المسلمون وقطار الحضارة
بسم الله الرحمن الرحيم
على مدار التأريخ الانساني قامت حضارات انسانية متعددة بين الشرق والغرب وقيام الحضارات مرهون بجملة من الثوابت والمتغيرات تحدد صفة ونوع وسمت وعمر هذه الحضارة والانسانية اليوم وهى تلج قرنها الحادي والعشرين بما توصلت اليه من التقدم العلمي في ميادين الابداع والتخليق التقني والتكنلوجي الغت الاعتبارات الجغرافية وجعلت من الحضارة قطارا"يسير على سكة واحدة والقاطرة التى تحرك هذا القطار هى العمولة أو الامركة ومن هنا وضعت جميع دول الارض في الخيار بين اللحاق بقطارالحضارة فيكون ذلك علىحساب التخلي عن موروثها التراثي وأنتمائها العقدي فتذوب في بوتقة العولمة والامركة أوأن تتمسك بميراثها ليكون ذلك علىحساب تخليها عن الحاق بركب الحضارة
المسلمون وهم في قرنهم الخامس عشر يقفون في حيرة امام هذا الخيار الصعب اللحاق بقطار الحضارة الذي يعني الامركة او التخلي عنه الذي يعني التخلف عن ركب الحضارة ؟!
ان قاطرة العولمة التي تقود هذا القطار نهج بشري ولابد للمنهج البشري من ثغرات واختلافات مصداقا لقول الله تعالى(ولوكان من عندغيرالله لوجدوافيه اختلافا"كثيرا")اذن فكل نهج بشري مثل العولمة فيه اختلافات وثغرات .
فهل يمكن للمسلمين ان يستغلوا الثغرات في نهج العولمة فيركبواقطار الحضارة بمنهجهم الخاص ودون ان يتخلوا عن موروثهم العقدي فيظعوا الاشارات الحمراء والخضراء والعلامات الارشادية التي تحذر من السقوط في المطبات اوالانحراف في المنزلقات وبالتالي بناء حضارة اسلامية متوازنة لاتتخلف عن ركب الحضارة العالمية ومن ثم التفكيرجديا"والتهي فعليا لقيادة قطار الحضارة بعد ان يكتب لقاطرتهاالحالية العطب وهنا يبرز تساؤل مهم وهوان الله هيأ لهذه الامة علىرأس كل مائةعام من يجدد لها أمر دينها كماثبت ذلك في الصحاح فهل سيكون مجددهذا القرن الفارس الذي سيكشف ثغرات العولمة ليأخذ بيد الامة ويقودها في ثبات وتوازن حتى يصل بها الى رأس قطار الحضارة ؟
والسؤال الأهم هو هل الامة الاسلامية بدويلاتها وممالكهاوأمارتها المتعددة مهيئة للحاق بركب الحضارةوهل يسعىمخلصوهاللتفكير في هذا الامر بجدية وأخلاص سواء أكانوا علماء وحكام ومحكومين وهل تخلف الامة وتشرذمها يقلق مضاجعهم مصداقا"لقول رسول الله (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) خصوصا"أن هذه الامة تملك ثروات هائلة تجعلها قوة أقتصادية وجغرافية وبشرية عظمى وعلىسبيل المثال لاالحصر فان الامة الاسلامية تمثل
أ - أكبر كتلة بشرية في العالم اذ يبلغ التعداد السكاني للمسلمين في العالم مليار ونصف مليار النسمة
ب - الخزين النفطي للدول الاسلامية يشكل 80%من الخزين العالمي
ج-خزين الغاز الطبيعي يشكل 40%من الخزين العالمي
د-خزين الفوسفات يشكل 85%من الخزين العالمي
فاذا كانت الامة الاسلامية تملك هذه القدرات الهائلة والامكانيات الكبيرة فعلينا ان لانستغرب حصول التأمرعلى هذه الامة وتفريقها ممالك وجمهوريات ودكتاتوريات وادامة الخلافات الايدولوجية والحدودية واثارة الصراعات العرقية والقومية لتبديد هذه القدرة واستزاف هذه الثروة لصالح العولمة الغربية فمقدار ما يهدر من الاموال الاسلامية في الغرب يقدر ب(200)مليار دولار سنويا"ومجموع الاموال الاسلامية المودعة في بنوك الغرب تقدر ب(800) مليار دولار سنويا"تسلف هذه الاموال للدول الاسلامية الفقيرة بشروط صارمة يفرضها صندوق النقد الدولي لخدمة العولمة وبعيدا عن حلم ستراتيجية الامة الواحدة فان أي دولة في العالم تريد اللحاق بركب الحضارة لابد ان تساهم جميع دوائرها في عملية التفعيل الحضاري (السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية )ولابد لهذه الدوائر ان ترتبط بحلقة واحدة ترقى بجميع هذه الدوائر في سلم الحضارة وهذه الحلقة هي الهيكل السياسي الذي يحكم الدولة
فعلى سبيل المثال فان النهج السياسي الذي انتهجته اليابان بعد الحرب العالمية بما اتاح للشعب الياباني من حريه ساهم مساهمة فاعلة في تقدم وتطور اليابان حتى غدت قوة اقتصادية عالمية فالحرية الممنوحة للشعب والامة تساهم في تفجير طاقات أبنائهافي الابداع والتقدم والتطور وعلى العكس من ذلك فان الدكتاتورية وكبت الحريات تخمد روح الابداع وتهمش الشعوب والامم وبنظرة موضوعية الى الهياكل السياسية للدول الغربية رائدة الحضارة (وعلى سبيل المثال امريكا قائدة العولمة )نجد ان هذه الدول فسحت لشعوبها هامشا واسعا جدا من الحرية فنجد مواطن امريكي اثناء ضرب العراق يقف امام البيت الابيض يحمل لافتة ورقية صغيرة مكتوب عليها بخط ركيك (لانريد ان نقاتل من اجل مونيكا )معترضا على قرار صادر من اعلى سلطة سياسية في الدولة هذا الهامش الواسع من الحرية وفر اجواء صحية لنشوء هياكل سياسية منبعثة من الشعب تعبر عن طموحاته واماله وتطلعاته وبالتالي فان الوصول الى سدة الحكم لايكون الا للحزب الذي يستطيع ان يثبت لشعبه اهليته للدفاع عن مصالخه العليا وتوفير الحياة الحرة الكريمة لابنائه والرقي بهم في سلم الحضارة
ان هذا الهامش من الحرية هو الوسيلة الوحيدة لتحفيز العقول المبدعة وبناء الحضارة الواعدة فالانسان الممتهن المستعبد لايمكنه ان ينتج ولا ان يبدع لذلك فان الحرية هي اساس الحضارة ونجد ذلك جليا في الاسس التي قامت عليها الحضارة الاسلامية فلقد أكد الاسلام على حرية الانسان أبتداء من حرية العقيدة وانتهاء بحرية اختيار من يمثله في الهيكل السياسي للسلطة ورحم الله من قال (واكرم ما في الانسان حرية الاعتقاد فالذي يسلبه هذه الحرية ويفتنه عن دينه فتنة مباشرة او بالواسطة يجني عليه ما لايجني قاتل حياته ) *
وفي السيرة النبوية المطهرة نجد ان النبي نزل عن رايه الشخصي في بعض المسائل الدنيوية تحقيقا للمصلحة العامة كما حصل ذلك في معركة البدر حين تخلى النبي عن منزل نزله قبل المعركة بناء على مشورة بعض ابناء الامة من ذوي الاختصاص في الحرب
الاسلام جعل من السلطة حملا ثقيلا ومسؤلية عظيمة ينوء بحملها الحاكم ويسأل عنها يوم القيامة فالحكم المترببع على عرشه في المدينة المنورة مسؤول يوم القيامة عن الدابة التي تعثر في العراق لانه لم يعبد لها الطريق وهي جزء من الرعية وهو المسؤول عن الرعية
في مثل هذه الهياكل السياسية ينمو المجتمع في جميع دوائره نموا" صحيا صحيحا فيظهر المبدعون في دوائر المجتمع وترقى الامة في سلم التطور الحضاري وعليه ندرك ان السبب الحقيقي لتأخر الدول الاسلامية عن الحاق بركب الحضارة يكمن في الاستبداد الدكتاتوري لبعض الهياكل السياسية القائمة فالحاكم المطلق يحكم الشعب بعقله المطلق ويضطهد كل مفكر ومبدع ولاينزل عن عرش الحكم حتى يطاح به ويأتي اخرثم اخر وهلم جرا والمصلحة العليا للاممة في بقاء الحاكم على سدة الحكم مهما كانت التنازلات ومهما كانت التضحيات ان ما قتل على يد بعض الحكام في الدول الاسلامية من ابناء الشعوب المسلمة خلال نصف قرن اكثر مما قتل في معارك اليهود والمسلمين في العصر الحديث وفي السجون والمعتقلات اضعاف ذلك
ان الشعوب الرازحة تحت هذا النير والظلم والاستبداد لايمكنها ان تبدع ولا ان تنجب المبدعين بل ان مبدعيها يهاجرون الى أوروبا حتى ازدحمت بهم المختبرات والمعاهد الغربية .
__________________
www.dar-asslam.cwc.net
زورونا ....... تعرفونا
|