((طوق الحمامة في الألفة والألاف ))

[صمت الكلام]

وبهذا المعنى تبدو ((طوق الحمامة)) في بعض دلالاتها مرآة لشخصية ابن حزم النفسية والأخلاقية , وحياته الأنسانية والسياسية والأجتماعية , فتعرض لمحا عن طفولته ونشأته وشبابه , فهو قد تربى في أحضان النساء وخبرهن , وعرف عنهن الكثير من الأسرار العجيبة حسب زعمه . ويشير في مواضع عديدة من الرسالة الى حياته وحياة اسرته في قرطبة , فيذكر أباه الوزير , واخاه الذي تزوج من عاتكه بن قند , ثم توفي شابا . ويتحدث عن منازل اهله القديمة بقرطبة في بلاط مغيث , والجديد في ربط الزاهرة , والبساتين المحيطة بها .
ونراه في مواضع أخرى يذكر ما حل به من النكبات والمآسي التي حملته على النزوح من قرطبة مدينته المحببة الى نفسه , وغير ذلك من التفاصيل المعبرة عن حياته وبيئته , وكان رسالة (( الطوق )) تحكي شطرا من سيرته الذاتية واعترافاته , رغم تحفظه على كثير من هذه الاعترافات , وميله الى كتم اصحاب قصصه , الا ما كان شائعا ومعروفا عند الناس .

وتطالعنا في طوق الحمامة شخصية ابن حزم الفقيه , الورع , الفيلسوف , الذي يتحدث عن الحب دون وجل او تحرج , ولكنه لا يغادر نزعته العقلية المنطقية , ولا يتنكر لشخصيته الفقهية , فكانت لنا آثار واضحة من حزمه وحكمته ودقته وصراحته وعلمه .
فأذا كانت قصص الحب واخباره تشيه في معظم ابواب الرسالة , فان فيها من الوقفات الاخلاقية , مثل بابي الغدر والوفاء , والدينية مثل بابي قبح المعصية . والبابان الاخيران يذكران القارئ صراحة بشخصية ابن حزم الفقيه صاحب الألتزام الديني والأخلاقي الواضح .