اغتنم وقتك بحفظ القرآن( بطريقة أسهل )
اغتنم وقتك بحفظ القرآن ( بطريقة أسهل )
يعاني الكثير منا من صعوبة حفظ القرآن الكريم لديه ، فهل فكرت أخي المسلم بتلك الطريقة التي تيسر لك حفظ كتاب الله بإذن الله ؟!
هاهو حفظ القرآن الكريم النور المبين الذي ينير لنا الطريق ، كيف ولا ؟! وهو الكتاب الذي فضل على سائر الكتب السماوية ، وهو الكتاب الذي تكفل الله بحفظه ، لقوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل قراءة القرآن وحفظه : (( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول: ألم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف )) [ رواه الترمذي ] ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت تـرتل في الدنيا فأن منزلتك عنـد آخـر آية تقـرؤها )) [ رواه الترمذي ] ، ويقول الإمام النووي رحمه الله : (( تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار (1) )) .
إن من أراد استغلال وقته بشيء ينفعه فليلجأ إلى حفظ القرآن وقراءته وتدبره ، ولن ينال هذا الكنز الثمين إلا بإخلاص النية والصدق في التوجه إلى الله تعالى ، والقصد الحسن ، والحفظ لأجل الله و ابتغاء مرضاته ، ذلك هو سر التوفيق والفلاح في الدنيا والآخرة . لقوله تعالى : ( قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ) [ الزمر : 11 ] . فمن حفظ القرآن ليقال عنه : حافظ ، أو ليتفاخر به رياءً وسمعة فلا أجر له ولا ثواب ، بل هو آثم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أول الناس يقضى فيه يوم القيامة ثلاثة : وذكر منهم : ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، فقال : فما عملت فيها …؟ قال تعلمت فيك العلم وعلمته ، وقرأت القرآن ، قال كذبت ، ولكن ليقال : هو قارئ ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار )) [ رواه مسلم ] ، وإن المسلم عندما يحفظ القرآن الكريم ابتغاء مرضاة الله تعالى يشعر بسعادة كبرى تسري في أعماقه – وهو يحفظ القرآن – لا تعادلها سعادة في الدنيا ، وهي سعادة تذلل أمامه كل الصعاب .
ومن القواعد المهمة في حفظ القرآن الكريم : أن تُلزم النفس بالحفظ اليومي : بأن تخصص قدراً لا تنقص عنه ، فإذا واظبت على ذلك أياماً ، وطردت وساوس الشيطان ، ودواعي الكسل ، فإنك ستروض على عملية الحفظ ، ويصبح الحفظ جزءاً من حياتك اليومية كالطعام والشراب .
قال الزهري : (( إن الرجل ليطلب – أي العلم و الحفظ – وقلبه شِعْبٌ من الشِّعاب ، ثم لا يلبث أن يصير وادياً لا يوضع فيه شيء إلا التهمه )) .
فينبغي عليك أخي المسلم أن تفرغ وقتاً للحفظ يومياً مهما كان هذا الوقت يسيراً ، فإن توالي نقطة الماء على صخرة يحدث فيها حفرة .
قــال أبو الهلال العسكري : (( كان أحمد بن الفرات لا يترك كل يوم إذا أصبح أن يحفظ شيئاً وإن قل )) .
ومن تنظيم عملية الحفظ : قال ابن الجوزي : (( وينبغي أن يريح نفسه من الحفظ في الأسبوع يوماً أو يومين ليكون ذلك كالبناء الذي يُراحُ ليستقِر )) ، ومن أراد أن يحفظ القرآن عليه أن يـحدد لنفسـه جزءاً معيناً يحفظه في مدة معينة ، ثم يرتاح بعدها أياماً ثم يعود للحفظ مرة أخرى ، وعليه أن لا يحفظ وقت الملل والضجر ، بل إذا أحس بالملل عليه أن يترك الحفظ ويلتفت إلى ما يستصلح به نفسه ، فليأخذ نصيباً من الراحة واللذة المباحة ، أو ليقرأ الحكايات والنوادر والأشعار ؛ فإن فيها فائدة وحكمة ويذهب من خلالها الملل عن نفسه ، وعليه أيضاً تركيز النظر على رسم الآيات في المصحف أثناء الحفظ ، فالنظر هو الأداة الأساسية التي يُعتمد عليها في عملية الحفظ ، ففي المرحلة الأولى لعملية الحفظ ينبغي أن يأخذ نظرك من الصفحة التي تريد حفظها الحظ الوافر ، وأن تملأ عينك من الآيات وتطيل النظر – طبعاً مع الصوت – فإن إدامة النظر تجعل مواضع الآيات مرسومة على صفحة الذهن ومنقوشة في سجل الذاكرة ، بحيث لو سُئلت عن آية بعد سنين فإنك على الأقل تتصور موضعها وتتذكر أنها في يمين الصفحة أو في يسارها ، وكما رويَ عن أحمد بن الفرات أنه قال : (( لم نزل نسمع شيوخنا يذكرون أشياء في الحفظ ، فأجمعوا أنه ليس شيء أبلغ فيه إلا كثرة النظر )) ، وقد نبه كثير من علمائنا رحمهم الله إلى أهمية النظر وتركيزه ، فلقد قال إسماعيل بن أبي أويس مرشداً أحد السائلين : (( إذا هممـت أن تحفظ شيئاً فتم ، وقم عند السحر فأسرج – أي أوقد السراج – وانظر فيه – أي في الذي تريد أن تحفظه – فإنك لا تنساه بعدُ إن شاء الله )) ، وسُئل حماد بن زياد : (( ما أعون الأشياء على الحفظ ؟ قال : قلة الغم )) ، وقلة الغم إنما تكون إذا كان القلب خالياً وذلك في هدأة الليل (2) .
وقد يتساءل بعض الناس ممن لا يسمح لهم وقتهم بالذهاب اليومي إلى المعلم أو حلقة التعليم – كالموظف أو التاجر أو كبير السن – كيف لنا أن نحفظ القرآن الكريم أو نتعلم تلاوته ؟
فأقول لهم ، وبالله التوفيق : يمكنكم أن تستغلوا الأوقات التي بين الأذان والإقامة ، وهي قرابة الساعة والنصف ( الفجر : 25 دقيقة ، والظهر : 20 ، والعصر : 20 ، والمغرب : 5 ، والعشاء : 20 ) = 90 دقيقة ، فهذا الوقت يكفي جداً لتلاوة أكثر من جزءَين يومياً ، لكنه يحتاج إلى همة عالية ، والهمةُ طريقٌ إلى القمة (3) .
وقد أحسن منا من حفظ القرآن في إجازته فما أفضل ممن يحمل كلام الله في صدره فهو ممن حافظ على وقته وشغله بشيء ينفعه ، وقد وُصف الإمام علي بن عبـد الكافي بن سـليم السبـكي رحمه الله : (( أنه كان لا ينفك يتلو القرآن ، قائماً و قاعداً ، راكباً وماشياً ، ولو كان مريضاً معذوراً (4) )) ، وأخيراً أقول لك – أخي المسلم – أن تستغل وقتك بما يفيدك ويسعدك وينير طريقك ويجعلك على الصراط المستقيم بإذن الله .
الهوامش :
1- ( المختار من كتاب الأذكار ) للإمام النووي رحمه الله .
2- ( كيف تحفظ القرآن الكريم ) للدكتور يحيى الغوثاني .
3- ( الطريقة العملية لتعلم وتعليم القرآن ) لمحمد فاروق الراعي .
4- ( الوقت أغلى من كنوز الأرض ) لشعبان عبد العال .
|