هل من تناقض بين مستوى النص الفني والتزامه بالقضايا الساخنة للناس؟
أنا أخالف وجهة نظر المقال التالي وأتمنى أن تناقشوها.
أصابكم الكسل يا أولادي في الفترة الأخيرة
http://www.assafir.com/iso/today/culture/24.html
الجدانوفية المتجددة
وثقافة الحشود
شوقي بزيع
المتتبّع لمجريات الوقائع والأحداث التي تعاقبت على العالم العربي خلال العقود الخمسة المنصرمة، لا بد من أن يشعر بالدهشة إزاء التقلبات السياسية والايديولوجية التي شهدها المزاج العربي العام في بحثه عن بارقة ضوء تخرجه من نفق الحيرة والشكوك وتلاحُق الهزائم. فمن الفوران العاطفي القومي في منتصف القرن الفائت مرورا بتعاظم المد الماركسي في ربعه الثالث ووصولا الى <<الصحوة>> الاسلامية وانتشارها المطّرد عند نهايات القرن، وجد الشارع العربي نفسه عرضة للكثير من الاهتزازات والتبدلات الطارئة في الموازين والمعتقدات وأشكال المواجهة مع النفس والآخر.
غير ان ما يلفت في هذا السياق هو ان تصارع الايديولوجيات وتباينها الشديد لم يُنتجا على مستوى الثقافة والفن سوى شكل واحد من التعاطي قوامه إلحاق الثقافة بالايديولوجيا وتطويعها بشكل تعسفي قوامه سيادة النموذج وتغليب الشعار وتدجين اللغة وتقنينها. ان هذه النظرة الضيقة الى الثقافة والأدب والفن هي التي عطلت وما تزال الكثير من امكانيات الابداع وتفتح الأساليب، وحولت فكرة الالتزام في الأدب الى ما يشبه الالزام القسري الذي ينتج المثقف الداعية والمثقف المبشر والمثقف التابع و<<الأجير>>، حتى لو لبس هذا المثقف لبوس القومية حينا والماركسية حينا والاسلامية احيانا اخرى.
اننا بمعنى من المعاني أمام ايديولوجيا واحدة او امام نوع من ثقافة الاستبداد التي تصلح لانتاج جنود نظاميين واقفين في النظام المرصوص، او فرق كشفية ثقافية تردد الشعار نفسه ولا تُنتج سوى الأناشيد الحماسية الرديئة والمتقاربة حتى التماثل. فالشاعر والفنان هنا لا يولدان من جيشان الداخل الانساني ولا من مساحة الحرية الضرورية لكل عمل خلاق، بل من التهادي مع القوافي الجاهزة المعدة سلفا من قبل الزعماء والقادة والفقهاء الذين يمسكون بناصية الحقيقة الكاملة والمعرفة اليقينية التي لا تحتمل المجاز او التأويل. والأدب في هذه الحالة لن يؤدي الى المباغتة او الادهاش او التجاوز بل هو تماه كلي مع المعرفة الجاهزة وثقافة الغريزة وارادة الحشود التي تنتظم جموعها الغفيرة في القول الواحد المعمم ومهرجانات المبايعة والتأييد.
ما تعيشه الثقافة اليوم شبيه الى حد بعيد بما شهدته في عصريها السالفين، القومي و<<الأممي>>. فلقد تعددت الاسباب والموت واحد. وليس من قبيل الصدفة ان تحتل الأغنيات والأناشيد القديمة الهابطة نفسها مساحة الشاشات والاذاعات والفضائيات الجديدة، وأن تُستخرج من الجعب الجاهزة مئات الملصقات واللوحات المكتظة بالأشلاء والجثث والدماء الغزيرة المراقة. ولا من قبيل الصدفة ان تغص المنابر والمهرجانات بعشرات الشعراء <<الرحَّل>> الذين تتهادى قوافلهم المتنقلة على ايقاع الطبول وزمجرة الحناجر ومعلقات التأييد او الوعيد الخالية من فكرة مبتكرة او صورة واحدة تلامس الشغاف. انها الجدانوفية الجديدة التي تتمظهر بعناوين ماركسية او قومية او دينية بينما هي في حقيقتها تنويع على اصولية تعبيرية واحدة قوامها تمجيد الشعار الحزبي والسياسي والعقائدي على حساب الإبداع. وإذا كانت المقاومة، كما الانتفاضة، هي بحد ذاتها فعل ابداعي وخلاق، فإن الأدب والفن الرديئين لا يمكن ان يكونا بأي حال تكريما للفعل المقاوم بقدر ما هما اساءة بالغة لجوهره ومشروعه ومعناه. وإذا كانت المقاومة لا تتحقق إلا داخل شرطها الانساني القائم على تغيير السائد وتقويضه، فكيف يمكن للثقافة ان تدّعي صفة المقاومة اذا كانت تستعير لغتها من السائد والجاهز والمبتذل، وإذا لم تكن قادرة على مقاومة موتها بالذات قبل ان يجف الحبر الذي تُكتب بواسطته؟