( 4 )
التسوية السلمية مع الكيان الصهيونى
1) مع تزايد ضعف منظمة التحرير الفلسطينية أخذ التيار المؤيد للتسوية السلمية مع الكيان الصهيونى فى الإتساع فى أوساط المنظمة إلى أن جاء قرارها فى نوفمبر 1988 بالاعتراف بقرار الأمم المتحدة 181 الداعى لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود وقرار مجلس الأمن 242 الصادر فى نوفمبر 1967 الذى يتعامل مع قضية فلسطين كقضية لاجئين ويدعو لحل القضية بالطرق السلمية وفى أكتوبر 1991دخلت منظمة التحرير الفلسطينية والدول العربية فى مفاوضات سلمية مباشرة مع الكيان الصهيونى فى مدريد وخلال حوالى سنتين لم يستطع وفد المنظمة الرسمى التوصل إلى اتفاق مع الكيان الصهيونى ولم تحدث أى حالة انفراج إلا من خلال قناة مفاوضات سرية كانت قد فتحت فى ديسمبر 1992 وأدت إلى ما يعرف باتفاق أوسلو أو ( غزة- أريحا أولا ) الذى تم فى أوسلو بالنرويج والذى وقعت عليه رسميا المنظمة مع الكيان الصهيونى فى واشنطن فى 13 سبتمبر 1993
2) تعترف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من خلال اتفاق غزة- أريحا بحق إسرائيل فى الوجود وبشرعية احتلالها وملكيتها لـ 77% من أرض فلسطين وتتعهد منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقف عن المقاومة المسلحة والانتفاضة كما تتعهد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بحذف وإلغاء جميع البنود الداعية لتحرير كل فلسطين وتدمير الكيان الصهيونى من ميثاقها الوطنى وتتعهد أيضا بحل جميع المشاكل بالطرق السلمية وتحصل قيادة المنظمة فى مقابل ذلك على اعتراف من إسرائيل بها باعتبارها ممثلة الشعب الفلسطينى وتعطى حكما ذاتيا محدودا فى قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية على أن يتم حل القضايا الرئيسية الأخرى خلال خمس سنوات
3) أبرز الملاحظات على اتفاق غزة- أريحا :-
- لم تحظ هذه الإتفاقية إلا بتأييد حركة فتح التى تتولى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وجبهتين صغيرتين لا تمتلكان وزنا شعبيا هما ( فداء ) و( جبهة النضال الشعبى ) وحتى فى حركة فتح نفسها بل وفى قياداتها الأولى هناك تيار اعترض على هذه الإتفاقية والإتفاقيات التى انبنت عليها أمثال فاروق القدومى وهانى الحسن وخالد الحسن ومحمود غنيم
- معظم الفصائل والحركات الفلسطينية ترفض هذه الإتفاقية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) بالإضافة إلى قوى مهمة مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية والجهاد الإسلامى فضلا عن سبعة منظمات أخرى
- المشروع فى أساسه صهيونى يهدف إلى التخلص من عبء الكثافة السكانية الفلسطينية بما تحمله من مشاكل أمنية واقتصادية وكانت ( إسرائيل ) تحلم بالتخلص من قطاع غزة الذى يعتبر من أكثف المناطق السكانية فى العالم بل وسبق أن عرضته على مصر التى رفضت ذلك
- تفردت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بالموافقة على الإتفاق دون الرجوع للشعب الفلسطينى
- الحصيلة العملية للإتفاق إدارة حكم ذاتى ذات صلاحيات تنفيذية محدودة مرتبطة بالاحتلال وتحت هيمنته المباشرة ولا تملك السيادة أو السلطة على الأرض التى تحكمها ولا أحقية لها بالتشريع إلا بالإتفاق مع الكيان الصهيونى
- أجل هذا الإتفاق القضايا الرئيسية دون أن يتعهد بأى وضع نهائى يؤدى إلى الإستقلال أو انسحاب الكيان الصهيونى من الضفة أو القطاع أو تفكيك المستوطنات الإسرائيلية أو تسليم القدس الشرقية كما أجل مسألة عودة اللاجئين إلى أرضهم وبعد أكثر من سبع سنوات من المفاوضات لم يتم حل أى من القضايا الكبرى بينما يسابق الكيان الصهيونى الزمن فى تهويد الأرض المحتلة تحت يديه دونما احترام لأى تعهدات أو اتفاقات ولم تتسلم السلطة إداريا أكثر من 42% من أرض الضفة الغربية
- أصبحت إدارة الحكم الذاتى مضطرة لسحق وقمع أى جهاد وعمليات مسلحة ضد الكيان الصهيونى والقبض على مجاهدى المنظمات الفلسطينية لإثبات ( حسن نواياها ) وحرصها على ( السلام ) وتشكلت لها تسعة أجهزة أمنية تحصى على الناس أنفاسهم بينما فشلت فى الميادين الإقتصادية والسياسية والإجتماعية بينما استشرى الفساد فى أجهزتها
- فتح هذا الإتفاق الباب على مصراعيه للدول العربية والإسلامية لعقد اتفاقيات وبناء علاقات مع الكيان الصهيونى وأعطى الفرصة للتغلغل الصهيونى فى المنطقة وتحقيق الهيمنة الإقتصادية وضرب القوى الإسلامية والوطنية فى المنطقة
- وبهذه الاتفاقية تشطب منظمة التحرير نفسها وأهدافها وميثاقها وتتعهد بنبذ كفاحها المسلح الذى أصبح يسمى ( إرهابا ) وتحتفل ( إسرائيل ) بموافقة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثلا للشعب الفلسطينى على اغتصاب إسرائيل لأرض هذا الشعب وتشريده ومصادرة حقوقه
4) لقد أفتى علماء المسلمين الموثوقين بعدم جواز التسوية السلمية مع الكيان الصهيونى حسبما يريد الداعون إليه وبضرورة الجهاد المقدس لتحرير الأرض المغتصبة وإرجاعها كاملة تحت راية الإسلام وباعتبار هذه المعركة بين حق وباطل تتوارثها الأجيال حتى يأذن الله بالنصر والتمكين ولا يجوز لجيل إن إنتابة حالة ضعف أن يحرم الأجيال القادمة من حقها كما أن قضية فلسطين قضية كل المسلمين الذين يرفضون التنازل عن حقهم فيها مهما طال الزمن وليست قضية الفلسطينيين وحدهم فضلا عن أن تكون قضية منظمة التحرير الفلسطينية أو قيادتها
انتفاضة الأقصى
1) أعطت الإنتفاضة المباركة 1987- 1994 زمام المبادرة للداخل الفلسطينى وبرز التيار الإسلامى بقوة ليعود عنصرا أساسيا فى المقاومة الفلسطينية وخصوصا من خلال المقاومة الإسلامية حماس وأحيت الإنتفاضة التعاطف والاهتمام العربى والإسلامى والدولى بالقضية الفلسطينية لكن الظروف السائدة والعقليات القيادية الفلسطينية والعربية لم تسمح بتأجيجها وتوسيعها باتجاه التحرير وإنما استخدمتها للاستثمار السياسى السريع باتجاه التسوية مع الكيان الصهيونى الغاصب
2) أكدت انتفاضة الأقصى الأخيرة التى بدأت فى شهر سبتمبر 2000 حتى الآن تمسك الشعب الفلسطينى بحقه فى أرضه وأكد تفاعل الشعوب الإسلامية الواسع مع الإنتفاضة والبعد الإسلامى للقضية وكشف شراسة الصهاينة والوجه القبيح لأدعياء السلام الصهيونى كما وجهت لطمة كبيرة لمشروع التسوية الذى يجرى على حساب حقوق الأمة وثوابتها
3) إن القضية الفلسطينية قضية ذات أبعاد إنسانية كبرى إذ تمثل صرخة المظلوم فى وجه أدعياء حقوق الإنسان وتكشف المعايير المزدوجة وسوءات النظام الدولى الجديد وتزرى بالنفاق المقيت لحضارة تزهو بالتقدم والمعرفة والتكنولوجيا وترعى حقوق الحيوان بينما تقبل أن يرمى خمسة ملايين لاجئ فى العراء وأن تحل جماعات يهودية من أشتات الأرض وفق دعاوى بالية – لا تتوافق مع منطق التاريخ ولا قيم المدنية الحديثة ولا القوانين الدولية – مكان قوم عمروا الأرض منذ 4500 عام وأن تسفك الدماء فى الأرض المقدسة التى يجب أن تكون أرضا للمحبة والسلام
إن الحركة الصهيونية واحتلالها لفلسطين هى النموذج المتبقى للاستعمار التقليدى الأوروبى الغربى الذى زال عن أرجاء العالم ويجب أن يزول عاجلا أم آجلا عن فلسطين
4) إن وجود الكيان الصهيونى فى فلسطين – قلب العالم الإسلامى – وحشده لأسلحة الدمار الشامل بما فيها 200 قنبلة نووية وقدرته على تعبئة جيش يصل إلى المليون خلال 72 ساعة سوف يظل الفتيل المشتعل الذى يهدد السلام العالمى بالانفجار ويهدد بحرب عالمية ثالثة فالمسلمون سيملكون يوما ما أسباب القوة وأسلحة الدمار الشامل وهم لم ولن يتنازلوا عن أرضهم ولن يقبلوا كيانا فى قلبهم يضعفهم ويمزق وحدته وسيسعون لإزالته كما أزالوا غيره من قبل وعند ذلك ستعلم القوى الكبرى أن الظلم الذى اقترفته بإيجاد هذا الكيان سيجلب على الإنسانية الموت والدمار وخير لهذا الكيان أن يتفكك قبل أن تأتى تلك اللحظات الرهيبة
انتهت السلسلة بحمد الله تعالى على جزيل فضله