3- قال المفتي : " إنَّ هذه الأخطاء شخصية ولا يجب أن تعمم على كل أوروبا والعالم الغربي "
- أقول : وهذه النتيجة غنيمة كبيرة على الأقل لحكومة الدانمارك إن لم
تكن غنيمة لأوروبا كلها والغرب كله .
هذه هي النتيجة التي تمخضَّت عنها رحلة مفتي مصر والوفد المرافق
له أن يُبرِّئ أوروبا والغرب من مسؤولية أكبر جريمة تُرتكب تحت سمع
وبصر حكومة الدانمارك والنرويج وتحت سمع وبصر الرأي العام في
الدولتين ,رُغم صيحات المسلمين في أوروبا والعالم الإسلامي وتنديدهم
بهذا العمل الإجرامي والهُتاف بالمؤسسات والهيئات الدينية والسياسية
للقيام باستنكار هذه الجريمة فتُقابل إمَّا بالرفض عن الاعتذار وأنَّ هذا
العمل إنَّما يُعبِّر عن حرية الرأي وإمَّا بالسكوت وعدم المبالاة من كل هذه الجهات .
وهل نسيت أيُّها الرجل ما قامت به منظمة نصرانية من تشويه صورة
النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ووصفه بأبشع الصفات وسعي هذه
المنظمة بدون كلل لوقف انتشار الإسلام
هذه المنظمة تُسمَّى بـ " منظمة رابطة الرهبان لنشر الإنجيل "
وتُدعَّم بالأموال الطائلة من الفاتيكان وهي منظمة كبيرة يبلغ عدد
الناشطين فيها المليون (!!) .
كيف تُبرِّئ ساحة أوروبا وأمثل من فيها يعملون هذه الأعمال وهل يُوافقك
المسلمون على هذه التبرئة ووصف الجريمة بأنَّها شخصية ؟!
هذه هي ثمرة الجهود الإسلامية المسيحية (!) ومدِّ جسور التعاون مع
أتباع الديانات أو أخوة الأديان !
إنَّ خسارة الإسلام والمسلمين كبيرة جدا في هذا التآخي والتعاون
والمكاسب كبيرة لمن يُجيدون التلاعب بعقول المسلمين وعواطفهم العمياء .
فعلى المسلمين أن يتفطَّنوا لمكائد الأعداء التي ترمي إلى إخراجهم من
دينهم . قال تعالى :
( ودَّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردُّونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من
عند أنفسهم من بعد ما تبيَّن لهم الحقُّ ) الآية ( البقرة 108) .
وليعلم المسلمون وغيرهم أن الإسلام يكرم الأنبياء والرسل وما أنزل
إليهم من كتب قال تعالى :
( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته
وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) الآية .
وقال تعالى : ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما
أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) .
فيؤمن المسلمون بهؤلاء الرسل ويجلونهم ويوقرونهم ويعتقدون أن من
كذَّب رسولاً منهم فقد كذب الرسل جميعاً ومن انتقص واحداً منهم فقد
انتقصهم جميعاً وأن من كفر بكتاب واحد فقد كفر بالكتب جميعاً .
هذا هو موقف الإسلام والمسلمين من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام
وما أنزل إليهم من الكتب .
بل يؤمن المسلمون أن دين الأنبياء والرسل جميعاً واحد وهو الإسلام :
قال تعالى : [ إن الدين عند الله الإسلام ].
وقال تعالى : [ شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك
وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه
كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي
إليه من ينيب ] (الشورى : 13)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة
لعلاّت أمهاتهم شتى ودينهم واحد " (البخاري : 3443 ،مسلم :2365 ) .
فهل موقف اليهود والنصارى مثل موقف المسلمين ؟ الجواب : كلا فإنهم
قد كذَّبوا التوراة والإنجيل قبل أن يكذِّبوا القرآن .
لقد بشرت التوراة والإنجيل بمحمد ورسالته فكذبوا هذه البشائر
وكذبوا بالقرآن وكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم وكفروا به .
ووصفت التوراة والإنجيل محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام
بأجمل الصفات وأفضلها فكذبوا بذلك .
وقابلوا محمداً وأصحابه بالعداوة والبغضاء والتكذيب .
ودعت التوراة والإنجيل إلى عبادة الله وإخلاص الدين له فكفروا بعقيدة
التوحيد واستبدلوا بها الشرك , قال تعالى : [وقالت اليهود عزير ابن الله
وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول
الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أن يؤفكون * اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلا إلهاً واحداً
لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون * يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم
ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ] ( التوبة : 30 -31) .
فهذا هو موقف اليهود والنصارى من رسالات الإيمان والتوحيد ؛ جعلوا من
الأنبياء والدعاة إلى توحيد الله وعبادته وحده وإخلاص الدين له أبناءً لله
تعالى الله وتنزه عن هذا الكفر والتنقص لله رب العالمين .
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله فماذا تركوا للبوذيين والوثنيين ؟!
وكذبوا محمداً ورسالته وجهدوا في إطفاء نور الله ولايزالون
(ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون )
وعلى رأسهم اليهود والنصارى .
فكيف تقرن هذه الديانات الكافرة بدين الله الحق ودين رسله وأنبيائه
عليهم الصلاة والسلام ؟!
ومما يؤسف له أن مفتي مصر يرى أن المسلمين لا يستطيعون الانتصار
لرسول الله
إلا إذا ألصقت قضيته بالدفاع عن الأديان ومنها النصرانية واليهودية
وإدخال قضية الرسول والإسلام تحت هذه العباءة .
يا مفتي مصر ليتك لم تذهب إلى ايرلندا وغيرها برفقة رئيس الكنيسة
الأسقفية بمصر لتدعو إلى الدفاع عن الأديان الباطلة , ما هذا الدمج
الغريب بين الإسلام والكفر والشرك . الواجب أيها المفتي أن تأتي الوفود
النصرانية دينية وسياسية إلى المسلمين لتعتذر إليهم من هذه الإساءة
والسخرية من رسول الله أفضل الخلق لا أن يذهب مفتي مصر إليهم
في ديارهم ليدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة
المزرية التي تعترف بأخوة الأديان وتدافع عنها .
ألا تنـزه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هذه الصورة
المزرية من الدفاع والأخذ بحقه , أين أنت من قول الله تعالى :
( إن الدين عند الله الإسلام ) فالإسلام وحده هو دين الله , ألا تعلم أن
القرآن مليء بذم اليهودية والنصرانية والحكم على أهلها بالكفر ؟ .
أين أنت من قول الله تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى
حتى تتبع ملتهم ) ؟
أين أنت من قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود
والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله
لا يهدي القوم الظالمين ) المائدة : آية 51 .
إن الواجب على مفتي مصر ومن يدور في فلكه من الكتّاب وغيرهم أن
يدافعوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن رسالته وإكرامها وإبراز
عظمتها ومكانتها وتميّزها عن الديانات الوثنية والمحرفة .
يجب أن يطالب المسلمون بحق الرسول وبحق الإسلام بطريقة إسلامية
واضحة تنبع من القرآن والسنة , وأن يجتنبوا هذا الخلط الذي يفسد عقائد
المسلمين ويقضي على الفوارق الكبيرة العظيمة بين الإسلام والكفر .
ولا يجوز لهم أن يفتحوا الأبواب للانتهازيين من العلمانيين واللبراليين
ولليهود والنصارى أن يضللوا عوام المسلمين فيوقعوهم في الاعتقاد
بأخوة الأديان الباطلة ومنها اليهودية والنصرانية ولا يجوز أن يمكنّ هؤلاء
من نشر هذا الضلال في أوساط المسلمين وإقناعهم به .
ويجب أن يُبصَّر المسلمون بأن الإسلام وحده هو دين الله الحق وأنه
ليس بعد هذا الحق إلا الضلال والكفر .
وأن الدعوة إلى حرية الأديان وأخوة الأديان أو وحدة الأديان إنما هي
دعوة إلى الكفر وإلى إخراج المسلمين من دينهم .
إنها دعوة ماكرة ومكيدة للإسلام والمسلمين يرفضها القرآن والسنة
النبوية كما يرفضها إجماع علماء الإسلام .
وكل الأديان لا تكنّ للإسلام والمسلمين إلا العداوة والبغضاء .
ومن واجب المسلمين ومن أصولهم وثوابتهم التي لا يجوز أن تُمَسّ هو
اتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في معاداة وبغض الوثنيات وأهلها
كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون
إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق) إلى قوله تعالى :
( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا
برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبداً بيننا وبينكم العدواة
والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده )
وهذه حقيقة ثابتة يعرفها ويعتقدها كل من المسلمين وأعداء الإسلام
إلا من لُبِّس عليه .
وبعد معرفة حالهم كيف نتعامل معهم ؟
نتعامل معهم في حدود ما شرعه الله :
1 – أن ندعوهم إلى الإسلام فنقول لهم كما قال الله تعالى
( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله
ولا نشرك به ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقل
اشهدوا بإن مسلمون ) آل عمران : 64
2 - فنعاملهم تجارياً فيما أباح لنا شرع الله من البيع والشراء والاقتراض الذي لا ربا فيه .
3 - أن تنشأ بيننا وبينهم علاقات سياسية في شكل سفارات من الجانبين .
4 - وأن نَفِي بالعهود التي تبرم بيننا وبينهم سواء كانوا أهل ذمة أو مستأمنين
أو محاربين قام بيننا وبينهم عهد سلام ، قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) وقال تعالى : ( وأوفوا بالعهد
إن العهد كان مسؤولاً ) وغير ذلك من الآيات والأحاديث في هذا الباب .
5 - وأن نعاملهم بالعدل فلا نظلمهم في مال ولا دم ولا عرض قال تعالى :
( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ) .
وما وراء ذلك مما يروج له اليوم بعض الناس وبعض الصحف وبعض
المواقع من الدعوة إلى إخوة الأديان والدفاع عن مقدسات الأديان. . . الخ .
فالإسلام منه براء ويجب على علماء الإسلام أن يتصدوا له نصحاً لله
ولكتابه ولرسوله وللمسلمين , وقياماً بالعهد الذي أخذه الله عليهم والأمانة التي حملوها .
اللهم أعزّ دينك وأعلي كلمتك وانتصر لنبيك ودينك إنك على كل شيء قدير
اللهم وفق هذه الأمة للتمسك بدينها والاعتزاز به إنك سميع الدعاء .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
في 6/محرم/1427هـ
|