الثقافة الموجهة .. ما لها و ما عليها
الثقافة الموجهة .. ما لها و ما عليها :
لقد رأينا كيف أن التثقيف الذاتي ، ممكن أن يسهم في تكوين الشخصية الثقافية و الفكرية و بالتالي المفاهيمية و السلوكية للفرد . و كيف أن تلك الحالة قد تصنع مبشرين دخلاء على واقع الأمة ، يسهمون في التشويش على حراس صبغة الأمة و مكوناتها ..
وقد انتبهت كثير من الحكومات العربية لتلك الحالة ، و حاولت وقف انتشارها بوسائل عدة منها :
1 ـ مراقبة المطبوعات ، وعدم التصريح بطبع أو تداول ، أصناف معينة منها .
2 ـ تحصين الأجيال بثقافة مضادة ، لما قد يتسرب من تلك المطبوعات ، أو الأفكار الى داخل المجتمع من خلال :
أ ـ المناهج المدرسية ، والتعليمية بشكل عام ..
ب ـ إقامة المسابقات والمهرجانات و صرف الجوائز ، لمن يسهم في وقف الأفكار الدخيلة على المجتمع ..
ج ـ الإيعاز الى خطباء ووعاظ المساجد ومن يتكلمون بالمآتم و المناسبات الدينية ، أن يقوموا بدورهم في تحصين من يستمع اليهم ..
د ـ الايعاز للصحف والمجلات الموالية للأنظمة الحاكمة ان تقوم بمهامها المنسجمة مع توجه الدولة في ذلك .
هـ ـ استغلال وساءل الاعلام المسموعة و المرئية في ذلك ..
3ـ وبالرغم من ذلك ، فان الأفكار تتسرب من خلال الطلبة الدارسين في الخارج ، ومن خلال ادخال بعض الكتب و أشرطة الفيديو و الأشرطة الصوتية ، ومن ثم جاءت ثورة الفضائيات و الإنترنت ..فكان لا بد من تطوير العمل التحصيني من تلك الأفكار من خلال :
أ ـ الإيعاز لأجهزة وزارات الداخلية و المخابرات في محاصرة بؤر تداول الأفكار من خلال منع ترخيص المنظمات الحزبية و الأدبية التي تسهم في ذلك ..
ب ـ تنشيط مستوى أداء الموالين للأنظمة في التسابق على نفس القنوات التي يدخلها المعارضون في أفكارهم .. ليدخلوا معهم بمساجلات قد تقودهم الى الاعتقال ، اذا لم يتم قمعهم بوسائلهم ..
ان التثقيف الموجه من الحكومات الذي كان قوامه :
1 ـ تمجيد الدولة الحاكمة ، و إضفاء طابع الحكمة و الحنكة على قائدها ..
2ـ المبالغة في تسفيه من تجعله الدولة خصما لها .. والتفنن في اختيار القصص التي تحشد الكارهين لهذا الخصم .
3 ـ تبرير مفاسد الدولة ورجالاتها ، و تكذيب كل ما يقال عنها ، حتى لو كان ماثلا للعيان ..
4 ـ إلباس الدولة لباس ديني وطني غيور ، من خلال إبراز بعض المظاهر الخادعة ، لتسويقها لدى المواطنين على أنها دولة وطنية ، لا ينقصها سوى المزيد من الالتفاف الجماهيري حولها ..
ان تلك المقومات للتثقيف الموجه الذي كان يود ( تشفير ) كل مصادر المعلومات الأخرى ، عدا التي تصدر منه خلق ما يلي :
1 ـ زيادة حجم المسكوت عنه .. لدرجة أن ما يصدر عن الدولة ، أصبح لا يقنع حتى العاملين والموالين لها ..
2 ـ خلق ثقافة مضادة من مصادر معلومات ، استلهمت طرق الدولة في التسفيه ، حتى أصبح الفكر المعارض ، من المستحيل أن يلتقي مع فكر الدولة في نقطة يمكن التوافق حولها ..
3ـ ان النقطتين السابقتين ، جعلتا المواطن أمام حاجة للتحصن من فكر الدولة وفكر المعارضة في آن واحد ..
4ـ غاب عن أداء أجهزة التثقيف الموالية والمعارضة ، ما يهم المواطن ، فانحط الفكر الاقتصادي ، وانحطت إرادة تطوير الأبحاث العلمية والإجتماعية ، حتى بات ما يطرح من أفكار ، من خلال الأشعار و الروايات والمسلسلات التلفزيونية لا تعادل قيمته ، أثمان الورق الذي يكتب عليه ..
__________________
ابن حوران
|