صراع من أجل التسليم للإيمان..جفرى لانج ( 19 ) .. يتبع
( 19 )
صراع من أجل التسليم للإيمان
Struggling to Surrender Dedication
بقلم جفرى لانج
الفصل الثالث
رسول الله
"مداخلة : أحب أن أُذَكر ، بأن هذا الكتاب أصلا موجه إلى الغربيين من المسلمين الجدد أو من غير المسلمين ، ليغطى مساحة مفقودة فى الإتصال بهم . وهو بالنسبة لنا يمثل مجالا خصبا للإطلاع على نوعية من المسلمين الجدد حينما يباشر قلبهم حلاوة الإيمان ، فاندفعوا للدعوة التى آمنوا بها ، والبحث عن النقاط التى تشكل صعوبة لفهم مواطنيهم ليوضحوها لهم . كما أننا نجد فى الكتاب نقاط رائعة تخفى علينا لأننا ولدنا على الإسلام ، ولم نعرف الأديان الأخرى بالتفصيل ، لنفهم ما فهموه هم منها ، سواء سلبا أو إيجابا ، ويكون فهمنا لهم سببا فى التواصل معهم لنصل إلى عقولهم ، ومن ثم قلوبهم ، ونكون عونا لهم على الثبات على الحق الذى آمنوا به" .
الحديث .. السنة .. السيرة :
قال عبد الله بن سلام ، عن الزبيدي : قال عبد الرحمن بن القاسم : أخبرني القاسم : أن عائشة رضي الله عنها قالت : شخص بصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( في الرفيق الأعلى ) . ثلاثا ، وقص الحديث . قالت : فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها ، لقد خوف عمر الناس ، وإن فيهم لنفاقا ، فردهم الله بذلك . ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم ، وخرجوا به يتلون : { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى - الشاكرين } .
المذكور أعلاه هو مثل للحديث الشريف ، وجمعه "أحاديث" ، ومجموعها مجال آخر للمعرفة ، حيث كانت موضوعا لدراسة مستفيضة من علماء المسلمين وغير المسلمين ، منذ العصور الأولى للإسلام . المعنى الأساسى لكلمة "حديث" ، هو "جديد" ، فإذا بحثنا عن معنى الكلمة كنوع من الإتصال ، فيكون معناها "تقرير" أو "بيان" ، عن قول شخص ما ، أو عن شئ حدث ونقله إلينا شهود رأوه أو سمعوه من مصادر موثوق بها . وبالنسبة لعلماء الإسلام ، فعلم الحديث ينحصر فى دراسة أقوال وأفعال وإقرار ، رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتعتبر هذه الأحاديث هى المصدر الثانى من المصادر التى يرجع إليها المسلمون "القرآن الكريم هو المصدر الأول من هذه المصادر" .
كلمة "سنة" أدبيا تعنى "طريقة" أو "المسار المتبع" . وبالنسبة لرسول الله ، فهى تشير إلى أمثلة عن حياته ، ونماذج من تصرفاته ، وهى بذلك مرتبطة جذريا بالأحاديث ، فمن خلال الأحاديث أساسا ، نعرف أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقواله .
"السيرة" ، هى السيرة الذاتية للرسول . غير أننا سنركز حاليا على "الحديث" .
حسب الحديث الشريف الذى ذكر أعلاه كمثل ، نجد أن كل حديث ينقسم إلى جزئين : الجزء الأول هو الإسناد ، والثانى ، هو المتن (أى النص) . والمختصين من المسلمين اهتموا بهذين العنصرين اهتماما شديدا . وكمثال ، فنظرتهم لحديثين بنفس المتن ولكن الإسناد يختلف ، فيكون تصنيفهما مختلفين من ناحية التوثيق . ويلاحظ فى العناية بالإسناد ، الإنتباه الدقيق لطريقة انتقال الحديث من مرحلة لمرحلة أخرى ، وذلك لكى يتأكد المسلمون من صحة النقل ، والضبط ، والسلامة ، والثقة فى الأفراد المنقول عنهم الحديث . وهذا الإنطباع دُعم نتيجة للمجهود المخلص من الأتقياء ، أمثال "البخارى" و "مسلم" ، الذين كانوا يقطعون المسافات البعيدة للتأكد من صحة الحديث ، وقد لاقوا الصعاب فى سبيل تحقيق النصوص ، والتأكد من السلسلة التى تروى الحديث . إن المجموعة التشريعية التى نتجت فى القرن الثالث فى العصر الإسلامى ، سميت بأسماء هؤلاء الذين جمعوا الحديث الشريف : "صحيح البخارى" و "صحيح مسلم" و "سنن أبو داوود" و "جامع الترمذى" و "سنن النسائى" و "سنن ابن ماجه" . فى حين أن هناك كتب أخرى لها اعتبارها ، كـ "سنن الدارقطنى" و "سنن الدارمى" ، وينظر كثير من المسلمين إلى الكتب الستة الأول بأنها أصح الكتب ، وأصحها على الإطلاق ، صحيحى البخارى ومسلم .
من أحد أسباب عمل هؤلاء المحدثين الكبار ، الصراعات والجدل الذى بدأ فى نهاية القرن الثانى من الهجرة ، فقد ملئت الساحة بالأكاذيب والإفتراءات السياسية منها ، والقصص المفبركة ، والمبالغات فى شخصية الرسول كما هى عادة البشرية فى عظمائها ، وظهور الفرق والنحل وتعصب كل لرجاله ، ونسبة كل ذلك للرسول لتدعيم كل فريق لقوله . كل ذلك وصل لدرجة وضع الأحاديث على لسان رسول الله والكذب عليه ، حتى أن ما جمعه البخارى كان حوالى 600 ألف حديث ، لم يعتمد منها غير 2,602 حديث فقط (غير المكررة منها) . هذا وضع محير جدا ، ولو أن البخارى لم ينف أن تكون هناك أحاديث غير التى أوردها يمكن أن تكون صحيحة .
وقد كان البخارى حينما يعتمد حديث ما ، فإنه ربما رفض أحاديث أخرى بنفس المتن ، ولكنه لم يعتمد إسنادها حسب القواعد التى عقدها لقياس صحة الإسناد . فبالنسبة له ولجميع المحدثين ، فقد كان الإسناد له الأولوية فى تقييم صحة الحديث . فلكى يعتمد الحديث صحيحا ، لابد أن تكون سلسلة الرواة قوية وجديرة بالثقة ، ولا توجد عيوب بها مخفية . فمثلا عند البخارى ، إذا ثبت عنده أن راويين لم يصادف أن لاقى بعضهم البعض ، فلا يأخذ بالحديث المروى عنهما .
وقد أدى هذا البحث فى القرن الثانى الهجرى فى الأسانيد ، إلى دراسة أحوال الرجال ومدى تقواهم ، وصدقهم ، وتصرفاتهم ، وذكاؤهم ، وأدى هذا إلى نشأة علم يسمى "أحوال الرجال" ، تطور إلى علم مستقل غنى بالمعلومات عن رواة الأحاديث ، حتى أن "سبرنجر Sprenger" سماه "الأدب المحمدى المجيد The Glory of Muhammadan Litrature" .
يقسم علم الحديث ، الحديث إلى ثلاثة أقسام رئيسية : "الصحيح " ، "الحسن" و "الضعيف" . وهذا القسم الأخير ، ينقسم إلى "المعلق" ، "المقطوع" ، "المرسل" ، "الموضوع" ، وذلك الذى به خطأ فى الإسناد أو المتن ، ويسمى "المُصَحَّفْ" . كذلك تقسم الأحاديث حسب سلسة الرواة خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة . فالحديث المتواتر ، هو الحديث المنقول عن جمع من القرون الثلاثة الأول لا يشك كثيرا فى نقلهم . أقل عدد للتواتر هو سبعة ، وقد يصل إلى السبعين . والأحاديث من هذا الباب قليلة . وهناك الحديث "المشهور" ، وهى أكثر من السابق ، ورواتها من اثنين إلى أربعة من الرواة من القرن الأول ، وعدد كبير من القرنين التاليين . هذان النوعان عليهما يحتلان موقعا هاما فى التشريع منذ الأيام الأولى للإسلام . وأحاديث الآحاد التى رويت بواسطة أربعة رواة أو أقل فى القرون الثلاثة الأولى ، يعتبرا مع هذين النوعين ، وذلك بناء على مناقشات من "الإمام الشافعى" ، المصدر الثانى للتشريع السنى فى الإسلام .
من هذه المقدمة المختصرة ، يشعر المرء بالضخامة والتعقيد لهذا العلم القديم ، وللأسف كما يقول "الصديقى" ، فالخبراء هذه الأيام فى هذا العلم قليلون :
وفى الحقيقة ، فإن هذا العلم بالهند (على ما أعرف) ، وفى الدول الإسلامية ، قد تحول لمجرد أمور شكلية . فالقليل من العلماء يتبحرون فى "أسماء الرجال" - وهو من أهم العلوم لمعرفة الأحاديث . والمتحولون الجدد للإسلام ، يجدون تناولهم للأحاديث أقل بكثير من تناولهم للقرآن الكريم . وهذا ناشئ عن عدم وجود خبراء فى هذا المجال ، ومعلوماتهم تأتى من ترديد بعض المسلمين للأحاديث لمجرد أن يبرهنوا على رأى معين أو سلوك معين يمارسوه . والأمر بهذا الشكل أكثر تعقيدا للمسلمين الجدد . فهم قد أتوا من النصرانية أو اليهودية ، وقد رفضوا إرثا موازيا لم تستسيغوه عقولهم ولا يقبله العلم الحديث ، وقد كانت هذه الأمور مقبولة إلى فترة قريبة ، كذلك من الصعوبة بمكان أن تهمل انتقادات علماء غربيين ، نجحت فى كشف تناقضات فى الكتب المقدسة ، التوراة والإنجيل ، ووصلت إلى استنتاجات مماثلة وردت بالأحاديث الشريفة الموجودة ببعض كتب الأحاديث ، مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . كذلك من الصعب بالنسبة لهؤلاء المسلمين الجدد ، ألا تناقش فى صحة مثل هذه الأقوال الغير مستساغة وغير معقولة التى تنسب للرسول عليه الصلاة والسلام . وفوق كل هذا ، فيتوقع من المسلم أن يقبل بكل الأحاديث التى اعتمدها السابقون وعلماء المسلمين المعاصرين بأنها صحيحة وهى تقارير دقيقة عن أقوال وأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام . هذا يضع كثير ممن أسلموا فى وضع غير مريح لتبرير ما يواجهون ، ثم يعتقدون به ، وليس مقبولا منهم أن يسألوا عنه ، وهم يجدون صعوبة فى الإيمان به ، فيلجأون إلى عمل موازنات للوصول إلى الحقيقة .
فيما يلى سنناقش هذه الصعوبات واحدة بعد الأخرى ، مبتدئين بالمقارنة بين الحديث الشريف والإنجيل .
الإنجيل والحديث الشريف :
يعتبر أكثر الكتاب المسلمين وغير المسلمين أن القرآن الكريم والكتب السابقة ، مختلفة خصوصا من الناحية الأدبية ، والأصالة ، وطريقة وصولها إلينا . نفس الشئ يمكن أن يقال عن مجموعة الأحاديث والتوراة ، فبينما الإختلافات ليست بنفس الكثرة كما فى الحالة الأولى ، إلا أن تعددها لا يشجع على الإستمرار فى المقارنة . وبينما يقول بعض الكتاب بأن التشريعات فى مجموعة الأحاديث والإنجيل فيها تشابه ، إلا أن البحث الدقيق فيهما يكشف عن اختلافات هامة كثيرة . فى الحقيقة فكليهما يعمل على هداية أتباعه فى الأمور الدينية ، وتحتوى على تعاليم نسبت إلى مصادر إلهية للرسل المجتبين . بالإضافة إلى أن كل تشريع أسس منذ عدة قرون ويسرى بين أتباعه فى حياتهم ، ويعتمد على الشهادات المنقولة من جيل لجيل ، منذ ذلك الوقت . ولمزيد من الفهم ، فإن الدوافع وراء تجميع كلا منها ونفس طريقة التجميع مختلفة .
أولا : لقد كان المعاصرين لبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متأثرين بعمق بالرسالة ، وهذا طبيعى فى كل التجمعات الإنسانية ، وهذا ما جعلهم يجمعون ما يستطيعون من معلومات عنه ، أدت إلى حركة ثورية فى المجتمع .
ثانيا : أقواله كانت مصدرا مهما لتفسير القرآن الكريم .
ثالثا : مع مرور الوقت ، وانتشار الدولة الإسلامية ، ظهرت مشاكل قانونية متعددة ومعقدة ، شك الحكام فى مقدرتهم على حلها ، وكان لا بد من توضيحها بناء على هدى النبوة .
دوافع كتابة الإنجيل كانت مختلفة عن تلك الظروف . وكما هو المعهود فى كل الأنبياء ، فقد كانت توصيات عيسى عليه السلام تصب فى تغيير جذرى . وعلى كل حال ، يمكننا القول بأن تعليماته كانت أخلاقية وروحية ، ولَم تتضمن القواعدَ والمؤسساتَ الفعليةَ لحكم مجتمعِه. طَلبَ إصلاحاً، لكن لَيسَ إعادة صب النظام الإجتماعي الحالىِ .
وقد يمكننا التكهن فى أى اتجاه كان سيسير المسيح لو بقى فترة أطول على الأرض ، وهذا مجرد افتراض . ربما كان سيؤكد على الروحانيات الداخلية ، وتغليبها على الأمور الخارجية ، وهذا مختصر بعثته ، وربما لسبب ما ، لم تسجل أقواله وأفعاله . وحسب معلومتنا ، لم يترك سيدنا عيسى أى كتاب مقدس يمكن ترجمته . فالكنائس النصرانية الأولى كانت تعيش تحت حكومات عدائية ، تعليم الإيمان الجديد ، وتصحيح بعض الإنتهاكات ، لا مجهود حقيقى لبناء رسمى وشامل يعتمد على تعليمات المسيح . والمجهود الذى قام به الكتاب النصارى الأوائل لم يشر إلى الأقوال الفعلية للسيد المسيح .
ومع بداية القرن الثالث الهجرى ، بلغ الحديث شأوا بعيدا وتأثيرا قويا ، على الأقل فى مجال القانون ، وثبتت الأحاديث الصحيحة وصارت المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن الكريم ، وأصبح الرجوع إليها مفضلا عن "القياس" ، و "الرأى" المستقل . واستجاب مؤلفوا الكتب الستة وآخرون لهذا التوجه ، فبدؤا فى تبويب كتبهم لسهولة الرجوع إليها لتأصيل الشريعة والوصول إلى الأحاديث الصحيحة ، وعنوا بذلك أشد العناية .
نحن هكذا نمتلك معلومات وافرة ومفصلة بخصوص تطور هذا العلم ، خصوصا عن الأسباب وطرق إختيار المعلومات التى تشكل الشريعة .
يتبع
آخر تعديل بواسطة أبو إيهاب ، 29-08-2007 الساعة 09:09 AM.
|