة الباص الملساء.
فوصلت أخيرا إلى مجمع رغدان, وكلي سرور و امتنان, و شوق و حنان, لوجبة تملأ معدتي كهدف سعودي في مرمى الألمان.
فأخذت أنتظر صاحبي الساعة تلو الساعة , أملا في سماع الأخبار السارة, ومن كثرة الجوع أصبحت كحب الحمص المنقوع, فتساءلت عن معدتي هل لها ملمس , فوجدتها كالتين الممعس أو كالفول المدمس.
ومن بعد ما حل المساء , شعرت بتلك المكيدة البغضاء, فأنفجرت غضبا, وتقسمت أجزائي إربا إربا, و أصبحت سمكا معلبا, فأسود و جهي كحب الينسون و لم أجد في رأسي إلا العودة إلى المنزل بكل هدوء و سكون.
فعدت إلى المنزل على الأقدام من بعد ما بدر مني من إقدام على تناول وجبة من الدجاج، لأحلي بعدها بقطعة من الكلاج.
فوصلت إلى المنزل في منتصف الليل, و كلي رغبة وميل , إلى سحق تلك البقة، و تفريغ الرصاص في رأسها طلقة طلقة.
وفي إحدى الأيام التالية , رأيت تلك الخرقة البالية, فركضت نحوها وكلي رغبة بمحوها.
وما أن وصلت إليه, إذ الابتسامة تتراقص على شفتيه,و يمد لسانه إلي مثل قلم مبري, و عيونه تشع نورا كأنها كوكب دري.
فتجمدت من هول ما رأيت, كأني عود كبريت ملتصق بعلكة لا حول له ولا قوة.
عندها قلت في نفسي : هذا هو إبن الإنسي ,فهل أقوم بتغيير معالم وجهه؟ أو ألف قدماه حول عنقه!
فتراءت لي أمام عيناي, صورته و هو يدخل سم كلامه في أذنيّ, عندما قام بإشعال نار الطمع بعد أن أبدى أسمى آيات الدلع.
فتراجعت مدركا غبائي, من بعد ما انسحبت من وجهي دمائي, وكان كل أملي و رجائي التعلم من أخطائي, بأن الطمع قل ما جمع، أو ضر ما نفع , و وليت مدبرا وهو يضحك متدبرا.