أوجه العلاقات بين العراق القديم والخليج العربي :
1 ـ العلاقات التجارية :
تشير الحفريات أن بداية النشاط التجاري بين العراق القديم والخليج العربي كانت حواي عام 2500 ق م حيث وردت إشارة صريحة أن الأمير (أورنانشة) حاكم مدينة (لكش) ، قد جلب من دلمون (البحرين) مواد أولية ومن بينها الأخشاب لبناء معبد الإله ( ننجرسو) في المدينة *1
لقد برز دور مدينة أور في الفترة الواقعة بين 1800ـ 1200 ق م ، كمركز هام للتبادل التجاري ، بما يوازي أهمية ميناء البصرة حاليا ، وهذا الحديث يعزز أن مياه الخليج العربي أو المساحات المائية كانت أوسع مما هي عليه الآن ، وما الأهوار الحالية إلا بقايا لمسطحات مائية واسعة .. كما برزت العلاقة بين تلك المدينة كممثلة للإنتاج العراقي و النشاط الاقتصادي في العراق ، مع دلمون التي ثبت أنها البحرين ، وكانت تمثل الكتلة الجغرافية التي تشمل بلاد عمان والإمارات العربية الحالية و السواحل الشرقية للسعودية الحالية ، إضافة إلى أن البحرين كانت مركزا تجاريا يتخطى المسافات ليركز بضائع الهند (ميلوخا) وما حولها *2
وقد كان العراق يستورد من الخليج النحاس والأحجار والأخشاب والأحجار الكريمة والعاج والعطور وبعض أصناف الطيور ، سواء من إنتاج الخليج أو من استيراده من الهند . في حين كان يصدر للخليج الحبوب والأقمشة والجلود والصناعات الجلدية والزيوت والملابس .*3 وكانت كل تلك البضائع تنقل بواسطة النقل المائي ( القوارب والسفن) . وكانت الكتابات المسمارية تسمي أولئك القائمين بالتجارة ب ( المسافرون الى تلمون ) .
العلاقات الفكرية :
بات من المؤكد أن العراقيين القدماء قد عرفوا الخليج منذ الألف الربعة قبل الميلاد ، وكانوا يسموا مياهه ب ( البحر الشرقي ) .. وقد تجاوزوه جنوبا للبحث عن مصادر المواد ، وكانت أدبياتهم تشير الى أرض الخليج بأنها أرض الفردوس التي يعيش أهلها في شباب دائم ولا يفترس حيوانها المتوحش الحيوانات الأخرى حيث تعيش الغزلان والأسود في جو من الألفة !*4 .
إلا أن الفنانين الخليجيين من بنائين و نحاتين ورغم استقلاليتهم عن الفنانين العراقيين ، إلا أن أنماط البناء للمعابد قد تأثر الى حد كبير بالنمط العراقي . كذلك يقال عن الأختام المصممة خليجيا وإن كانت مسطحة إلا أنها تتشابه مع الأختام الأسطوانية العراقية ..
كما أن المشاهد الطقوسية في المعابد والأعراس والدلائل الحيوانية والنباتية وتصميم القوارب ، ظهر فيه الأثر العراقي واضحا *5
العلاقات البشرية :
إن الشكلين السابقين في العلاقات التجارية والفكرية ، يؤكد اتصال بشري عميق بين الكتلتين البشريتين ، ويمكن تصور ذلك التواصل من مضمون ترنيمة دينية يرد فيها على لسان الآلهة (عشتار) ما يلي :
(( في أور بيت (معبد) دلمون يعود لي )) *6
كما تتأكد تلك الصلات من نصوص (سرجون الأكدي) وكذلك في مقدمة الملك (أورنمو)*7 ..
وتشير النصوص في العهد الآشوري أن البلاد كانت مقسمة الى 15 وحدة إدارية تتمتع بحكم ذاتي ولكنها تحت حكم مركزي ( الملك آشور بانيبال) وكانت ولاية تحمل ترقيم 100 في النص المكتشف تشير الى أن أريدو و دلمون كانتا ضمن ولاية ( وحدة إدارية ) واحدة .. وبقيت كذلك حتى عهد آخر ملوك بابل ، (نبونائيد ) * 7
لكن هناك من يقول أن التوحد السياسي قد سبق عهد الآشوريين بكثير ، فقد رد بعضهم التوحد السياسي الى العصر (العبيدي) حوالي 4000 ق م ، حيث وجد في الموقع الأثري المسمى (تل عبيد) والذي يبعد 10كم غربي (أور) ومواقع أخرى جنوب (أور ) ومنها (أريدو ) نفسها تعود الى العصر العبيدي من خلال مقارنة الصناعة الفخارية .. فإنه تم العثور على السواحل الغربية للخليج العربي على آثار تدلل على وجود مستوطنات ( عبيدية هناك ) .. وقد أثبتت الدراسات أن الطين المصنوع منه فخاريات تلك المستوطنات هو نفس الطين من منطقة أريدو ..*8
وعندما تعرض العراق للغزو الساساني ، أهملت الخطوط التجارية بين العراق وبين الخليج العربي .. ليعيدها العرب بعد تحرير العراق من الفرس ، بإنشاء مدينة البصرة لكي تبعث من جديد الصلات الأخوية بين الشعبين .
انتهى
المراجع
ــــ
1 ـ كورن وول : رسالتان من البحرين الجزء الرابع ص 137
2ـ رضا جواد الهاشمي : النشاط التجاري القديم في الخليج العربي / مجلة كلية الآداب بغداد العدد 23 ملحق 1978
3ـ المصدر السابق
4ـ رضا جواد الهاشمي : وحدة العناصر الحضارية في الخليج العربي ، مجلة بين النهرين بغداد العدد 27/1979
5ـ مجلة آفاق عربية العدد 9/ السنة السابعة بغداد
6ـ المصدر السابق
7 ـ المصدر السابق
8ـ رضا جواد الهاشمي : وحدة العناصر الحضارية في الخليج العربي ، مجلة بين النهرين بغداد العدد 27/1979
__________________
ابن حوران
|