بقية الموضوع
ومثل نفيِ دخول الجنة عمن ارتكب كبيرة، نفْيُ الإيمان عنه كحديث ابي هريرة ـ أيضاً – الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم..
أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن..) [البخاري (2/875) رقم (2343) ومسلم (1/76)].
فهذان الحديثان وغيرهما من الأحاديث التي نُفِيَ فيها الإيمانُ أو دخولُ الجنة عن مرتكبي الكبائر، يدل ظاهرها على سلب الإيمان عنهم، وسلب الإيمان يقتضي ظاهره إثبات الكفر المخرج لهم من الملة وعدم مغفرة الله لهم وخلود هم في النار..
والأخذ بظاهر هذين الحديثين وما في معناهما يلزم منه إهدار نصوص كثيرة من القرآن والسنة، وقد مضى ذكر بعضها في المسألة الثانية..
ومنها حديث أبي ذر الصريح في أنه.. (ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة..)..
وفيه كرر أبو ذر سؤاله للرسول صلى الله عليه وسلم "وإن زنى وإن سرق؟"..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر له الجواب: (وإن زنى وإن سرق)
ولم ينته أبو ذر من ترديد سؤاله الذي أبدى فيه عجبه من نيل هذا العبد الذي يعصي ربه بالتعدي على حقوقه وحقوق عباده، هذه الرحمةَ العظيمة من خالقه، لم ينته أبو ذر من سؤاله، إلا بعد أكدت له هذه العبارة النبوية (على رغم أنف أبي ذر) أن تلك الهبة الربانية لمن مات على توحيد حقيقة، لا مرية فيها..
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: "وفي الحديث أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، وأن غير الموحدين لا يدخلون الجنة.. والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإشارة إلى حق الله تعالى وحق العباد.. وكأن أبا ذر استحضر قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن..) لأن ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر.. لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة، بحمل هذا على الإيمان الكامل، وبحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار". [فتح الباري (3/111)].
والإيمان الكامل المنفي هنا يجب حمله على الواجب منه، مثل نفيه صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لا يأمن جاره آذاه وخيانته، وليس الإيمان المندوب، مثل رد السلام الذي قام به غيره، ومثل الصلاة على الجنازة التي قام بالصلاة عليها سواه، فإن كلاً منهما من الإيمان، فالإيمان غير الواجب إذا تركه المسلم لا ينفى عنه الإيمان، وإنما ينفى عمن ترك الإيمان الواجب..
قال ابن تيمية رحمه الله: "وكل أهل السنة متفقون على أنه قد سلب كمال الإيمان الواجب، فزال بعض إيمانه الواجب لكنه من أهل الوعيد..". [مجموع الفتاوى (7/258)].
في الحلقة القادمة نتحدث عن سلوك الراسخين في العلم ونجاة الأمة..
موقع الروضة الإسلامي..
http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=start
__________________
إرسال هذه الحلقات تم بتفويض من الدكتور عبد الله قادري الأهدل..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك..
|