الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
فإن الوقت أغلى من الذهب لأنه هو الحياة ، والشاب المسلم لا يليق أن يضيع أوقاته في اللهو والعبث ، لأن الأوقات التي تذهب لا تعود ، ومن غفل عن أوقاته طالت حسراته ، كما يتحسر المريض على أيام صحته ونشاطه .
وقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ )) رواه البخاري في الرقاق .
فالمسلم الذي تجتمع عليه نعمتان ، وهما : الصحة في البدن ، والفراغ في الوقت ، ينبغي عليه أن يؤدي حقهما من الشكر لله سبحانه ، بالاستفادة منهما في طاعته ونيل مرضاته ، فإذا فرّط في هذا فهو المغبون الخاسر ،لأن الصحة يعقبها السقم ، والفراغ يعقبه الشغل . وكما أن التاجر يطلب الربح في عمله ولا يرضى الغبن والخسارة ، فكذلك الشاب المسلم رأس ماله صحته وفراغه ، لا يفرّط بأي شيء منهما في غير طاعة الله التي هي التجارة الرابحة .
وقد قال بعض السلف (( إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما يقربني من الله فلا بورك لي في شمس ذلك اليوم )) .
فلا تظننّ أخي الشاب أن الإجازة تعني اللهو وضياع الأوقات وهدر الساعات ، وإنما هي انتقال من مرحلة السنة الدراسية إلى مرحلة النشاط الهادف ، بما يمتع النفس ويمنحها مزيدا من الفائدة ، وبما يقوّي صلتك بربك سبحانه ويغذي روحك .
وليضع الشباب والشابات نصب أعينهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (( اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك )) رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :
(( العارف ابن وقته ، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها ، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت ، وإن ضيّعه لا يستدركه أبدا .. ووقت الإنسان هو عمره في الحقيقة ... وهو يمرّ أسرع من السحاب )) .
ومن الآفات التي يقع فيها كثير من المسلمين أنه إذا لمس من نفسه نشاطا يؤهله لأعمال نافعة جاءه الشيطان يسوّف له ، ويذكره بمشاغل أخرى ليضيع وقته .
ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله (( إياك والتسويف ، فإنك بيومك ولست بغدك ، فإن يكن غد لك فكن في غد كما كنت في اليوم ، وإن لم يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم )) .
وما أحسن قول الشاعر :
والوقت أنفسُ ما عنيتُ بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
فهل يبادر شبابنا إلى اغتنام أوقاتهم وأعمارهم أم يُشغلهم الشيطان ويسوّل لهم حتى تضيع تلك الأوقات الثمينة باللهو والغفلة والفجور ؟ .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم